إنّ السلوك الإنساني على الرغم من كونه سلوكاً خاصّاً وفردياً يخضع لأنظمة عامّة، ولقواعد مشتركة بين الناس جميعاً حتى عندما يفكّر كلّ فردٍ منّا منفرداً، فهو يستخدم لغة تعلمها وأفكاراً اكتسبها من المجتمع الذي نشأ فيه وتربّى مع أبنائه. وهذه الأصول تستمدّ أسباب استمرارها من القواعد الجماعيّة التي تجعل الآخرين يستوعبون الأنماط لمختلفة لهذا السلوك الإنسانيّ. وهكذا عندما ألقي التحية على شخص معيّن يردُّ التحيَّة بمثلها، باعتبارها مبادرة صداقة ومودَّة، وهو على يقين من ذلك لأنني أدّيت التحية وفق الأصول والقواعد المتبعة في المجتمع الذي ننتمي إليه معاً. وعندما يُنشد النشيد الوطني أو يُرفع العلم، فإنَّ السلوك الطبيعيّ لدى الحضور هو الوقوف والتأهّب بالإضافة إلى شعور داخليّ يعمّ الجميع بالانتماء إلى الوطن ذاته، والسلوك الذي رافقه ليسا جزءاً من كيان الإنسان يولدان معه بل يتعلّمهما المواطن تدريجياً ممّن يتولّون تربيته أو من قبل آخرين يعيش معهم، أو يصادفهم في ذهابه ومجيئه من أبناء مجتمعه.من هنا نستطيع القول إنّ السلوك الإنسانيّ ينطلق من قواعد ومعايير جماعيّة، وهو موجّه إلى من يفهم هذه المعايير والقواعد.على أنّ مجمل المعايير والقواعد التي ترشد السلوك، أو تلعب دور المقياس الموجّه، تندرج في ما يعرف ب: ((الأنماط الثقافية»؛ تلك الأنماط التي تشكّل النموذج الذي نستوحيه، عمليّة استيعاب مختلف المعايير والقواعد أي «الأنماط الثقافية)) التي تؤثّر في السلوك الإنسانيّ بمجمله؟ وقد لاحظ علماء الاجتماع أنّ لدى كلّ مجتمع نوعين من تدابير امتثال الأفراد للأنظمة الثقافيّة:نوع يتعلّق بمبدأ الثواب والعقاب أي المكافأة الاجتماعية في حالة السلوك القويم المطابق للقواعد والمعايير، أو اللجوء إلى الإدانة الاجتماعية في حال الانحراف، وعدم امتثال القواعد العامّة والمعايير المتّبعة اجتماعياً.أمّا النوع الآخر فيتعلّق بكيفيّة تعلم قواعد السلوك والمعايير الاجتماعية والتمرّس بها بحيث تصبح مكوّنة الشخصيّة، وتؤثّر تلقائياً على الحياة الفرديّة، أي عمليّة تعليم واقناع تدريجيّ بأهميّة ((الأنماط الثقافية) وجدواها ودفع الإنسان نحو العمل بها بقناعة تامّة، وبمعزل عن مثوبة السلوك المستقيم، أو قساوة العقاب من جرّاء مخالفة القوانين العامّة. إن عملية القُنوع هذه تسمى ((التنشئة الاجتماعية))،