عنوان المداخلة: ترجمة الأدب العربي: التماهي مع الصور النمطية لا شك أن الترجمة الأدبية قد لعبت دورًا كبيرًا في التعريف بالثقافة والهوية المحليتين، مما خلق تفاعلًا ثقافيًا وحضاريًا. ومن ثم أسهمت في تشكيل صورة متبادلة عنهم وعن أنفسنا. غير أن هذه الصورة قد لا تكون دائمًا دقيقة أو صادقة، من هذا المنظور ، بل تخضع لتأثيرات متعددة، مثل العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، التي تؤثر في إنتاجها وتلقيها ولا تقتصر، كما يوضح لورانس فينوتي، على نقل الكلمات والجمل بل تلعب دورًا كبيراً في تشكيل صورة عن "الآخر" وثقافته في فترة تاريخية معينة وتساهم في عرض طريقة حياة تعتبر غريبة عن الجمهور المتلقي، لذا يسعى بعض المترجمين إلى توجيه الترجمة نحو ملائمة النص الأجنبي مع الثقافة المستهدفة، و إلى جعل النص المترجم سلسًا وشفافًا خاليًا من الفروق اللغوية والثقافية بين اللغتين والثقافتين. وهذا غالبًا ما يتم عن طريق استبدال بعض التفاصيل بما يتناسب مع "ذوق" الجمهور. 1-الاستشراق وتأثيره في تشكيل الصور النمطية عن العرب إنّ تاريخ العلاقة بين الغرب والعالم العربي طويل ومعقد، خصوصًا في السياق الفرنسي الذي تأثر بشكل كبير بالحروب الصليبية، حيث ارتبطت صورة العربي في الأدب الفرنسي بالهمجية والشهوانية، على ترسيخ هذه الصورة النمطية المشينة وانعكس ذلك على الترجمات التي تمت للأدب العربي إلى اللغات الغربية حيث تقدم صورة غير دقيقة، مثقلة بالغموض والغريزية، كما في "ألف ليلة وليلة" التي أسهمت في رسم صورة رومانسية ومثالية عن العالم العربي. فالغرب يفضل ترجمة الأدب العربي الذي يؤكد صورة محددة عن العرب ترتبط بالعنف والتطرف مثلا والذي يبرز صورة المرأة العربية "المقهورة وقد أشار محمد داود (Daoud, كما قدمت العديد من الروايات الغربية الشرق كمكان للحكم الاستبدادي، والعنف، والخرافات. واستمرت هذه الصورة في بعض الأدب الذي جعل الشرق يبدو كمكان أقل شأناً وأكثر غرابة مقارنة بالغرب فالصورة التي خلقتها الترجمات التي تمَّت خلال قرون عديدة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية كثيرًا في إنتاج العديد من الصور النمطية عن العرب والمسلمين وتقول ندى توميش بخصوص تلك الترجمات أنّها (TOMICHE, 1978) تعكس صورةً غير سارة وغير إيجابية للعالم العربي وتُظهر صورةً موسومة بالعجائبية exotisme والشهوانية والسذاجة التي تزخر بها حكايات ألف ليلة وليلة وحتى النصوص الأدبية الحديثة التي يتم اختيارها للترجمة لم تسلم من ذلك فهي نصوص تقدم في الغالب مجتمعًا مُتخلفًا تمامًا وعالمًا فلكلوريًا لم يعُد يمثل العالم العربي حاليًا وذلك من أجل أن تستجيب لطلبات وانتظارات جمهورٍ متلقي يبحث في الأدب عن عالمٍ مُتخيلٍ من شأنه أنْ يُعارض الحقيقة التي يعيشها، وقد بيَّن البروفيسور جون لويس موم في المؤتمر الدولي الأول للأدب المقارن في البلدان العربية سنة 1983 بمدينة عنابة أنَّ الصورة التي ينقلها الأدب العربي المترجم والأدب الغربي الذي يتناول الشرق الأوسط والمغرب العربي هي صورة ذلك العربي"الحقير" و"القذر" و"اللص والصموت" و"الغامض" والـمُحيّر وأسوء من