من الأبحاث المرتبطة بعلوم القرآن والتي اهتم بها المفسرون والباحثون البحث عن الآيات المكتبية والمدنية وتمييز كل منهما عن الأخرى، وقبل أن ندخل في صلب الموضوع لابد أن تحدد المقصود من المكي والمدني، حيث ذكرت ثلاثة معان لهما. ا : ان المقصود بالمكي ما نزل بمكة أو ضواحيها، ب ان المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة، المدينة، قيل: وعليه يحمل قول من قال: ان ما صدر في القرآن بلفظ يا أيها النَّاسُ فهو مكي، وما صدر فيه بلفظ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو مدني . ج) ان المكي ما نزل قبل الهجرة، ويترجح المعنى الثالث على المعنيين الآخرين من ناحيتين: الأولى: ان المكي والمدني بالمعنى الثالث يشكل كل آيات القرآن - كما جرى عليه المفسرون بخلاف المعنيين الآخرين لهما، مكة والمدينة وضواحيهما لا تدخل تحت المكي والمدني بالمعنى الأول، الآيات التي لا تتضمن خطاباً مثل آيات تمجيد الله سبحانه، وكذلك الآيات التي لا تختص بأهل مكة والمدينة - وما أكثرها - لا تدخل تحت المكي والمدني بالمعنى الثاني، بل حتى الآيات التي تخاطب أهل مكة أو أهل المدينة لا تختص بهم، حيث ان القرآن حي لم يمت وأنه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر . الثانية: ان تمييز الآيات على أساس بقعة نزولها أو المخاطبين بها ليس بالأمر المهم بحيث تترتب على كل من القسمين خصائص تختلف عن خصائص القسم الآخر، بينما تمييز الآيات النازلة قبل الهجرة عن الآيات النازلة بعدها . وهو الأساس المعتمد في المعنى الثالث للمكي والمدني - ربما تترتب عليه آثار هامة، حيث يمكن استكشاف خصائص لكل من القسمين تميزه عن القسم الآخر، باعتبار ان حدث الهجرة المائز بين القسمين ليس قضية هامشية عابرة في مسيرة الرسالة الإسلامية وإنما هو حدث فاصل وحاسم فيها، إذ كان الإسلام قبلها مجرد تعاليم قيمة جذبت حولها مجموعة من المؤمنين، بينما تحول بعد الهجرة إلى كيان متكامل قائم حيث تصدى لبناء دولة وقيادة المجتمع بكل مستلزماته فمن الطبيعي أن تكون للآيات النازلة بعد الهجرة خصائص تختلف عن تلك التي نزلت قبلها، فيستحق ذلك الدراسة الدقيقة والمتأنية لمعرفة طبيعة النقلة الحاسمة للرسالة الإسلامية بعد الهجرة، لهذا التحوّل الحاسم فيزيدنا بصيرة بالإسلام. وبشموليته. ٢ - باعتبار المخاطب أهل مكة أو أهل المدينة وقد ذكر الباحثون خصائص لكل من المكي والمدني نلخصها فيما يلي: ۱- خصائص القسم المكي (1) قصر الآيات والسور وإيجازها وتجانسها الصوتي. لكنا نلاحظ ان هذه ليست حالة مطردة حيث نجد أن مجموعة من السور والآيات الطوال مكية مثل الشعراء ، الاعراف، الفرقان، الإسراء، يوسف، الأنعام، الشورى الكهف، الأنبياء، المؤمنون، وغيرها. كما ان مجموعة من الآيات والسور القصار مدنية مثل النصر ، الجمعة، التغابن الصف الرحمن - آياتها قصار - وغيرها . نعم، أكثر السور القصار والسور ذوات الآيات القصار مكية، نسبة السور الطوال المدنية أكثر من نسبة السور الطوال المكية. ب الدعوة إلى أصول الإيمان بالله واليوم الآخر وتصوير الجنة والنار. ونلاحظ أيضاً أن كثيراً من الآيات الكريمة التي تتحدث عن هذه الأصول والمفاهيم آيات مدنية، : ونلاحظ ان هاتين الخاصتين لا تختص بهما السور المكية أيضاً، أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا . وعند مراجعة دليل آيات القرآن الكريم نلاحظ ورود يا أيها النَّاسُ ) تسع مرات في أربع سورة مدنية - البقرة والنساء والحج والحجرات . كما ان مخاطبة المؤمنين وردت في الآيات المكية ثلاث مرات - لكن بغير الفظة يا أيها الذين آمنوا - وذلك في قوله تعالى: ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ). وقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (۳). ومما لاحظناه ان لفظة كلاً» رغم ورودها ثلاثاً وثلاثين مرة في القرآن فإنها لم ترد في آية مدنية، د) التحدث عن المنافقين ومشاكلهم. هـ) تفصيل أحكام الرسالة الإسلامية في الحدود والفرائض والجهاد والحقوق والقوانين المتنوعة الأخرى. ولكن الملاحظ أن بعض هذه الخصائص المدعاة غالبية وليست عامة. وعلى كل حال ، نزول كل من القسمين - كما سنوضحه في مناقشة الشبهات . هذا،