قصة الرجل المؤمن الذي سمع بقدوم رسلٍ لمدينته،  إلا أنَّ هذا الرجل لم يأبه برفض قومه وعنادهم،  بل واجههم وحاول إنقاذ الرسل بدعوة قومه إلى الإيمان بالله واتباع هؤلاء الرسل،  وفي سبيل موقفه هذا دفع الرجل حياته ثمنًا لصدعه بالحقِّ ومواجهة قومه الكافرين،  بل تضمنت أيضًا عددًا من المعاني والدلالات التي سنحاول بيانها فيما يلي.  وبعد أن أكَّدَ لهم الرسل أنهم من عند الله استمرَّ القوم في غيِّهم: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يس: 18]،  أن يتفاءلوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وقَبِلَتْهُ طباعُهم، يقول الله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۞ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ۞ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ۞ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ۞ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: 20-25]،  بل إنه حاول أن يدعو قومه لسلوك ذات الطريق عسى أن ينجُوا في الدنيا والآخرة.  وكيفية دعوة قومه الكافرين.  إذ الدعوة الصادقة تقوم على البذل لا الأخذ؛  بل إنكم ستربحون بالاحتفاظ بما تملكون،  وبالنجاة من عذاب الله والفوز بجنته باتباع الدين الحق. ثم إنه اتَّخذ سبيلًا في النُّصح لقومه بأسلوب منطقي بليغ لطيف،  وهي في حقيقتها مخلوقات لا تضر ولا تنفع! وأنه إن فعل ذلك يكون في ضلال مبين! وأعلن إيمانه بالله داعيًا قومه أن يسمعوا له ويطيعوه،  قال تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: 26-27]. إن هذا الرجل المؤمن لم يشمت في قومه حين دخل الجنة،  وقال: يا ليتهم يعلمون بما رزقني الله به من نعيم وتكريم،