ذلك–الفضُّ-المتوحش-الغير إنساني وهي في الحقيقة صفات ليست جديدة ومستحدثة بل متجذرة في مخيال الإنسان الأوروبي ويتم استرجاعها عبر طريق الترجمة وتأكيدها فقط، 1993 p. 1) 2008 الصفحات 28-29) : « إنتاج الآخر( أي آخر) وفق صور متخيلة تعتريها تشوهات الإحالة والفصل والمعايير الميتافيزيقية التي وسمت مجمل تاريخ الفلسفة الميتافيزيقية الغربية وهكذا تظهر ميتافيزيقا الاستشراق الذات الغربية في زهوة تفوقها وقوتها وسطوتها، بينما تُزيّف ثقافة الأخر الشرقي (خصوصًا الإسلامي) وتحتقر ثقافته ولغته وديانته ووجوده وتضعه خارج التاريخ وخارج الفضاء الكوني المشترك». فالنصوص، سواء أكانت أصلية أم مترجمة، لا تُكتب في فراغ ايديولوجي وحيادية تامة، بل تخضع لخطاب ثقافي سائد يفرض قيودًا على إنتاجها ويصبح الخطاب بهذا المعنى مدخلًا سياقيًا يحدد الإطار اللغوي المناسب لكل ثقافة، حيث يلعب المترجم دورًا في التعبير عن هذا الإطار بما يناسب المؤسسات التي يخدمها النص. وتؤثر هذه الأفكار النمطية عن "الآخر" على قرارات الناشرين في اختيار النصوص المترجمة، حيث تفضل الأعمال التي تلبي هذه الأفكار و يرى فائق أن الخوف من "الآخر" قد يؤدي إلى اعتماد استراتيجيات لغوية تعزز التراتبية والهيمنة، على الرغم من أنه "غالباً ما يُساء فهمه ويُساء تفسيره، يُنظر إليه على أنَّه أجنبي ومختلف ولكن في نفس الوقت جذاب بشكل غريب" والجاذبية في هذا المقام هي مرادفة لعالم مليء بالإثارة، أي لعالمٍ من العجائبية، فمنظور"الذات" فيما يتعلق"بالآخر"هو ما خلق أساسا"الشخصيات النمطية" أيْ أنّ الثقافة الـمُترجـِمة تُحدّد، حسب قوتها، خصائص معينة للشخصية الـمُترجَمة ويتم إنشاؤها بشكل أساسي من قبل الدول الأكثر قوة لأغراض عرقية فعلى سبيل المثال، ليس هناك شك في أنَّ " ألف ليلة وليلة" و«علي بابا"، أو "رباعيات عمر الخيام" هي بعض الأعمال الأكثر جاذبية للغربيين لأنها تُقدم الصورة التي يتوقعونها، وقد لاحظ إدوارد سعيد في كتابه "سياسات السلب والتجريد: كفاح الفلسطينيين في سبيل تأكيد المصير" (SAID, 1994)قلَّة اهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي وإنْ اهتم فهو لا يهتم سوى بالأدب العربي الذي يُنتج ويُؤكد الصورة التي لديه عن العالم العربي أو التي يريدوها كما أنّ تلقي هذا الأدب مرتبط ارتباطًا طرديًا بإنتاج بعض الصور النمطية والكليشيهات وكأنَّ ستارًا حديديًا من اللامبالاة والتحيز يستبعد أيّ اهتمام بالنصوص التي لا تكرر الكليشيهات المعتادة حول "الإسلام"، العنف، الشهوانية، وهكذا دواليك، فالظاهر أنَّ سياسة متعمدة تحافظ على نوع من الاختزال المتجانس عندما يتعلق الأمر بالعرب والإسلام كما أنّ معظم ما تم نشره في التعليقات الصحفية وتعليقات الخبراء في وسائل الإعلام الأمريكية مجرد تكرار لصور نمطية فظيعة، وينبع كلّ ذلك بشكل واضح لا لبس فيه من سياسة حكومة الولايات المتحدة التي طالما اعتبرت العرب إمَّا إرهابيين أو خدم بُلهاء يجب أن يُحلبوا أموالهم أو نفطهم الغزير والرخيص. كما لاحظ الشاعر والمترجم رفعت سلام أيضا (رجب، أنّ أعمال الكاتبة المصرية أليفة رفعت تلقى اهتماما كبيرًا وقد تُرجمت ونوقشت كثيرًا لأنها تتحدث عن وضع المرأة المقهورة أو المهمشة، وهي أعمال تكرّس وجهه النظر النمطية في الغرب عن الشرق المتخلف. 