وصف البرق والرعد ها قد جاء الشتاء بكلّ ما يحمله من خيرٍ وأمطار وظواهر فريدة من نوعها، وها قد عاد ضوء البرق الذي يخطف الأبصار بنوره حتى يذهلنا بقدرة الله تعالى، الذي جعل هذا النور المتولد في السماء ينتج بهذه القوة مصحوبًا بصوت الرعد الذي قد يثير الرعب في القلب، لكنّ النفس تطمئن لهذا الصوت لمعرفتنا أنه صوت مصحوبٌ بالمطر الوفير ويدلّ على كثرة الخير والماء الذي ينزل من السماء بفضل الله تعالى، فيا له من جمالٍ أخّاذ تسحرنا به السماء كلما هدر صوت الرعد وكلما برق ضوء البرق وملأت السماء صخبًا لذيذًا ونورًا شفيفًا يتسلل إلى أعماق القلب!. يخبرنا ضوء البرق أنّ النور الحقيقي يكمن في أعماقنا مثلما يكمن هذا النور العظيم في أعماق السحب العالية التي تصطدم ببعضها بعضًا، ويرسم على صفحة السماء لوحة فنية رائعة الجمال لا يستطيع رسمها أمهر الفنانين. خاصة عندما يهدر الرعد بكلّ قوته، وهكذا هو هدير الرعد الذي يعلو ليعلن عن بدء سقوط المطر الوافر من السماء ليحيي الأرض كما يحيي قلوب الناس. صوت الرعد ونور البرق يبشّر بالمواسم المليئة بالربيع والخير والزرع الذي سيشرب الماء ويرتوي من خيرات الله التي تجود بها السماء، كما أنّ هذا الصوت الشجي والنور الساطع يخبرني بأن الأرض العطشى سوف ترتوي بماء المطر، وستنبت الأزهار لتزين الحدائق الغناء، فالرياح بكلّ ما فيها من قوة وصلابة قادرة على أن تقتلع الأشجار وتكسر الأغصان وتحرك كل شيء، وكأنها أحد جنود فصل الشتاء التي ميزه الله تعالى بها لتهب على كل شيء، وتُحرّك السحاب الثقال المحمل بالمطر ليهطل على قلوبنا قبل أراضينا، تُصيبني الدهشة في قدرتها على أن تحركها بكلّ هذه الانسيابية، ورغم قوتها إلا أنها تحركها بكل حنان وكأن الريح تداعب الأوراق والأغصان والأشجار، وتعبر عن الغضب بأسلوبها الخاص كما تفعل الريح تمامًا وهي في عزّ حركتها وقوتها، فأحيانًا تظلّ كامنة على شكل نسيمٍ عليل يهب على أزهار البستان ولا يكاد يحركها، أحاول أن أصغي إلى هديرها القوي وأفهم ما تودّ البوح به من كلمات، فأنا أعتقد أن الريح محملة بالكثير من الرسائل التي تبوح بها للأشجار والنوافذ والحجارة والجبال، وكأنها تخبر عن مغامراتها الكثيرة وهي تتنقل ما بين مكانٍ ومكان لتعلن قدوم فصل الشتاء بكلّ ما فيه من جمال ودهشة ليس لها مثيل. وصف المطر فصل الشتاء يعني المطر بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ رائعة، وهو عطاءٌ ينعم الله به علينا وتحمله السحب مثل هدية سماوية للأرض العطشى، فما أجمل المطر وهو يهطل بغزارة ويرسم الربيع القادم بأجمل طريقة! فالمطر حياة لكلّ شيء، واليوم الذي يهطل فيه المطر يكون بمثابة يوم عيد تتزين به الشوارع التي تبتلّ بقطرات الماء النقية، فيشعر بأنه قطرات المطر تُداعب قلبه ووجهه وروحه، وتنهمر على لهيب القلب لتحوله إلى فرحٍ كبير، ومجرد سماع صوته يريح النفس ويهدئ البال ويبث فيه السكينة والطمأنينة، وكأن السماء تبكي لتضحك الناس فرحًا بالمطر. فما إن تبدأ تباشيره ببضع قطرات حتى شعر الناس بأن الخير قادم، فحبات المطر التي تهبط على عطش الأرض تروي القلوب والأرواح قبل أن تروي الأرض، وليس أجمل من شعور رؤية القطرات الناعمة تتجمع على أوراق الشجر وأغصانه وتروي التراب لتحيي البذور الكامنة فيه فتتهيّأ لقدوم فصل الربيع، وترتسم في القلوب فرحة لا مثيل لها، فالبعض يجهز له الملابس المناسبة حتى يلعب بحبات الثلج أثناء سقوطها وبعد تراكمها، والبعض يظلّ متسمرًا عند النوافذ وهو يراقب تراكمه ويتمنى كما لو أنه يستمر بهذا التراكم أكثر ما يمكن. والأجمل من هذا أنّ الناس لا يكتفون بمراقبة هطول بلورات الثلج، وإنما ينتظرون توقف هذا الهطول وتراكمه ليلعبوا به ويُمارسوا طفولتهم كما يحبون، إلا أنه يحمل مفتاحًا لجميع القلوب المغلقة، الثلج هو ملح الأرض والسر الكامن في جمالها، والأجمل من كلّ هذا هو أن الثلج يجعل الأرض ترتدي حلة بيضاء تليق بها، لا عجب أن يفرح الجميع بقدوم الثلج، ولا عجب أن يكون الاحتفال به كاحتفال الأطفال بقدوم العيد، فالثلج يأتي محملًا بأسرار السحاب ليبوح بهذه الأسباب للأرض والأشجار والأزهار، فمرحى للثلج ومرحى لمواسم الخير التي يجود بها الشتاء في كل مرة يأتي بها إلينا.