المبحث الأولتعريف الشريعة الإسلامية وبيان أقسامهاتطلق كلمة الشريعة في اللغة ويراد بها أحد معنيين:أحدهما: الشريعة بمعنى الطريقة الواضحة المستقيمة. ومن ذلك قوله تعالى: " ثم جعلناكم على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . الجاثية / ١٨". والشريعة والشرعة بمعنى واحد، ويطلق ذلك على جملة القواعد ۲ والأحكام التي سنها الله تعالى لعباده وأظهرها لهم .الثاني: الشريعة بمعنى مورد الناس للاستسقاء، أي مورد الماء الجاري الذي يقصد للشرب. ومن ذلك قولهم ، شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتسقى منهفأما الشريعة بمعناها العام فيقصد بها كل الأحكام التي سنها الله تعالى لعباده على أيدي رسول من رسله عليهم جميعاً السلام ، أو هي ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء ،وأما الشريعة بالمعنى الخاص فيقصد بها الشريعة الإسلامية وهي: مجموعة الأحكام التي سنها الله تعالى للناس جميعاً على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – في القرآن الكريم وفي السنة النبوية". وهي المشارإليها في قوله سبحانه وتعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمرفا تبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . الجاثية/٤١٨) ، أي جعلناك على طريق واضح ومنهاج مستقيم من أمر الدين، الشورى ۱۳) ، فالشريعة هي كل الأحكام أوهى مجموعة أحكام الدين التي شرعها الله تعالى لعباده شاملة للواجبات والمندوبات والمحمرمات والمكروهات والمباحات وكل تعاليم الشريعة ومقتضياتها ومبادئها وقواعدها ومقاصدها. لأنها خاتمة الشرائع السماوية ولأنها حوت من الشرائع السابقة أحسن ما فيها وزادت عليها من الأحكام ما جعلها شريعة كاملة صالحة بل مصلحة لأحوال الناس في كل زمان ومكان.العلاقة بين المعنيين اللغوى والإصطلاحي لكلمة الشريعة : لقد سمى الله تعالى هذه الأحكام الدينية بالشريعة ، والشرعة ، لأنها مستقيمة محكمة الوضع ،أقسام الشريعة الإسلامية من حيث الأحكام التي تشتمل عليها: تترتب بحسب أهميتها على النحو التالي:-وهي الأحكام التي تتعلق بذات الله تعالى وصفاته، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والبقاء، والعلم، والكلام، وكونه قادراً، والصمم، والعمى والبكم، وكونه عاجزاً، وكونه كارهاً، وكونه جاهلاً، وكونه ميتاً، وكونه أصم، وكونه أعمى، وكونه أبكم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.٢ - النبوات وهي الجزء الثاني من أجزاء الإيمان، وهو الأيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام وما يجب عليهم وما يستحيل وما يجوز في حقهم. والسنة كوجوب الإيمان بالملائكة عليهم الصلاة والسلام إجمالاً وتفصيلاً. وأنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على أن تتشكل بأشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الأعمال الشاقة ، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ولذا يأتي على رأس الأقسام لابتنائها عليه وعدم الاعتداد بها إذا لم تراعي أحكامه.ثانيا: الأحكام التهذيبية:وهي التي تتعلق بمكارم الأخلاق والمروءات وبيان ما يجب أن يكون عليه المسلم من التحلي بالفضائل كالصدق والأمانة، والوفاء بالعهد، وأن يتخلى عن الرذائل ، أي الصفات المذمومة التي لا تتناسب مع أخلاق الإسلام وسلوكيات وآدابه العامة مثل الكذب، والخيانة، والنفاق، وخلف الوعد، والغش والغدر والبخل والجبن وغير ذلك من كل ما هو مذموم وقبيح.