لطالما كان الحديث عن الشخص موضوع اهتمام الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ ويدخل هذا الموضوع ضمن الاهتمام الفلسفي لمجال الوضع البشري الذي يشير إلى مجموع الشروط والأبعاد التي تحدد الوجود الإنساني، بحيث يشعر الانسان بالعديد من التغيرات التي تطرأ على ذاته عبر جميع مراحل حياته، لكن بين طيات هذا التغير والتبدل نجده يشعر بالثبات والوحدة والتفرد وذلك ما يعبر عنه من خلال قوله "أنا" في كل ما يتعلق بذاته، بمعنى أنه يشعر بأنه هو نفسه عبر كل مراحل حياته، على أي أساس تقوم هوية الشخص؟ هل تقوم على أساس ثابت أم متغير؟ وهل يمكن اعتبار العقل أساسا ثابتا للهوية الشخصية؟ أليست هناك أسس أخرى للهوية الشخصية؟. جوابا عن الاشكالات أعلاه نجد صاحب النص يؤكد على أطروحة مفادها أن هوية الشخص تقوم على ما هو داخلي وغير مادي، وذلك في مقابل ما هو سائد بين العموم، كون المظاهر الجسدية هي التي تحدد هوية كل شخص، لكن من وجهة نظر صاحب النص فالهوية الشخصية تتأسس على العقل الذي يعتبر جوهر الذات الإنسانية والمحدد الجوهري للهوية، فبدونه لا يمكن أن يعي الشخص ذاته ووجوده، ويتجلى هذا العقل عند الإنسان من خلال مجموعة من القدرات نذكر منها على سبيل المثال التفكير والتذكر، فإذا فقد الانسان عنصرا من العناصر المتعلقة بالفكر أو العقل فإنه سيفقد هويته دون شك. ولن نجد أبرز من مفهوم الشخص والذي يطلق على الفرد في بعده المادي من حيث هو مظهر وجسم، وفي بعده المعنوي من حيث هو ذات واعية مريدة وحرة، ثم مفهوم الهوية الذي يحيل على الخاصية الثابتة التي تجعل من الشيء هو هو، بمعنى الخاصية التي تجعل من الشيء مطابقا لذاته ومختلفا عن غيره، وبذلك تكون الهوية هي مبدأ وحدة واختلاف، أما الذاكرة فهي ملكة تعمل على تخزين التجارب التي عاشتها الذات في الماضي، وهي من بين القدرات ىالعقلية التي تتميز بها الذات، بحيث عبر الذاكرة تتمكن الذات من إحياء حالة شعورية من الماضي خاصة بها، أما التفكير فهو مجموع العمليات الذهنية التي يقوم بها العقل البشري، ولعل العلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط وانسجام، للدفاع عن أطروحته وظف صاحب النص جملة من الأساليب الحجاجية واللغوية التي شكلت الهيكل الإستدلالي لأطروحته، تمثلت في أسلوب المثال عندما تحدث عن هناء وعن مظاهرها الجسمانية المتغيرة، والغرض من هذا المثال هو توضيح فكرة أن المظاهر الجسمانية لا يمكن أن تمثل أساسا ثابتا للهوية الشخصية، ثم لجأ لإلى أسلوب الدحض بحيث يدحض الفكرة السائدة كون المظاهر الجسمانية الخارجية المادية أساسا للهوية الشخصية، ثم استعان بأسلوب المقارنة، بحيث عمل على المقارنة بين التغيرات الجسمية ومدى تأثيرها على الهوية، والتغيرات العقلية الفكرية التي يرافقها تغير على مستوى الهوية، وهكذا فالتغيرات الجسمية المادية لا تمثل أساسا للهوية الشخصية بل ما هو عقلي هو أساس ثابت للهوية الشخصية. يمكن القول أن لهذه الأطروحة قيمتها في معالجتها لقضية هوية الشخص، ويمكن إبراز قيمتها انطلاقا من أهميتها التاريخية، وفي