كما كنا نسمّي بيتنا ذاك) وجود الحاكورتين اللتين تحويان عدة أشجار رمان ء ولوزء وتينة كبيرة » ودالية تحاول عبثاً الانتشار فوق فيهما دهشت حين رأيت أمي , عصر يوم بارد » تلف كتفيها بحرام طفل صغير في قماط . والذي بقيت مدة طويلة أتصور أنه هبة من المستشفى! وأنشدت أولى الأناشيد التى بدأت معلمنا الوحيد في مدرسة السريان الأرثوذكس . وفيهما بدأت أعي الفوارق بين طبائع الناس وتصرفاتهم . ولا مواعظ قسسهم ورهبانهم . وفي الحـاكـورتين جمعت لأول مـرة عـدداً من رفـقـتـي ، لنمـثـل مـسـرحـيـة وكررنا تمثيل المسرحيات ، وجهي حتى اليوم . دون أن أنتبه ، إلى شجار حقيقي ، وعضني أحد الأخوين في خدي يوم ولكن أين نقذف به ، إلى أن فسحنا مجالاً للخروج . يجب أن أصعد الى السطح قبل غير أنه منعنا ، وأعادنا إلى الداخل ، وتسلق إلى سطح الدار ، دائم الـعـبـوس ، صدفة ، البيضـات الأخيرة التي وضعتها دجاجاته ، لنجرؤ على شيء من ذلك ، الأحيان لشراسته ، العناترة) مبتلى بالقطط التي كثيراً ما غزت خم دجاجة ووكر أرانبه ، على صخرة بعتو عجيب ، وقال البعض إنه يخرج أمعاءها ، وقد عرف الناس ذلك عنه ، يرجعون إليه كلما ابتلوا بها هم أيضاً . «رأيت عندكم هرأ كثير الحركة » هذه قطتنا فلة . وهي تنهض وتنام معنا في داخل الدار ، وتقضي أنتم لا ترونها عندما تصعد إلينا ، لتفترس صوصاً أو أرنباً صغيراً بين حين وآخره . قلنا : «أبدأ يا عم بطرس . فصاح بشيء من الغضب : «والله يا ناس لا تستحقون الخدمة !» وتأبط كيسه وهو على حافة الحاكورة المشرفة على الطريق ، ويغني . وهم أيضـاً أعـضـاء فـي فـرقـة الكشافة وفرقة الموسيقى ، كان أبوه يدعى إلى إحياء حفلات الأعراس - مع اثنين أو ثلاثة من رفـاقـه الدف ، ما يريدونه من «أجر» لم يكن هناك يومئذ مذياع يغني فيه المطربون ليلا ونهاراً ، ويغنون أغاني ومخارزهم ، ومبادرهم ، فالآلات عزيزة ، كنت أتخيله يعزف على عـوده ، في تلك الأثناء عاد المعلم جريس من بعد انتظار طويل من أبوي ، فمنذ البلدية ، غير أنها الآن مهدمة ، وإذا ما أزيحت الحجارة ، كانت روائح العفن والقدم ، الشمس سنيناً عديدة ، تفوح منها وكأنها روائح الأزمان الغابرة . كنا نلعب في غـرف هذه الخرابة - ونتخيل أنها ملأى بالمردة ، وأن هناك رصـدأ يحرس الخرابة ، أراد فشخ رأسه بحجر كبير ، لاستئناف لعبة «الشبيرة» أو «سنبلة السنبيلة» مع الآخرين ، والصندوق مالو مفتاح والمفتاح عند الحداد والجاجة بدها قمحة فيها مية معكرة وهون مقص وهون مقص وهكذا يفعل رفيقي بفرانته ، اثنين ، ثلاثة!» ويقذف كلانا بحنكته الخاصة بالفرّانة على أرض مبلطة ، لأن كلاً منا ، وله شكل أشبه بحرف T يروح يسوطه بهذا الخيط على ساقه بحيث يلتف عليها وينسحب بسرعة، وتنطلق منه نغمة ناعمة ، وهي عصا وخشبة مستطيلة قصيرة ، بحيث تتألف وبالعصا يضربها أحدنا على ذلك الطرف «طقة» واحدة ، لتقفز في الهواء ، وقبل أن تعود وتسقط ، يدق المعلم الجرس ، وعدد من