1-1- تأثير السياق السياسي على اختيار الأعمال المترجمة تعد الترجمة أداة أساسية للتواصل بين الثقافات، حيث تتيح نقل الأفكار والمعارف بين الشعوب المختلفة. لا يتم هذا النقل دائمًا بشكل حيادي أو موضوعي، بل يخضع في العديد من الأحيان لتأثيرات متعددة، من أبرزها السياق السياسي الذي يؤثر بشكل كبير في اختيار الأعمال المترجمة. إنَّ السياقات السياسية تتداخل مع عمليات الترجمة من خلال تأثيرها على أولويات النقل الثقافي، قد تساهم الهيمنة السياسية أو الأيديولوجية في تحديد نوعية النصوص التي يتم اختيارها للترجمة، سواء كانت هذه الترجمات تسهم في تعزيز صورة معينة أو تنقل مفاهيم ومعلومات تحافظ على الهيمنة السياسية والثقافية، فإن تأثير السياق السياسي لا يمكن تجاهله في فهم كيفية انتقال الأدب والفكر عبر الحدود. 2016) في دراسة لها على رواية "عمارة يعقوبيان" حيث أدركت أن طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرواية لعب دورًا أساسيًا ومركزيًا حتى تلاقي ترجمتها النجاح في الغرب حيث تتعامل رواية "عمارة يعقوبيان" مثلاً مع قضايا مثيرة للجدل تتعلق بالسخط السياسي ورُهاب المثلية الجنسية والتمييز على أساس الجنس والأصولية الإسلامية والإرهاب وهي مواضيع جذابة للقارئ الغربي خاصةً وأنَّ نشرها كان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عندما كان اهتمام الغرب هناك يتزايد بسياسات الشرق الأوسط وثقافته. however, coupled with a good understanding by translators and publishers of the contemporary reader’s expectations at a given time and place, 2016 p. ‘There are three things wrong with the idea. He’s male. 2- انتقائية نصوص "الآخر"، انصياعٌ لمعايير ثقافية مهيمنة من المسلم به حاليًا أنّ أيّ منتوج أدبي يُعدّ سلعة كباقي السلع الأخرى ويخضع لمتطلبات ومقتضيات عالم المبيعات من عرض وطلب وذوق الزبون أو المستهلك(القارئ) وتطلعاته وهو عالم يفرض منطقه بقسوة وبلا شفقة على جميع المنتجات وعلى جميع الفاعلين فيه(أدباء، ناشرون، إلخ )، لذا فإنّ أهم ما يتحكم في عملية اختيار النّص الأصلي الموجه للترجمة هو مدى قدرته على تحقيق مردودٍ مادي وذلك بغض النظر عن قيمته الأدبية والجمالية والقيم الإنسانية التي يحتويها. صحيحٌ أنّ المترجم هو من يقرر تبني إستراتيجية شاملة من بين الاستراتيجيات المتاحة له حال نقله للنص المُختار للترجمة وأنّه حقيقة وفعلاً من أهم الفاعلين في الفعل الترجمي غير أنّه بالرغم من تلك المكانة التي يتمتع بها يخضع كغيره علاوة على المعايير المجتمعية والثقافية التي سينقل إليها النص المترجم إلى رغبات العديد من الأطراف ولعلّ أهم طرف يخضع له في نظرنا هو صاحب التكليف بالترجمة( الذي قد يكون شخصا أو مؤسسة، لذا فإنّ لتكرار اختيار نفس النصوص بنفس المضامين والأشكال أثرٌ كبير على تشكيل الهويات الثقافية وتمثيلها وإنتاج القوالب النمطية وتأكيدها، and the way knowledge from a different cultural setting is relocated and reinterpreted according to