مازال ما نعلمه عن هذه الظاهرة أقل من أن يعطينا الحق في القول الفصل عن السر فيما يبدو من أن فرط التنبيه ينتج ذلك السلوك الدال علي العجز ذلك فإننا نلتقط بعض القرائن الهامة إذا ما أدركنا أن فرط التنبيه يقع على ثلاثة مستويات ، وأقرب هذه المستويات إلى الفهم هو المستوى الحسى ؛ فقد أوضحت تجارب التجريد من الحس ، أن غياب المنبه الحسى المستجد يمكن أن يؤدى إلى الذهول وإفساد العمل الذهني. فإن تلقى الكثير من المنبهات الحسية غير المنسقة ، ومن هنا كان اتجاه الممارسين لعمليات غسيل المخ السياسية أو الدينية إلى عدم استخدام التجريد الحسى وحده ( كالعزل الانفرادي مثلا) وإنما أيضا إلى مهاجمة الحواس بوسائل تشمل الأضواء الوامضة والتغيير السريع للأشكال والألوان والمؤثرات الصوتية المشوشة- وكل ترسانة السيكو ديليك المشكالية إن ما نلحظه من هوس ديني وسلوك شاذ على بعض طوائف الهيبيين قد لا يكون من نتائج تعاطى المخدرات فحسب ، بل أيضا من تجارب الجماعة في ممارسة أساليب التجريد الحسى ومهاجمة الحواس. إن الترتيل الرتيب للترانيم ، والتي تصل أحيانا إلى الهلوسة والأجسام التي تصبح بشرتها رسوما من كل شكل ولون ، تلف وتدور وتختلج ليخلق كل هذا بيئة حسية تتسم بزاد وفير من الجدة والفجأة إن قدرة أي كائن عضوى على مواجهة الزائد الحسى تتوقف على بنائه الفسيولوجي. فلو فحصنا سرعة انتقال الإشارة داخل الكائنات المختلفة لوجدنا أنه كلما هبط مستوى التطور أبطأت حركة الإشارة وهكذا نجد ، أنه فى بيضة قنفذ البحر ، وواضح أنه بمثل هذا المعدل لايستطيع لكائن أن يستجيب إلا الجزء محدود جدا من بيئته. ٠٠٠ مرة ، وبين الحشرات والقشريات ۱۰۰۰ في الثانية ، ٠٠٠ سم في الثانية. ومع ذلك ، ٠٠٠ سم فى الثانية ، فإن النظام البيولوجى يفرض حدوده ( الإشارات الكهربية في الكومبيوتر على سبيل المقارنة أسرع من ذلك ببلايين المرات). إن قصور قدرة أعضاء الحس والجهاز العصبى يعنى أن الكثير من الأحداث البيئية يقع بمعدلات أسرع من أن نستطيع تتبعها. ومن ثم فإن خبرتنا فى أحسن حالاتها لا تعدو أن تكون عينات مما يقع في البيئة. وعندما تكون الإشارات التى تصل إلينا منتظمة وتكرارية ، فإن عملية انتقاء العينات هذه تستطيع أن تعطى صورة ذهنية لا بأس بها للواقع. ولكن عندما تكون على درجة عالية من عدم الانتظام ، عندما تكون مستجدة وغير متوقعة فان دقة تصورنا بالضرورة سوف تتناقص وتتشوه صورة الواقع في اذهاننا ولعل في هذا مايفسر لماذا عندما نتعرض لفرط التنبيه فاننا نعاني الاضطراب وتمويه الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم إذا كان فرط التنبيه عند المستوى الحسى يزيد من تشويه وعينا للواقع ، فإن فرط التنبيه عند المستوى الإدراكي يتدخل فى قدرتنا على التفكير ». وبينما تكون بعض الاستجابات البشرية للجدة تلقائية ، فإن البعض الآخر يكون مسبوقا بالتفكير