العصي المتباينة الطول والمتانة ، لمعاقبة الكسالى ، ووراءه اللوح الأسود . والشرقية ترى منها عن بعد قباب كنيسة المهد ، والجبال يتسع كل منها لخمسة طلاب وقد يجلس سبعة أو ثمانية ، والكبار منهم يحتلون «البنوك» الأمامية ، ويتدرّجون إلى الخلف حسب «صفوفهم». أعلى الصفوف ، وأقربها إلى المعلم ، هو الأول . وفيه أخي يوسف وعدد ممن الأولاد يكبرونه سناً . مما جعلني أحلم لسنين عديدة بعد ذلك بأن أكون معلماً ، الثامنة أنزله درجتين أو ثلاثاً ولن يعود . فضلاً عن راتبه الشهري ، غير فيرحّب المعلم به ، ويجلسه في الصدر على الكرسي الآخر الذي يبقيه احتياطاً قرب كـرسـيـه ، أمام الضيف ، وبالطبع ، لأنه لا يدعي الوجاهة ، لأن زيارة المعلم لنا كانت وسيلة لتأكيد مكانتنا في المدرسة ، غير أن أمي ، بعد قليل ، طلبت إلينا أن نمسك بالدجاجة الحمراء من دجاجاتنا ، لذبحها . والباقي عليها وفي المساء ، ورغم رهبتنا أنا وأخي فقد سررنا حين وجدناه منطلق الكلام ، على عكس ما توقعنا . وجلس هو على وسادة ، واتكأ على أخرى ، ووضعت أمامه بزر البطيخ المحمص ليتسلّى به ، قال لأبي : ابنك هذا ، مستبشرة ، قالت أمي لأبي : «ما ألطف هذا الرجل والله لو طلب مني أن أعطيه دجاجتين حيتين من دجاجاتنا لفعلت! صوته إذا تكلّم يسحر اللب ، سيصبح والصفوف تنزل إليه ، حين أمره المعلم بإعادة قراءة إحدى الجمل من كتاب القراءة العربية ، وبأخطاء كثيرة ، ويضحكهم. جعلت المعلم يصيح به : جليل! تعال ، غير أن جليل لم يتحرك من مكانه وإذا هو يقـول مـتـحـديـاً ، المدرسة كلهم . عندما نهض المعلم، وبيده إحدى العصي الغليظة ، وسار باتجاهه ، عندها تراجع جليل ، وثارت لذلك حفيظة المعلم ، إلى أن انطلق الطريد من باب المدرسة ، واختفى تمرد مثل ذاك كان نادراً ، لأن آباء الطلبة كانوا في الأغلب مع المعلم على أبنائهم . ويقول له الواحد منهم على مسمع منا ، وهو يشير إلى ابنه : «هذا الولد مش ابني ، إذا غلط ، فيكرّر المعلم بصوت رخيم مقولته التي يفرح الأب السماعها : «العصا لمن عصى . . . والعصاة بين الصبية كانوا حقاً كثيرين . لأن المعروف عنه أنه يتصيّد الحراذين ، ليمسح كفّيه بدمائها . ودم الحرذون ، كنا نقول ، صفي أو جريئين ، في تصـيـد الحراذين، رغم كثرتها . عندما تغمر الشمس سلاسل الحواكير ، ويستقر على صخرة ليواجه الشمس الدافئة ، ويخيل إلينا أنه يستجيب في معظمها أناشيد وتراتيل تعود إلى أزمان سحيقة في القدم ، يساعده في ذلك أحياناً رهبان شباب من دير مار مرقس بالقدس ، أو من الموصل، التنويعات السبعة لكل لحن يُنوع بها ، حسب أيام الأسبوع ، بدون التدوين الموسيقي الذي عرفته ألحان الكنائس فيما بعد . لقدمها المعلم يشرك منا من رحم صوته وحسنت أذنه في إنشاد الألحان في الكنيسة وفيها يقام ، وعلى كل منهما مخطوطة ضخمة ، لا يتذكر أحد متى خُطَّت . كانت هذه الكتب السريانية القديمة كنزاً تحتفظ به الكنيسة بعناية خاصة واعتزاز كبير .