وفي جميع دول العالم بلا استثناء، حيث أدت الجائحة إلى انقطاع أكثر من 1. ما دفع دول العالم إلى البحث عن أساليب بديلة للحيلولة دون توقف العملية التعليمية. وجاء في هذا السياق العديد من المبادرات لتحويل عدد من التطبيقات الذكية إلى منصات تعليمية عن بعد. والذي خلق بدوره واقعا جديدا في إعادة التفكير في منظومة التعليم من حيث فلسفته وأهدافه ومناهجه ووسائله، ودراسة كل السيناريوهات المستقبلية والمتوقعة في مرحلة التعايش مع تلك الجائحة وما بعدها. لا سيما في أوقات الأزمات وانتشار الأوبئة التي تتطلب التباعد الاجتماعي؛ ففي عام 1892 تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة. وفى عام 1956 عمدت كليات المجتمع بشيكاغو إلى تقديم خدمة التليفزيون في التدريس عبر القنوات التعليمية، وتعتبر جامعة NYSES أول جامعة أمريكية مفتوحة تأسست تلبية لرغبات المتعلمين في جعل التعليم العالي متاحاً لهم عبر الطرق غير التقليدية. لكن جائحة "كوفيد 19" عجلت من ظهوره ودفعت به إلى الواجهة. تمتلك مصر منظومة تعليمية تتسم بقدر من الضخامة والتعقيد، حيث درج هذا النظام على العمل بشكل تقليدي يقوم على الاستيعاب المكثف للطلاب، والتعليم القائم على التلقين عبر الاتصال المباشر بين المعلم والطالب. وجاءت الاستجابات المصرية لتحدي الوباء على مرحلتين. المرحلة الأولى هي الاستجابات العاجلة للأزمة، في حين ركزت المرحلة الثانية على سبل التعامل الممتد مع الوباء وتداعياته. وقد جاءت الاستجابات العاجلة تحت وطأة الموقف الذي بدا غامضا وغير محدد الأبعاد، مما أدى إلى إجراءات نصف شهرية يتم تجديدها مرةً تلو الأخرى. وهنا بدأ التفكير في طرق بديلة لاستكمال العام الدراسي من خلال مشروعات بحثية. وقد ساد اعتقاد مبدئي بأن الجائحة ستمثل أزمة عابرة، شرعت الدولة في التفكير في الإجراءات التي سيتم من خلالها بدء العام الدراسي 2020/2021، والتي شملت: تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة لمنع التزاحم وتحقيق التباعد الاجتماعي، وتطبيق النظام الهجين الذي يجمع بين تنفيذ التعليم المباشر والتعليم عن بعد، ويبدو من هذه الإجراءات أنها تضع معالم نظام شامل للتعامل طويل الأجل مع الجائحة. جدير بالذكر أن الدولة المصرية سعت إلى تطوير التعليم وإدراجه ضمن خططها المستقبلية؛ فجاء من بين أولويات إستراتيجية مصر 2030 السعي أن يكون التعليم بجودة عالية متاحا للجميع دون تمييز في إطار نظام مؤسسي كفء وعادل، يسهم في بناء شخصية متكاملة لمواطن قادر على التعامل التنافسي مع الكيانات إقليمياً وعالمياً. ورغم لجوء معظم دول العالم إلى "التعليم عن بعد" كآلية لتخفيف التأثيرات السلبية للجائحة على المؤسسات التعليمية والعملية التعليمية، لكن لم تكن جميع الدول على المستوى نفسه في مواجهة هذه الحالة الطارئة. نشير إلى أهمها فيما يلي: وذلك من خلال فرض إجراءات وقائية في المدارس ودعمها، ووضع بروتوكولات لتعامل المدارس مع الحالات المحتملة، حيث اختارت بعض الحكومات إغلاق المدارس المحلية كإجراء مؤقت (مثل الهند). - الاستعانة بمصادر التعليم عن بعد، وكسر حاجز الحدود، وتوفير الوقت، وتخفيف الأعباء المالية التى تخصصها الأسر للإنفاق على التعليم (المواصلات العامة أو الخاصة التابعة للمدرسة، شراء