الواعي. إن السلوك الراشد ، بنوع خاص ، يعتمد على التدفق المستمر لمعطيات البيئة. على الأقل لدرجة مقبولة ، بمعقبات أفعاله. إن سلامة العقل ذاتها معلقة بقدرة الإنسان على التنبؤ بمستقبله الشخصى القريب على أساس من المعلومات التي تغذيه بها البيئة. عندما يزج بالفرد في موقف سريع وغير منتظم التغيير أو في بيئة مفعمة بالجدة ، ولا يعد يستطيع عمل التقديرات السليمة التي يعتمد عليها السلوك الراشد. والارتفاع بدقة تنبؤه مرة أخرى إلى المستوى المعتاد ، زاد بالتالى ما يحتاج الفرد إلى معالجته من المعلومات حتى يستطيع أن يتخذ قرارات راشدة وفعالة. ولكن ، وتنص كلمات الاخصائى النفسى چورچ أ. وقد نستطيع من خلال تصنيف المعلومات وتلخيصها ووضعها في صيغ رمزية باساليب مختلفة ان نمط هذه القيود ولكن هناك ادلة قاطعة على ان قدراتنا على ذلك محدودة ولاكتشاف هذه الحدود ، شرع أخصائيو علم النفس ونظريات الاتصال في اختبار ما سموه: « قدرة القناة » فى الكائن البشرى. وبعد أن تعالج تخرج في شكل أفعال مؤسسة على قرارات. ثم عينوا المعلومات فنيا وقسموها إلى وحدات أطلقوا عليها اسم القطع. وحتى الآن استطاعت التجارب أن تضع معدلات لمعالجة المعلومات في محيط واسع التنوع من الأفعال: من القراءة ، إلى إجراء عمليات الحساب العقلية. إلا أنهم يتفقون بشدة على مبدأين أساسيين: الأول: أن للإنسان قدرة محدودة. والثاني أن زيادة الحمل على الجهاز العصبى تؤدى إلى تدهور خطير فى الأداء. عمله أن يضغط على زر ما كلما مر مكعب أحمر على السير الناقل الذي أمامه. فمادام السير يتحرك بسرعة معقولة فلن يلاقى هذا العامل أى صعوبة في عمله وسوف تقترب دقته إلى مائه فى المائة. إننا نعرف أنه لو كانت محركة السير بطيئة جدا ، كما سيصبح على الأرجح متوترا مهتاجا. وقد يضرب الماكينة بدافع من الإحباط الخالص. وأخيرا سيكف عن محاولة متابعة السير في سرعة حركته في المثال السابق ، كانت المعلومات المطلوبة متسمة بالبساطة ، ولكن فلنتصور مهمة أكثر تعقيدا: فالمكعبات المتدفقة على السير الآن متعددة الألوان ، والتعليمات المعطاة للعامل هى الضغط على الزر عندما يظهر نسق معين من الألوان- مثلا مكعب أصفر متبوعا بمكعبين أحمرين ثم بمكعب أخضر. ففي هذه الحالة سيتلقى ويعالج معلومات أكثر من قبل أن يقرر هل يضغط على الزر أم لا ؟ في هذه الحالة لوزادت سرعة السير فسيعانى صعوبة أكبر مما عاناه في الحالة الأولى. وقد نخالف أيضا بين عدد المرات التي سيضغط فيها على كل زر- لقد أصبحت التعليمات المعطاة له الآن تقول: بالنسبة للنسق أصفر- أحمر- أحمر- أخضر. وبالنسبة للنسق أخضر- أزرق- أصفر- أخضر- اضغط على الزر رقم سنة ثلاث مرات ، فشملت الاختبارات الأضواء الوامضة ، قد تضاءلوا فى أثناء الاختبارات إلى حالات يرثى لها من الحمق والتخبط لقد أسفرت النتائج ، بجلاء لا لبس فيه ، عن أنه أيا كان