التي تهدف أساسا إلى تبرير تدخل القضاء في عملية التحكيم باعتباره صاحب الولاية الأصيلة لفض المنازعات، وهو توجه يلقى تأييد بعض الفقه العربي. بيد أن هذه النظرية تتراجع أمام التطورات الجديدة، كالتي عبر عنها القضاء الفرنسي وتبعه فيها كثير من قرارات هيئات التحكيم، والتي تبرز الطبيعة العقدية للتحكيم بل وتقترب به من النظرية المستقلة للتحكيم. وعلى الصعيد الواقعي، لا يبدو أن التحكيم يشكل اليوم استثناء على صعيد المعاملات الخاصة الدولية. فتزايد اللجوء إلى التحكيم وتنامي دور مراكز التحكيم التجاري يدل على أنه أصبح الطريق الطبيعي لحل منازعات التجارة الدولية؛ "بل أصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية. " ويذهب بعض الشراح إلى القول أن التحكيم "أصبح يقف على قدم المساواة مع المحاكم الوطنية، بل أصبح باعتباره الوسيلة الطبيعية التي يلجأ إليها المتنازعون على مسرح التجارة الدولية متقدما على قضاء الدولة، إذ أن الأولوية من قبل هؤلاء الأطراف تعطى لقضاء التحكيم وليس إلى قضاء الدولة. وذهب آخرون إلى حد القول إنه، كنتيجة لرغبة أطراف العلاقات التجارية الدولية في التحرر من القوانين الوطنية، "فقد اضطرد الالتجاء إلى التحكيم. ومعنى ذلك أن التحكيم هو نظام القضاء الوحيد في مجال المعاملات الدولية. وهو بهذه المثابة ليس مجرد نظام خاص يقوم إلى جانب نظام عام هو القضاء النظامي، وإنما هو النظام القضائي العام الوحيد الذي يستقل بأداء الوظيفة القضائية في مجال المعاملات الدولية. " وهكذا يمكن القول مع بعض الفقه إن التحكيم تطور من كونه بديلا عن محاكم الدولة إلى "مرحلة ازدهار التجارة الدولية التي أصبح فيها التحكيم هو الوسيلة الوحيدة المقبولة لتسوية الخلافات الناشئة عنها. وبالتالي أصبح التحكيم هو القضاء الأصيل للتجارة الدولية. وليس أدل على تنامي التحكيم من تبني قانون التحكيم الأردني رقم 31/2001 لسياسة عامة تشجع التحكيم، وتغير كثيرا من المبادئ التي سادت في اجتهاد القضاء في ظل قانون التحكيم لسنة 1953 الملغى. فإذا كان للدولة أن تضع القيود التي تراها بشأن التحكيم الداخلي، فإن التساؤل يثور بقوة حول مبررات تقييد التحكيم التجاري الدولي من خلال النظر إليه بعين الشك والحذر. وبناء على ذلك، نعتقد أن القضاء الأردني سوف يستلهم السياسة العامة الماثلة في نصوص قانون التحكيم لسنة 2001 ويتحرر من النظرة التقليدية للتحكيم. إذا حصل ذلك فإن الباب سيكون مفتوحا أمام تطبيق المبادئ والحلول الجديدة في مجال التحكيم التجاري الدولي من خلال اجتهاد القضاء الأردني لأنها لا تتعارض مع نصوص قانون التحكيم الأردني.