الذي عليه عامة العلماء – ومنهم المذاهب الأربعة – إباحة شراء القطط الأليفة وبيعها. قال الإمام النووي : " بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ : جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا . وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ . وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ : ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ". انتهى من "المجموع شرح المهذب" (9/229). وقال أيضا : " فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَعُ ، وَبَاعَهُ : صَحَّ الْبَيْعُ ، إلا ما حكى ابن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ". انتهى من "شرح صحيح مسلم" (10/233). واستدلوا للجواز بما روى مسلم (2619) عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا ، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا ) . قالوا : الأصل في اللام أنها للملك ، أي قوله : ( هرة لها ) ، وما كان مملوكا منتفعا به ، ينظر: " كشاف القناع " (3/ 153). وذهب الظاهرية وبعض العلماء إلى تحريم بيع الهر أو شرائه . واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام مسلم في صحيحه (1569) من طريق مَعْقِل عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ: (زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ) . والسنور : هو الهر ( القط ) . وجزم ابن القيم بتحريم بيعه في "زاد المعاد" (5/773) وقال : " وبذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه ، وجميع أهل الظاهر ، وهو الصواب ، وعدم ما يعارضه ؛ فوجب القول به " انتهى . وإلا ؛ فجائز" انتهى من "المجموع" (9/269) . وقد أجاب جمهور العلماء عن هذا الحديث بثلاثة أجوبة : الأول : أن الذي ثبت هو تحريم بيع الكلب ، وأما لفظ "السنور" الوارد في الحديث فهي زيادة ضعيفة . قال ابن رجب : " وهذا إنّما يُعرف عن ابن لهيعة عن أبي الزبير ، وقال: هي تشبه أحاديثَ ابنِ لهيعة، وقد تُتُبِّعِ ذلك، فوُجِدَ كما قاله أحمد رحمه الله". قال الترمذي : " هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ ، وَلاَ يَصِحُّ فِي ثَمَنِ السِّنَّوْرِ". انتهى من "سنن الترمذي" (2/ 568) انتهى من "المستخرج" (12/ 336) وقال ابن عبد البر : " كل ما أبيح اتخاذه والانتفاع به وفيه منفعة : فثمنه جائز في النظر؛ إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له ، وليس في السنور شيء صحيح ، وهو على أصل الإباحة ". الثاني: أن المراد بالحديث : " السنور الوحشي" ، قال الخطابي: " إنما كُره . ولا يصح التسليم فيه ، وذلك لأنه ينتاب الناس في دورهم ويطوف عليهم فيها ، ثم يكاد ينقطع عنهم ، ولا كالطير الذي يحبس في الأقفاص، فإن صار المشتري له إلى أن يحبسه في بيته أو يشده في خيط أو سلسلة لم ينتفع به". وقال الشيخ ابن عثيمين : " اختلف العلماء في ذلك، وحمل الحديث الذي فيه النهي على هرٍّ لا فائدة منه؛ لأن أكثر الهررة معتدٍ، لكن إذا وجدنا هرًّا مربى ينتفع به فالقول بجواز بيعه ظاهر؛ لأن فيه نفعاً ". انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 114). الثالث : أن النهي للكراهة ؛ لأن الشرع أراد أن يتسامح الناس في بذل القطط دون بيعها . قال الدميري في "حياة الحيوان" (1/ 577): " وقيل: هو نهي تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته كما هو الغالب". انتهى ومنهم من قال : إنما نهى عن بيعها لأنه دناءة وقلة مروءة ، فهي مرافق الناس التي لا ضرر عليهم في بذل فضلها ، فالشحُّ بذلك من أقبح الأخلاق الذميمة ، فلذلك زجر عن أخد ثمنها " انتهى من "جامع العلوم والحكم" ص 418. والحاصل: أن هناك شكًّا في صحة الحديث الوارد في النهي عن بيع السنور ، ولو صح ، فكأن الشارع أراد أن يتسامح الناس في بذل القطط دون بيع. خطئهم في المبالغة بشرائها بأثمان باهظة ، ثم التكلف الشديد في العناية بها ، ، مما يخرج بالأمر عن حد التوسط والاعتدال ،