ثالثاً : الأحكام العملية: (الفقه الإسلامي) :وهي التي تتعلق بأفعال المكلفين أو أعمالهم الحسية وتصرفاتهم وسلوكهم في عباداتهم ومعاملاتهم وسائر شئونهم وهذا القسم هو ما يعرف بالفقه الإسلامي وهو الذي يمثل الجانب العملي للشريعة الإسلامية وتتجلى في أحكامه حيويتها ومرونتها.والفقه في اللغة، معناه العلم بالشيء والفهم له، يقال فقه الكسر أي فهم وبالضم (فقه) أي صار فقيها، قال تعالى: ( لهم قلوب لا يفقهون بها وقال تعالى: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) 9 ۹وقال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ۱۰. وقال تعالى: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول ۱۱۹ كما استعملت كلمة الفقه بمعنى الفهم أيضا في السنة النبوية في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - من يرد الله به خيرا يفقه في الدين والأصل فيه إدراك الشئ على حقيقته والإحاطة بكل جوانبه. ۱۲.۱۰. والمراد بالعلم في التعريف ما يشمل اليقين والظن أي مطلق علم.والأحكام جمع حكم ، وهو في اللغة بمعان متعددة منها القضاء والفصل في الخصومات ، أما عند الأصوليين فهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. وعلى ذلك لا يكون العلم بغير الأحكام كالذوات والصفات، فقهاً.ومعنى كونها أحكاماً شرعية عملية ، أي الأحكام التي تنسب من حيث مصدرها للشرع الإسلامي وتستمد من أدلته من القرآن والسنة وغير ذلك من الأدلة الشرعية ، في كل ما يتعلق بأفعال العباد من صلاة وزكاة ، فليس من الفقه العلم بالأحكام العقلية كالواحد نصف الاثنين، والضدان لا يجتمعان ولا الأحكام الحسية كالنار محرقة ولا الأحكام القانونية الوضعية ، لأن هذه الأنواع من الأحكام لا تستند إلى دليل شرعي في نشأتها، وكذلك سائر الأحكام التي لا يكون مصدرها الشرع.وليس من الفقه بالمعنى الدقيق - أيضاً العلم بغير العملية من الأحكام كأحكام العقائد والأخلاق والتهذيبيات ومعنى المكتسبة من الأدلة التفصيلية، أي التي دل عليها دليل من أدلة الشرع بطريق الاستنباط والاجتهاد. فيخرج بذلك علم الله تعالى لأنه قديم غير مكتسب. وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم - لأنه علم ثابت بالوحي ولا اكتساب فيه ولا اجتهاد، ويخرج به كذلك علم المقلد لأنه يكتسب علمه من قول المجتهد وهو العالم الذي بلغ رتبة الاجتهاد ولديه المقدرة العملية على استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية . والمراد بالأدلة الشرعية، أي مصادر الأحكام وهي القرآن الكريم، والسنة، والإجماع، والقياس وغيرها من أدلة الفقه الإسلامي.وكونها أدلة تفصيلية أي أن يكون الحكم ثابت بدليل خاص، وغيرها، فهذه أدلة تفصيلية أو جزئية من الأدلة الإجمالية. أي آية من القرآن الذي هو دليل إجمال أو حديث شريف من السنة التي هي دليل إجمالي.العلاقة بين مصطلحي الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي:اتضح لنا مما سبق - من خلال تعريفنا للشريعة وبيان أقسامها – أن الشريعة أعم من الفقه ، إذ أن الفقه قسم من أقسام الشريعة الإسلامية ، ولكن يمكن أن يطلق لفظ الشريعة ويراد بها الفقه ، أي القسم الثالث من أقسامها فقط، وذلك من باب إطلاق العام وإرادة الخاص. ويجري العمل أو العرف في كليات الحقوق على ذلك حيث تطلق الشريعة ويراد الفقه الإسلامي فقط . كما يمكن إطلاق كلمة الفقه الإسلامي ويراد الشريعة الإسلامية أيضاً. من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو لأن الفقه الإسلامي يرجع في أحكامه إلى أصول الشريعة ومصادرها من الكتاب والسنة وما يبنى عليهما من أدلة.