نفس الوقت مثلت تجاوزا لتصورات فلسفية أخرى، وذلك من خلال نفيها للفكرة التي تجعل من المظاهر الجسمية المادية أساسا للهوية الشخصية، وتأكيدها على كون هوية الشخص تقوم على العقل كأساس ثابت للهوية الشخصية، وفي نفس السياق نجد الفرنسي رونيه ديكارت يؤكد على أن إدراك الحقيقة ينر عبر الشك في كل شيء، ومادام الشك هو عملية تفكير فهو بذلك ذات مفكر، وهكذا يصبح التفكير أساس الوجود، بمعنى التفكير هو أساس ثابت لهوية الشخص، فمتى انقطع الانسان عن التفكير انقطع عن الوجود، فهذا العقل في نظره يولد وهو مزود بأفكار فطرية، هو الأمر الذي لا يقبل به جون لوك. جون لوك يرى بأن العقل الانساني يولد صفحة بيضاء لكن من خلال التجارب التي يعيشها الفرد في جميع مراحل حياته يصبح هذا العقل مزودا بمجموعة من الأفكار، ولكي يسترجعا فهو في حاجة إلى القدرة على التذكر، وبالتالي فهو يرى بأن الذاكرة هي التي تجعل من الشخص واحدا في كل مراحل حياته، لذلك يرى جون لوك أن الشعور والذاكرة يمثلان أساسا للهوية الشخصية، إلا أنها لم تتمكن من إعطاء صورة شاملة حول هوية الشخص، فقد أغفلت هذه التصورات أن هناك إمكانية لفقدان الذاكرة وهذا لا يعني أن الإنسان سيفقد هويته، وبالتالي يمكن بناء هوية مشوهة للذات، وفي هذا السياق يأتي الألماني آرثر شوبنهاور الذي يرى بأن الهوية تقوم على إرادة الحياة. إن إرادة الحياة من وجهة نظر شوبنهاور هي الأساس الثابت للهوية الشخصية، الرغبة في الحياة حاضرة لذى الطفل الرضيع عندما يبكي ليستدعي أمه من أجل أن تمنحه الطعام أو توفر له الأمن والإطمئنان، وهي نفسها الرغبة التب نجده عنده عند يصبح عجوزا يتألم من كثرة الأزمات الصحية والمادية . الأولى وهي أنه يعيش مآسي وأحزان باستمرار، أما سيغموند فرويد فهو يربط الهوية الشخصية بالصراع النفسي الذي تعيشه كل ذات، فالجهاز النفسي للإنسان بالنسبة لفرويد يتكل من ثلاث عناصر، ثم الأنا الأعلى وهو انعكاس لمجموع القيم والمبادئ والمثل التى تحكم الواقع، وهو صرواع يتم بطريقة لاشعورية بين مكونات الجهاز النفسي، وهكذا فذلك الصراع النفسي هو أساس الهوية الشخصية من وجهة نظره. أما رالف لينتون فهو يربط الهوية الشخصية بالتنشئة الاجتماعية، التي تعمل على ترسيخ العادات والتقاليد والقيم التي تحكم الجماعة التي تنتمي إليها الذات، أما جون لاشوليي فهو يرى أن أساس هوية الشخص هو وحدة الطبع والمزاج، فهويته هي تطابقه مع ذاته وتميزه عن غيره، فوحدة الشخص النفسية في الزمان هي أساس هويته. فمنها من يرى أن الهوية ثابتة تتحدد من خلال العقل ومنها من يرى أنها تتحدد انطلاقا من الإرادة ووحدة الطبع والمزاج أو من خلال الصراع النفسي، سواء الشخصية أو الجماعية، هي حمولة من الأبعاد والمحددات التي تشجل من الشخص هو نفسه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الهوية إلا بعد الأخذ بعين الاعتبار كل تلك المحددات السالفة الذكر، فالتداخل بينها هو الكفيل بإعطاء معنى للشخص وهويته، لأن القيمة المطلقة تستمد من خاصيته الثابتة، فمن أين يستمد الشخص قيمته المطلقة؟.