تُبين هذه الآيات صفات جميلة لأعظم الناس، وهم عباد الله. يتميزون بالتواضع، فيمشون بسكينة وأدب، وخطابهم حسن. إن واجههم جاهل أو سفيه، فلا يردون عليه بالمثل، بل يتذكرون أنهم من عباد الرحمن وأنهم أرفع مقاماً بالتزامهم بما أمر الله به. ردهم على الجاهل والسفيه يكون خطاباً يجعلهم سالمين من الإثم، بحلم وحسن تعقل، ومقابلة الإساءة بالإحسان. من صفاتهم صلاة الليل، وهي من أجل الصفات وأعظمها. في هذه الصلاة، يكون العبد قريباً من ربه بعيداً عن مشاغل الحياة. كما يتذكرون الآخرة وما أعده الله لمن تولى وعصى، فيسألون الله الثبات على الحق ويدعون الله بأن يدفع عنهم العذاب ويجنبهم كل إثم ومعصية، وأن يعصمهم من الخطأ، ويوفقهم لأسباب المغفرة والتوبة. عباد الرحمن هم الذين إذا رزقهم الله برزق من مال أدّوا ما عليهم من واجبات مستحقة ومستحبة من غير إسراف وتبذير، ولا بخل وتقتير. أولئك هم عباد الرحمن الذين أخلصوا دينهم لله فلم يشركوا معه أحداً لا قولاً ولا عملاً. من أعظم صفاتهم المحافظة على النفس التي حرمها الله وعدم التعدي عليها. يعلمون أن قتل النفس البريئة بغير حق، مهما كانت الأسباب كبيرة، من كبائر الذنوب وأن الاستهانة بها من أعظم الجرائم. لقد حذر الله من ذلك وحذر رسوله الكريم أشد التحذير في كثير من المواضع. قرن سبحانه مع حرمة قتل النفس حرمة الزنا؛ لما فيه من الإثم الكبير والذنب العظيم. الزنا والقتل من أعظم الأمور التي يحدث فيها الفساد في الأرض، ويختل توازن الحياة. وهما مقرونتان بجريمة الشرك بالله في أول الآية. لمن سلك هذا الطريق، له العذاب الأليم، إلا من أدرك نفسه وتاب عن هذه المعاصي وغيرها، وظهر ذلك قولاً على لسانه وعملاً بجوارحه، مع الاعتقاد الصحيح في القلب. فأولئك يُبدل الله سيئاتهم حسنات. بين سبحانه حرمة شهادة الزور، بل دم حضور مجالس الزور المشتملة على الأقوال والأفعال المحرمة. هذا كله داخل في قوله تعالى: "وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا". هذا من جمال الأدب أن يكرم الإنسان نفسه ولا يُهينها بمثل هذه المواطن. من صفات عباد الله المتقين حسن استماعهم لآيات ربهم ولا يعرضون عنها. لسان حالهم وقولهم التصديق لكل ما صح عن الله تعالى وعن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ومن صفات عباد الله المتقين، يسألون ربهم دائما أن يوفقهم لحسن إقامة الأسرة السعيدة، ومعرفة أهداف إقامة الأسرة وطرق التربية، وصلاح الذرية التي تقرُّ بهم العين. هم رأس المال في هذه الحياة، وصلاح الأسرة صلاح للمجتمع. ويدعون ربهم أن يوصلهم ويوفقهم للدرجات العالية، وأن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم وأسرهم ومجتمعهم وأمتهم. من كانت هذه حاله فبشره بجنة عرضها السماوات والأرض. يرزقون فيها المنازل العالية والمساكن الجميلة سالمين فيها من كل هم وغم وكدر. وليعلم أن الله جل وعلا غني عن الناس وغيرهم، وأنه لولا دعاؤهم وعبادتهم له ما أحبهم وأعلى مكانتهم. وسوف يحكم الله بين عباده، فنسأله أن يرحمنا برحمته ويوفقنا لكل عمل وقول يوصلنا لأعلى جنته.