ويجدر التنبيه في هذا المقام الى الارتباط الوثيق بين أحكام الشريعة بأقسامها الثلاثة بحيث لا يستغنى أحدها عن الآخر، فأحكام العقيدة هي الأساس، حيث تقتضي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وظهرت عليه ثمرات ذلك فلا يُعول على شيء سوى الله ولا يخاف ولا يرجو غيره، لأنه علم أن الخلق لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فتكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته الله رب العالمين لا شريك له. فلا يعترض على شيء من أحكامه ولا يستهين بها. بل يضعها موضع التقديس والاحترام والامتثال.وهذا يستتبع بالضرورة أن يتخلق بأخلاق الإسلام والتي هي في الجملة كل حسن وجميل من الصفات والأقوال والأفعال.كما يستتبع كذلك الالتزام بالأحكام العملية في عباداته ومعاملاته، ومن ثم يتحقق التكامل بين هذه الأحكام، فلا عقيدة بغير أخلاق فاضلة تدل عليها، ولا بغير التزام ما تقتضيه من عبادات ومعاملات، وبالمقابل أيضاً لا قيمة لأخلاق أو أفعال - مهما وصفت بالحسن والاعتدال – إذا لم يكن أساسها الإيمان. وكان الدافع إليه هو أن العلماء وجدوا ضرورة التفرقة بين هذه الأحكام من حيث موضوعها ، ومن ثم ضرورة التفرقة بينها في كيفية التعامل معها فهما وتطبيقا ، فميزوا بين أحكام العقائد والأخلاق وبين أحكام الفقه الإسلامي العملى ، حيث أن الأول - العقائد والأخلاق - أحكام علمية لا تقبل الإجتهاد إلا من أجل فهمها وتطبيقها فحسب ، ومن ثم لا يقع بشأنها اختلاف بين الفقهاء لأنها تمثل أسس الدين وثوابته ، أما أحكام الفقه الاسلامي فهي تمثل الجزء العملي للشريعة ويجسد حيويتها ومرونتها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان لأنها تقبل الإجتهاد من حيث الأصل على تفصيل في ذلك بين أحكام العبادات وغيرها من أقسام الفقه .أقسام الفقه الإسلامي:الإسلام نظام شامل، وإرساء نظام اجتماعي يغطي شعب الحياة الإنسانية ومجالاتها المتعددة من عقيدة، وعبادة، ودولة، وقانون وسياسة واقتصاد، واجتماع، ولذا فإن الفقه الإسلامي يمثل تنظيماً متكاملاً يستوعب أحوال المجتمع بمختلف مجالاته من كل أمور الدين والدنيا معا ، وهذا معنى كون الإسلام عقيدة وشريعة ، والنذر وغيرها، وهذه العبادات ليست مقصودة لذاتها، وإنما يقصد بها إصلاح حال الفرد والجماعة، وتزكية النفوس وترسيخ تعلقها بالله تعالى ابتغاء مرضاته وخوفاً من عقابه، في شتى أنواع المعاملات المالية كأحكام البيع، والإيجار، والقرض، والسلم، الهبة ، والوديعة، والرهن، والوكالة، والقانون التجاري أو القانون الخاص بمعناه المعروف في النظم الوضعية المعاصرة.٣- أحكام الأسرة : أو الأحوال الشخصية ، ١٤ و هي الأحكام التي تنظم الأحوال الشخصية للفرد من زواج، وطلاق، وحقوق وأولاد، ونفقة وحضانة، وهذا القسم لا زال محكوماً بأحكام الفقه الإسلامي في الدول الإسلامية، ولم تمتد إليه يد المشرع الوضعي المعاصر إلا على سبيل التقنين 2 ١٥ فقط، ووفق قواعد الشريعة الإسلامية وضوابطها وفي ضوء منهجية التقنين.