نوع العمل سرعة لا يمكن تجاوزها في أدائه- ليس لمجرد عدم كفاية المهارة فثمة العضلية ، فالحد الأقصى للسرعة تفرضه فى الغالب حدود القدرة الذهنية أكثر مما تفرضه حدود القدرة العضلية. كما أسفرت هذه التجارب أيضا أنه كلما زاد عدد الأفعال البديلة أمام الشخص الذي يجرى عليه الاختبار اقتضاه ذلك وقتا أطول للوصول إلى قرار وتنفيذه فالمديرون المبتلون بمطالب اتخاذ سيل لا ينقطع من القرارات السريعة المعقدة ، والتلاميذ المغرقون بفيضان من المعلومات والحقائق المروعون بالامتحانات المتكررة ، وغواء التليفزيون فى البهو- كل هؤلاء قد يجدون أن قدرتهم على التفكير بجلاء والتصرف برشد وقد أصابها الوهن والفساد بفعل موجات المعلومات المتدافعة إلى حواسهم. والمصابين بصدمة الثقافة يمكن أن نعزوها الى مثل هذا الحمل الزائد من المعلومات ج. - مخروطات ، إلى آخر ، أما إذا سئل المريض بالفصام العقلى أن يصنفها فمن المحتمل أن يقول: « إنهم جميعا جنود » ، أو « إنهم جميعا يثيرون الحزن في نفسي » لقد قسم من أجريت عليهم التجارب من الأشخاص الطبيعيين إلى مجموعتين ، وطلب منهم أن يربطوا بين كلمات مختلفة وكلمات أو مفهومات أخرى. ج. من تلقى المعلومات ، وقد أسفرت هذه التجارب بدورها عن أن زيادة سرعة الاستجابة تنتج عنه أشكال من الأخطاء بين الأشخاص الطبيعيين تتشابه- بدرجة عجيبة- بأخطاء المرضى بالفصام العقلى والنتيجة أن المرضى بالانفصام يرتكبون أخطاء عند المعدل المعتاد شبيهة بتلك التي يرتكبها الأشخاص العاديون تحت ظروف المعدلات السريعة والمفروضة فرضا ». وباختصار ، فإن ميللر يطرح فكرة أن انهيار القدرة على الأداء لدى البشر تحت وطأة التحميل الزائد بالمعلومات قد يكون مرتبطا بالامراض العقلية بأسباب لم يبدا لعد في استكشافها ومع ذلك فإننا نعجل بتسارع المعدل العام للتغيير في المجتمع دون فهم منا لتأثيراته اننا نضطر الناس الى التكيف مع خطوة اسرع للحياة ومواجهة مواقف مستجدة والسيطرة عليها خلال وقت دائم التقاصر. إننا ، بعبارة أخرى ، أما ما هي الآثار التي يمكن أن يتركها هذا فى الصحة العقلية في مجتمع ما فوق التصنيع ، ولكن المشكلة تأخذ وضعا عكسيا بين أهل المستقبل. هؤلاء الذين يهرولون بل يعدون ، من عمل إلى عمل وهم يغمغمون: ه قرارات. إن السرفيا يحسونه من عجلة وانفعال هو أن الزوال والحدة والتنوع تفرض مطالب متناقضة ومن ثم تضعهم رهن قيد موجع إن دفعة التغيير المتسارعة ومقابلها السيكولوجى- الزوال- يدفعان بنا دفعا إلى الإسراع فيما نتخذه من قرارات خاصة وعامة. إن الاحتياجات الجديدة والطوارئ والأزمات المستجدة تتطلب استجابة سريعة. ثم إن جدة الظروف فى حد ذاتها تأتى معها بتغيير ثورى في طبيعة القرارات التي ينبغي أن تتخذ. يصعد إلى القطار كما ظل يفعل لشهور وسنوات. لقد قرر منذ زمن أن قطار الساعة ٨, ٠٥ هو أنسب مواصلة متاحة له ضمن جدول