المستلزمات المدرسية)، بيد أن ثمة تحديات لازالت تواجه هذا النمط من التعليم، نشير فيما يلي إلى أهمها: أ- ضعف البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ الذي يتمتع ببنية تكنولوجية قوية، خاصة في ظل هشاشة البنية الرقمية، وارتفاع تكلفة خدمة الإنترنت بالنسبة لمستويات الدخول. ب- ضعف مستوى التفاعلية، حيث يرى البعض أن الافتقار للنواحى الواقعية أحد أهم العيوب في التعليم عن بعد الذي يحتاج إلى لمسات إنسانية بين المعلم والطالب. ج- العزلة الاجتماعية. مقارنة بالبقاء في المنزل لفترات طويلة، إذ يعتبر الهيكل التنظيمي للمؤسسات التعليمية في الدول النامية من أكبر التحديات التي تحول دون تغيير طرق التعليم، حيث تعاني من التركيز على الشهادات أكثر من المهارات، بجانب مشكلة التلقين، إلى جانب غياب التشريعات الداعمة للتعليم الالكتروني. إذ ألغت العديد من الدول بالفعل الامتحانات النهائية. كنتيجة لعدم القدرة على إجراء الامتحانات التقليدية بسبب ظروف الجائحة. والتأكد أن من أدى تلك الامتحانات هو الطالب نفسه وليس أي شخص آخر. ه- نقص الوعي والتصور المتكامل عن التعليم عن بعد لدى كل أطراف العملية التعليمية، إذ يتطلب الأمر مراجعة تصوراتنا عن التعليم. فقد ساد في القرن الماضي تصور مفاده أن التعليم مسئولية المدرسة والمدرس، لكن في حقيقة الأمر إن التعليم عملية ممتدة تتطلب مشاركة جميع الأطراف. و- عدم المساواة وغياب تكافؤ الفرص: أدى هذا النمط من التعليم إلى زيادة عدم المساواة بين الطلاب في ظل تباين واقع انتشار وسرعة شبكة الانترنت في كل دولة، إضافة إلى امتلاك حواسب شخصية من عدمه، وهو ما أدى إلى زيادة حدة الفجوة الرقمية وانعدام المساواة في إمكانات الاتصال بالإنترنت وتداعيات ذلك على جودة التعليم عن بعد. متطلبات أساسية لتطوير "التعليم عن بعد" لقد أظهرت جائحة "كوفيد 19" حاجتنا إلى نظام تعليمي جديد يوجه إلى المستقبل، والتي من بينها الكوارث والأزمات. أهمها ما يلي: أ- التوجه نحو زيادة الاستثمارات في تنمية وتطوير البنية التحتية والتكنولوجية للمؤسسات التعليمية، مما يساعد على تدفق المعلومات بين شبكات التعلم بالقدر الكافي. وعقد دورات تدريبية لأعضاء هيئة التدريس بالمدارس والجامعات لإدارة المناهج الدراسية وفقا للصيغة التي سوف تتبناها كل دولة سواء كان تعليم عن بعد، أو تعليم هجين. د- تطوير المهارات العلمية، وتعزيز الإبداع، والعمل التعاوني، والقدرة على التواصل والعمل في مجموعات والانفتاح على العالم والثقافات الأخرى. ه- الاستعانة بالبث الإذاعي والتليفزيوني فيما يسمى بالتعليم المزيج. ويمكن أن يتم ذلك من خلال إعادة تفعيل تلك القنوات وتطوير برامجها لتصبح عالية الاستقطاب متعددة الوسائط. والتنسيق مع الجهات المانحة ورجال الأعمال لتوفير أجهزة حاسوب شخصية بالتقسيط. ز- لتفادى الآثار النفسية والاجتماعية التي يتركها التعليم الإلكتروني على الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور ينبغي مراعاة التحديد السليم للتوقعات، والتخطيط الجيد لليوم الدراسي، والاهتمام بالمؤثرات الصوتية والمرئية. لقد بدا واضحاً أن التعليم الرقمي أضحى خياراً استراتيجياً لكل دولة تقدر بوعي ما للقطاع التربوي من أهمية بالغة في ازدهار المجتمع وتطوره التنموي،