معنى السياسة الشرعية:كلمة السياسة في اللغة العربية لها إطلاقات كثيرة تدور كلها على معنى تدبير الشيء والتصرف فيه بما يصلحه، يقال ساس الأمر، وساس الرعية، أي تولى حكمها وقام فيها بالأمر والنهي، فإن ذلك لا بد أن يكون وفق أحكام الشريعة ومبادئها، لأن معنى كون السياسة شرعية، أي منسوبة إلى الشرع، وهو ما شرعه الله لعباده من الدين وأمرهم به. يقول الله تعالى في كتابه العزيز : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا اليك،وبناء على ذلك، وتعني تدبير وإصلاح وحفظ الأمة ورعاية شئونها بالداخل والخارج وفق الشريعة الإسلامية.وأما السياسة الشرعية في اصطلاح الفقهاء: فلها تعريفات كثيرة نذكر منها ما يلي:-١- عرفها بعض الفقهاء بأنها: (السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي)٢- وعرفها البعض بأنها: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نزل به وحي) أو أنها : إصلاح أمر الرعية وتدبير أمورهم). وتشريعها، وفي علاقاتها الخارجية التي تربطها بغيرها من الأمم).٤- وقريب من هذا التعريف أيضا تعريفها بأنها سلطة ولي الأمر في سن التشريعات اللازمة لتدبير وإصلاح شئون الدولة في المجالات المختلفة في نطاق الشريعة وروحها ومبادئها. وذلك بحسب اختلافهم حول موضوعاتها ما بين موسع ، ومضيق لهذه الموضوعات كذلك نجد بعضهم يعرفها من حيث كونها سلطة لولي الأمر في اتخاذ ما يراه مناسباً من تشريعات لازمة لتدبير وإصلاح شئون الدولة – كما يعرفها البعض الآخر من حيث الموضوعات الت تتناولها، أي وفقاً لمعيار موضوعي، لا شكلي كسابقه.ولعل أقرب هذه التعريفات في الدلالة على معنى السياسة الشرعية والإشارة إلى موضوعاتها هو التعريف الثالث والذي يعرفها بأنها: (اسم) للأحكام والتصرفات التي تدبر شئون الأمة في حكومتها، وقضائها وفي جميع سلطاتها. فهذا التعريف تضمن أهم الموضوعات التي تدخل في اختصاص السياسة الشرعية، إلا أنه أغفل ذكر بعض المسائل التي تعتبر من صميم اختصاصها كالنظام المالي للدولة مثلاً. وطالما أنه سار في التعريف على السرد والتعداد إذا كان يتعين إدخال كل المسائل المرتبطة به. إذ أن الكلام عن الأمة في ظل هذا الانقسام لم يعد مناسباً، لأن الأمة صارت - بفعل الاستعمار، والاستسلام، وغير ذلك - دولاً شتى تختلف حكوماتها، وحكامها، ونظمها، إلى غير ذلك. وهو الشريعة الإسلامية وأدلتها. ونسأل الله تعالى أن يعيد للأمة وحدتها تحت راية الإسلام، لتعود قوتها وتسترد مجدها العريق المفقود، وعندئذ يصير الكلام عن الأمة مناسباً.وبعد عرض هذه النماذج لتعريفات الفقهاء للسياسة الشرعية يمكننا أن نعرفها بانها هي: " ذلك النوع من الأحكام الشرعية التي تُعنى بتدبير أمور الدولة، وبغيرها من الدول".والمرد بكونها – السياسة الشرعية - نوع من الأحكام الشرعية أي الأحكام العملية أي أنها من الفقه الإسلامي، هذا النوع من الأحكام يتعلق بتدبير، أي تصريف أمور الدولة على وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والمقصود بكونها " تعني بتدبير أمور الدولة" هذه جملة جامعة لكل ما يدخل في تنظيم الدولة، بداية من تكوينها، وبيان أركانها - الشعب والإقليم والسلطة – وبيان شكلها أهي من قبيل الدول البسيطة أم المركبة الاتحادية، إلى غير ذلك من أشكال الدول التي تعرفها النظم الحديثة. إذ تبين كيفية تعيين الحاكم أو الإمام أو ولي الأمر،ويدخل في ذلك أيضاً اختصاص أحكام السياسة الشرعية بتحديد سلطات الدولة الأساسية – التشريعية والتنفيذية والقضائية – وكيفية إدارتها، كما تهتم كذلك ببيان حقوقالأفراد وحرياتهم، وحدودها، وضوابطها، وغير ذلك من كل ما يدخل اختصاص القانون الدستوري والنظم السياسية في النظم الحديثة، كما تبين كذلك كيفية إدارة الدولة لمرافقها العامة بكل ما يتصل بها على نحو ما يعرفه القانون الإداري. كما يدخل أيضاً في السياسة الشرعية ، النظام المالي والنظام العقابي بالدولة.