تعتبر فترة العشرينات من القرن الماضي من اكثر العقود حسما في تاريخ المستعمرة الجزائر وذلك بسبب التغيرات التي اثرت على اوضاع الجزائريين السياسية والاجتماعية و الاقتصادية، حيث تطور الحس الوطني والرغبة الشديدة في تغيير السياسي بشكل لافت ولا ريب ان تلك الفترة كانت انعكاسا للحرب العالمية الاولى، التي أدت الى ظهور وبروز الحزب الشيوعي فرنسي - فرع - بالجزائر، الذي كان قد ربط دعوته في البداية بالأمير خالد لم يكن هذا الحزب مهتما بالقضية الجزائرية بشكل اساسي حيث لم يتناولها إلا عندما تحدث عن اوضاع المستعمرات. لم يكن للمسالة الجزائرية تواجدا في الكتابات البولشوفية الى غاية ظهور الكومنترن سنة 1919 حين اعلنت عن تأييدها لمبدأ تقرير المصير الا ان الجزائر لم تكن ممثلة في مؤتمر الاول للأممية الشيوعية الذي عقد في موسكو بين 02 الى 12 مارس 1919 غير أن قضيتها قد اثيرت في البيان النهائي للمؤتمر وقد، أوضح البيان " أن ثورة البروليتارية في اوروبا كانت ضرورية لتحرير المستعمرات وبناء عليه فان تحرير الجزائر يتوقف على تحرير فرنسا. كما أن مؤتمر الثاني للأممية المنعقد في سنة 1920 لم يناقش المشكل الجزائري وتطرق لينين الى مسالة تحالف الاحزاب الشيوعية مع الطبقات البرجوازية للمستعمرات وحاول الاهتمام بالبلدان المختلفة خصوصا الشرق وقد فشل المؤتمر الثالث ايضا المنعقد في شهر جوان 1921 في اتخاذ اجراءات اتجاه الجزائر. في سنة 1922 انعقد مؤتمر الرابع للأممية الشيوعية بموسكو والذي كان من المفروض أن يتطرق الى القضية الجزائرية القضية الشرف وجد نفسه مخصص وقته الى ما طرا في رسالة سيدي بلعباس ولهذا تم إدانة الفرع ومطالبة الحزب الشيوعي الفرنسي من اتخاذ تدابير لمكافحة الاستعباد في المستعمرات الفرنسية والنشاط الثوري ومحاربة بعض الاوروبيين العاملين في المستعمرات في غيابهم وخرج المؤتمر بعدة توصيات اهمها: - "تكوين جبهة موحدة بين الشيوعيين والوطنيين والبرجوازيين". - "مضاعفة الدعاية المعادية للاستعمار من جانب الشيوعيين والاوروبيين الذين لبلادهم مستعمرات " - "ادخال الجزائريين في الحزب الشيوعي الفرنسي". وفي هذا سياق الاخير سعى الحزب الشيوعي الفرنسي الى ضم العمال والمهاجرين الجزائريين الى صفوفه لتعزيز نشاطه السياسي والاجتماعي وكان هذا جزء من استراتجيته لكسب دعم شعوب المستعمرة. وبحلول عام 1924 و بالتحديد في 7 جويلية انعقد مؤتمر الخامس للأممية الشيوعية و تعرض اليسار الفرنسي للانتقادات من السوفيات، بسبب اتهامهم للشيوعيين الفرنسيين و فرعهم في سيدي بلعباس بارتكاب اخطاء جسيمة واعتبر السوفيات هذه الافعال انحرافا عن المبادئ الشيوعية بحيث كانت تروج لبدئ الثورة والتغيير اولا في فرنسا قبل المستعمرات ويعتبر ضرورة ملحة في السياق الفرنسي للحزب الشيوعي الفرنسي والفدراليات العاملة تحت مضلته ونتيجة لهذا المنظور تأجلت قضية تسوية الاستعمار بالجزائر في برامج عمل حزب الشيوعي الفرنسي التي اصبحت بعيدة عن التحقيق. والحقيقة ان دعوة الشيوعيون بتحرير الجزائر ماهي إلا حماقة خطيرة وأظهر شيوعيون الفرنسيون انهم لا يقلون تمسكا بفرنسة الجزائر وهكذا كان الشيوعيون من دعاة التثبيت دائم للإمبراطورية الفرنسية. في نفس السنة قام الحزب بتأسيس فيدرالية شيوعية جزائرية ووضع مقرها بالعاصمة وكان ذلك بهدف دحض الاتهامات الموجهة ضده بالانحراف وتبني سياسة استعمارية في الجزائر وقد تم اتخاذ هذه الخطوة بهدف تعزيز شفافية والتواصل مع الجمهور وتحقيق التقدم والازدهار للحزب، إضافة الى ذلك ان تشكيل الفيدرالية لم يكن بهدف ترقية الفروع الشيوعية الي مستوى الاحزاب اليسارية الاوروبية واحتواء على تنظيمات الشيوعية في المستعمرات الفرنسية هذا النهج جعل الفروع الشيوعية مجرد اقمار تدور في فلك حزب الشيوعي الفرنسي. تراجع اهتمام الكومنترن بالمشكل الجزائري لبعض الوقت بعد انشاء الفرع الجهوي الجزائري ولم يتمكن هذه الفرع في جذب القوى ذات الحضور السياسي والثقافي وذلك بسبب انغلاقه على نفسه وفشله في تسرب بين الجماهير وعدم اقبال الشعب على انخراط في هذا التيار ولاسيما ان النشاط الشيوعي في الجزائر كان يواجه عقبات كبيرة نتيجة للتدخل الحزب الشيوعي الفرنسي وسيطرته على الشارع السياسي، ناهيك