موقف القرآن الكريم من الشعر : وقف القرآن من الشعر والشعراء موقفين متميزين رئيسيين : أحدهما : في بداية الدعوة الإسلامية عندما هاجم الشعراء الذين وقفوا حجر عثرة في سبيل نشر الدين الإسلامي . الثاني : في فترة الغزوات واتساع رقعة الدولة الإسلامية عندما شجع الشعراء المسلمين في سبيل نصرة الدين ضد الكفر والشرك . - وضح القرآن موقفه من الشعر والشعراء في موضع واحد فقط في سورة الشعراء . قال تعالى : والشّعراء يتّبعُهُمُ الغاوونَ * ألم ترَ أنّهم في كلِّ وادٍ يَهِيمونَ * وأنّهم يقولونَ ما لا يَفعلونَ * إلا الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا اللهَ كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلِموا وسيَعلَمُ الذين ظَلَموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون } - اللوم والتهجين في الآية موجه لشعراء المشركين الذين سخروا من الرسول صلى الله عليه وسلم وأساءوا إليه فقط . قال ابن رشيق في كتابه العمدة : " فأمّا احتجاجُ منْ لا يفهمُ وجهَ الكلامِ بقولهِ تعالى : والشّعراء يتبعهم الغاوون فهو غلط وسوء تأوّل . - إلا الذين آمنوا : استثناء ، الصالحون ، شرب الخمر ، الكراهية القبليّة ، الانتقام والنزاعات . فالقضية قضية معان وأغراض وليست قضية الشعر بذاته ؛ فهو سلاح ذو حدين . موقف السنة المطهرة من الشعر : - السنة تتخذ مواقف مؤيدة لموقف القرآن الكريم من الشعر وهي على النحو التالي : 1ـ ذم الشعر : - ذم النبي صلى الله عليه وسلم موضوعات خاصة من الشعر : 1ـ كهجائه الذي يعني هجاء الدعوة ، 2ـ وشعر العصبيات والمنافرات ، 3ـ والهجاء الشخصي الذي يبعث الضغائن في نفوس المسلمين ، 4ـ والشعر الماجن الذي يخالف مبادئ الإسلام . - المقصود شعر الهجاء الشخصي خاصة ، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً هُجيت به " . - هذا هو الشاهد الوحيد من الأحاديث الصحيحة الذي يوضح ذمه صلى الله عليه وسلم للشعر ، لفظه : " امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار " لكنه لا يستند إلى أصل صحيح . - أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على : الشعر الحسن الذي يهذب النفس ويدعو للفضائل ، ويدعم الإسلام ويرد على أعداء الله والدين . وقال : "اهجوا قريشاً ، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل " . ولحسان بن ثابت النصيب الأكبر من هذا التشجيع ؛ فوضع له منبراً يقوم عليه ليفاخر وينافح عن المسلمين ، وسمح له أن ينشد في المسجد ، وكان يقول له : " اهجهم – أو قال هاجهم – وجبريل معك " ، ويدعو له بقوله : " اللهم أيده بروح القدس " ، حينما رد على أبي سفيان بن الحارث هجاءه للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " جزاؤك عند الله الجنة يا حسان " ، فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاءُ قال له : " وقاك الله حر النار " . - كان يثني على الشعراء ، ومنهم لبيد بن ربيعة العامري ، فقد روى أبو هريرة رضي الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل " ، يقصد قوله : ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ بلغنا السماءَ مجدَنا وسناءَنا وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا فقال - لأنه لاحظ شيئاً من تقليد الجاهليين في فخرهم - : " إلى أين يا أبا ليلى ؟ " فقال : إلى الجنة بك يا رسول الله . فقال له : " نعم إن شاء الله " . من ذلك أنه لما اعتدت قريش وبنو بكر على خزاعة ونقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وهو جالس بين الناس فقال : يا ربِّ إني نـاشدٌ محمدا حلفَ أبينا وأبيهِ الأتلدا قد كنتمُ ولداً وكنـا والدا ثُمَّتَ أسلمنا فلم ننزع يدا هم بيتونـا بالوتيـر هُجَّدا وقتَّلونـا رُكَّعـاً وسُجَّدا فقال صلى الله عليه وسلم : "نُصِرتَ يا عمرو بن سالم " . وخرج بمن معه لنصرتهم فكان فتح مكة . ************ الرسول صلى الله عليه وسلم والشعر : - قرر القرآن الكريم حقيقة ثابتة ، هي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شاعراً البتة . قال تعالى : في سورة يس : { وما علّمناه الشّعر وما ينبغي لهُ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } . - كان من ألوان الأذى الذي لحقه صلى الله عليه وسلم اتهام المشركين له بالشاعرية ، مع علمهم أنه ليس بشاعر ، فحين هجا عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخول الإسلام ، " اللهم إن عمرو بن العاص قد هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر . " - تنبيه : نفي صفة الشعر عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس قدحاً بالشعر ؛ وإنما هو من باب دفع الشبهة عن الدين والرد على الكافرين ، وإلا - لو كان الأمر قدحاً بالشعر - لكانت أمّيةُ النبي صلى الله عليه وسلم قدحاً بالكتابة ،