فتبين السياسة الشرعية علاقة الدولة بالأفراد الذين هم رعاياها فتضع السياسة العامة الاقتصادية والمالية والضريبية من حيث تنظيم بيت مال المسلمين – الخزانة العامة من حيث مصادر إيراداته من زكاة وجزية، وخراج، وعشور التجارة والغنائم وغيرها. كما تحدد أوجه إنفاقها الشرعية وغير ذلك مما يدخل في اختصاص المالية العامة والتشريع الضريبي كما تضع السياسة العقابية من حيث تحديد الأفعال المعتبرة جرائم شرعاً - في حكم الشريعة -، وتحديد العقوبات على كل منها، وغير ذلك مما يختص به القانون الجنائي.كما يدخل في اختصاص السياسة الشرعية كذلك تنظيم علاقة الدولة برعاياها في كافة المجالات. وغير ذلك من كل ما يختص به القانون الدولي بقسميه العام والخاص، وهذا ما أشار إليه التعريف في جملة: " وتنظيم علاقاتها برعاياها وبغيرها من الدول الأخرى"، حيث إن الإسلام دين ودنيا لا يغلق أبوابه أمام مخالفيه بل أباح التعامل مع الآخر أفراداً ودولاً وجماعات. كل ذلك وفق أحكام الشريعة الإسلامية.وتعريف السياسة الشرعية عند الفقهاء على النحو السابق يتفق وتعريفها في اللغة حيث سبق أن ذكرنا أن السياسة الشرعية هي المنسوبة إلى الشريعة الإسلامية، وتعنى تدبيروإصلاح وحفظ الأمة ورعاية شئونها بالداخل والخارج وفق أحكام الشريعة الإسلامية 1موضوع علم السياسة الشرعية:- فلقد رأينا عند شرحنا لتعريف السياسة الشرعية - أنها تشمل موضوعات الدولة ونظام الحكم فيها وإدارتها وغير ذلك من موضوعات القانون الدستوري والإداري.من خلال ما سبق علمنا أن السياسة الشرعية يندرج موضوعها على سبيل الإجمال جميع المسائل التي يختص بها قسم القانون الدولي العام في النظم القانونية الحديثة بفروعه المختلفة، وهي النظم والقوانين التي تتطلبها الشئون العامة للدولة.وكذلك موضوعات القانون الجنائي ونظام المالية العامة والتشريع الضريبي، وقد تكلمنا عن ذلك بما يغني عن التكرار. وحفظ نظامها ومصالحها، إذ أنها تتكفل بذلك على نحو يحقق العدل والمساواة ويضمن للأفراد حرياتهم وحقوقهم في مواجهة الدولة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية العادلة.كما انها تجعل من السياسة والفقه صنوان من أصل واحد كلاهما من دين الله وشريعة الإسلام، وتجعل كذلك من الإسلام بفقهه وسياسته كفيل بتحقيق مصالح الناس في كل حال وزمان فيه الغنى والكفاية، يفصل في كل دعوى، ويحكم في كل قضية ويستطيع بذلك مواجهة كل مشكلة، وحل كل عقدة ومعضلة. ومهما تجددت الحوادث، فإن المسلمين لا يعوذهم أن يجدوا في شريعتهملكل حادثة ومسألة حكماً ينطق به نص، أو يهتدون إليه من خلال التأمل في هذه النصوص واستحضار روح الشريعة ومقاصدها، دون أن تفلت من حكم الشرع قضية أو حادثة -1. ولعل في ذلك تأكيد على أن الإسلام عقيدة وشريعة، فهو يُعنى بأمور الحكم والسياسة والإدارة، والاجتماع وغيرها كعنايته بالعقائد والأخلاق والعبادات،ونظراً لأهمية أحكام السياسة الشرعية وعظيم شأنها على النحو المبين فقد أولاها الفقهاء عنايتهم واهتمامهم،