على انها كانت تعاني من الفوضوية وضيق في العدد مما جعلها تفقد التنظيم والتنسيق اللازمين زيادة الى افتقارها القدرة على تحليل الوضع الاستعماري بدقة، بحيث كانت تسلم بطاعة لأوامر الحزب الشيوعي الفرنسي و هو السبب الرئيسي في ذلك. ونظرا لرفض الجزائريين على انضمام الى هذا التيار اليساري الشيوعي والفيدرالية الشيوعية الجزائرية ونضرا لتضاربه مع المبادئ الاسلامية والوطنية فان الحزب الشيوعي تقلص الى فئة قليلة جدا من الجزائريين وكان يتألف اعضائه من عمال المهاجرين المغاربة في فرنسا وقد زادا هذا التباعد بين الحزب الشيوعي الفرنسي والسكان المحليين بعد تأسيس نجم شمال افريقيا الذي بدأ يجذب طبقة المهاجرين في فرنسا بشكل متزايد. وعلى كل حال لقد اصدرت الفدرالية جريدة تحت اسم "لالوت سوسيال" "الصراع الاجتماعي" وللآسف لم تكن لها سياسة مستقلة بحيث انها كانت تتبع الاوامر من الاعلى وكانت تعامل المشكل الجزائري كجزء من المشاكل الفرنسية الداخلية، دون اعتباره مشكلة وطنية جزائرية بالإضافة الى ذلك كانت الفيدرالية تولى اهتماما للعمال الفرنسيين في المدن الرئيسية متجاهلة الجزائريين الذين كانوا يعيشون في الارياف. وعلى ذكر ذلك من الجدير ان نشير الى موقف الفروع الشيوعية في الجزائر حول موقفها من القضية الوطنية في الجزائر فمثلا فرع حسين داي اعترف بوجود وطنية لدى الجزائريين ولكنه اعتبرها غير ناضجة بل قد دعى الى مقاومة اي تيار وطني يتبوأ مكانته في الساحة الجزائرية في حين فرع الجزائر حصر الوطنية في جماعة المحافظين بقول المتكلم باسم الحزب "هؤلاء الوطنيين يجب إلا يواجهوا علنا لأنهم يقودون الرأي العام الدى بروليتارية الاهالي ولكنه لا يعني الاعتماد عليهم بل يجب الاعتماد على الاقلية المثقفة "أما فرع بليدة فنادوا بمحاربة التيارات الوطنية لدى الاقلية الاهلية المثقفة وقد وافقهم في هذا الرؤى فرع العفرون. أما فرع بلعباس يؤكدون على ان البرجوازيون ينادون بالمبادئ الوطنية والاقطاعية وأنهم يعتزمون على استغلال لفرض سياسة اضطهادية، أما فرع وهران يعتبر الوطنية موجود عند بعض القادة اما الجماهير فهيا ساذجة ممزوجة بعقلية دينية، أما فرع قسنطينة فقد كان أكثر حده حيث اجاب الدكتور لورانس بقوله "على الحزب ان يكشف ويندد بقوة بهؤلاء الوطنيين وأن يشعر الاهالي بكثير من القوة ويعطي للاستعمار شيئا من الاطمئنان والهدوء". خلال عقد الثلاثينات قرر الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1931 انشاء احزاب شيوعية في تونس والجزائر والمغرب لابتعاد الاحزاب الوطنية في تلك البلدان عن الحزب الشيوعي الفرنسي وبدأ اعضاء هذه الاحزاب يعملون نحو تحقيق الاستقلال والانفصال عن فرنسا في الجزائر ويؤكد ذلك عندما قاد مصالي الحاج حركة انفصال عن الحزب الشيوعي الفرنسي مطالبا بالاستقلال والعودة الى منابر الحضارة العربية الاسلامية وتوحيد الشعوب العربية والاسلامية. في ربيع سنة 1934 قام "أندري فرات" بجولة قصيرة في الجزائر حيث أعلن عن سياسة تعريب الفرع الجهوي الجزائري بهدف توفير متنفس للسياسة محلية تتناسب مع رغبات الجزائريين وفي شهر اكتوبر من نفس السنة أعلن الشيوعيون في الجزائر عن برنامج جزئي يتضمن مجموعة من المطالب العمالية، تميز هذا البرنامج بتوجيه اهتمام كبير نحو الطبقات العمالية والجماهير الاهلية في البلاد وقد لاقى هذا الاعلان استحسان كبير من قبل الشعب حيث اعتبروا ان هذه السياسة تمثل تقدما ملحوظا عن سياسات السابقة. تضمن البرنامج الحزبي بمطالب متنوعة تهدف ظاهريا الى تحسين ظروف العمال وتعزيز حقوقهم وتتمثل هذه المطالب المعلنة فيما يلي: - "العمل ضد الضغط والقهر وذلك لإلغاء "قانون الانديجينا" والعمل على مساواة في الحقوق السياسية والنقابية وعلى فصل الدين الاسلامي عن الحكومة وعلى حرية الصحافة والهجرة للعمل الى فرنسا". - "ضد الحرب والضغوط الامبريالية والفاشية والمنضمات الفاشية والدفاع عن الاتحاد السوفياتي وطن جميع العمال المقهورين وضد حرب المغرب لسحب الجنود الفرنسية والعمل على تحرير ضحايا القهر الامبريالي. " - "الدفاع عن العمال ومطالبهم وعن الفلاحين الصغار والحماسيين وعن الصغار" وهكذا يذهب الحزب الشيوعي في العمل على جلب النظر إليه،