القطارات. إنه أقرب إلى الفعل المنعكس منه إلى القرار. فالمعيار المائل ، فإن صاحبنا يفكر جاهدا قبل أن يتخذ مثل هذا القرار. وبهذا المعنى فالقرارات المنهجية لا تكلف العقل كثيرا. وثمة عوامل عديدة يجب أن تدرس وتوزن ، وكمية ضخمة من المعلومات يجب أن تعالج ، والحياة بالنسبة لكل منا مزيج من الاثنين معاً. فنبدأ أحياناً- لا شعورياً- في البحث عن سبل لإدخال الجدة على حياتنا ، ومن ، ثم تعديل « خلطة » القرارات. و مرهقة ومفعمة بالقلق ، م. جروس أستاذ نظرية التنظيم يقول: « إن السلوك برترام. والروتين لا غنى عنه لأنه يوفر الطاقات الخلاقة للتعامل مع التشكيلة الأكثر إرباكاً من المشكلات الجديدة والتي سيكون المقترب الروتيني بالنسبة لها مقترباً لا عقلانياً). ونحن إن لم نستطع أن نمنهج ( الكثير من حياتنا فإننا حريون بأن نقاسي ونتعذب. واحتساء كل قدح ، وبداية كل نتفة من عمل ، لأننا إن لم نمنهج إلى حد كبير من سلوكنا ، أضعنا الكثير من قدرتنا على معالجة المعلومات في سبيل توافه الأمور. من أجل هذا نكون عاداتنا. لاحظ لجنة ما وقد عادت لاستئناف اجتماعها بعد فترة الغداء ، فستجد أن كل عضو تقريباً من أعضائها يتجه إلى نفس المقعد الذي كان يجلس عليه من قبل. إن بعض الأنثروبولوجيين ينقبون في نظرية الإقليمية) بحثاً عن تفسير لهذا السلوك. نظرية أن كل إنسان يظل إلى الأبد يحاول أن ينحت لنفسه ( مرجاً » مقدساً. ولكن ثمة تفسيراً أبسط يكمن فى حقيقة أن المنهجة توفر فاقداً لا مبرر له من قدرتنا على معالجة المعلومات ، واختيار نفس المقعد يوفر علينا مؤونة دراسة وتقييم الاحتمالات البديلة وفى البيئة المألوفة نستطيع أن نعالج الكثير من مشكلات حياتنا بقرارات منهجية لا تكلف كثيراً. فعندما ننتقل إلى جيرة جديدة مثلا ، وصناعة سلسلة كاملة غالية الكلفة من قرارات المرة الأولى اللامنهجية. والواقع أننا سنكون آنذاك مطالبين بإعادة منهجة أنفسنا ويصدق نفس الشيء تماماً على الوافد دون استعداد على ثقافة غريبة ، وبنفس الدرجة أيضاً يصدق على الرجل الذى مازال يعيش في مجتمعه ثم يقذف به إلى المستقبل دون سابق إنذار. إن مقدم المستقبل في شكل من الجدة والتغيير يعنى على كل ما تعب فى بنائه وتجميعه من روتينات سلوكية. إنه يكتشف فجأة- لدهشته وفزعه- أن هذه الروتينات القديمة تعقد من مشكلاته بدلا من أن تحلها. فالمطلوب قرارات جديدة لم « تمنهج » بعد وبإيجاز ، فإن الجدة تقلب ميزان مزيجه لصالح القرارات الأصعب والأغلى حقيقة إن بعض الناس أقدر على تقبل الجديد أكثر من البعض الآخر وإن المزيج الأمثل لكل منا يختلف من فرد لآخر. ولكن عدد ونوع القرارات المطلوبة من أينا لا يقع تحت سيطرته الفردية المطلقة. إن المجتمع هو الذي يحدد أساساً مزيج القرارات التي ينبغي لنا أن نصنع ، والسرعة التي يجب علينا أن نفعل بها ذلك. إن أحدهما يرغمنا على أن نتخذ قرارات أسرع ،