the conditions in which knowledge is produced. They are deeply inscribed within the politics, 1996 p. 2-1- من حيث مضمون النصوص إن الخطاب السائد في ثقافة من الثقافات يفرض قيوده على جميع الفاعلين في المجال الإبداعي على المستوى الماكروي( السياق العام ) وهو ما يجعل "الأنا" و"الآخر" متموقعين في طرق التمثيل الموروثة والمخزنة في الخبرة الجماعية ويصبح كلّ "أنا" خائفا من "الآخر" ويرى فائق في هذا الإطار أنّه عندما يخاف "الأنا" من الآخر فإن الاستراتيجيات المعجمية(الخيارات اللغوية) المتوقعة هي تلك التي تحقق التسلسل الهرمي والتبعية والهيمنة وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى إنشاء صور نمطية مصحوبة عادةً بتمثيلات متواجدة أصلاً في المخيال الجمعي والتي تعزز الأفكار التي تكمن وراءها، The presentation of others through translation is a powerful strategy of exclusion used by a self as normal and moral (Said, 1995). Not surprising, acceptors. خاصةً عندما تكون مواقفهم فيما يتعلق بالخطاب السائد مختلفة أو لا تتوافق مع المعايير السائدة في الثقافة الهدف أو مع المعايير المحددة لأنظمة اختيار النص الموجه للترجمة وإستراتيجية نقله وتمثيل الآخر واستهلاك وتلقي الأعمال الأجنبية كما أنَّ الهدف من هذه الترجمة هو إرجاع "الآخر المختلف ثقافيًا" كالأنا حتى يُمكن التعرف عليه وحتى يكون مألوفًا غير أنَّ الخطر من توطين النَّص الأجنبي يكمن في أنَّه غالبًا ما يتم عبر مشاريع واعية تخدم الترجمة الإمبريالية الاستيلائية والإلحاقية على الثقافات الأجنبية من أجل أجندات محلية وثقافية واقتصادية وسياسية. وهو ما خلص إليه الطعمة (Altoma، إميلي نصر الله (1987)، أليفة رفعت (1983)، 1985، 1987، المستكينة والمغلوبة على أمرها، ولا أدلّ على ذلك الكاتبة نوال سعداوي التي تبقى، حسب ذات الدراسة، من دون أدنى شك الكاتبة الأكثر قبولاً وتلقيًا واستحسانًا في المجتمع الغربي ليس بسبب القيمة الحقيقية لأعمالها الأدبية بل بسبب مقاربتها الراديكالية والصريحة في تصوير أوضاع المرأة في مصر والمجتمعات العربية، ففي الوقت الذي تمَّ فيه حظر وحجب كتاباتها في مصر وأماكن أخرى من المنطقة العربية، لاقت أعمالها، تؤكد ريم بسيوني، متماهية مع صورة نمطية سلبية سائدة هناك عن العرب، هناك أفكار وصور صارت متجذرة عنا كعرب مفرداتها الإرهاب، إلى آخر تلك الصفات السلبية السائدة عن العرب يبحث عنها الناشر الأوروبي لتسويقها”. « Novels which are translated are often imagined to reconfirm accepted notions about two dominant subjects: Arab women and Islamic resurgency or what is called Islamic fundamentalism» (ABBOUSHI-DALLAL, 2-2-من حيث شكل النصوص . . insufficiently Westernized to produce a narrative that feels much like what we call a novel. still current stereotypical ideology based on universalism, unitarism, and the homogeneity of human nature. » (FAIQ, ويرى شحيد في هذا السياق أنّ الفرنسيين مثلاً يتعاملون مع النّص الأصلي العربي بفوقية تجعلهم يجيزون لأنفسهم تشذيب النّص و"تمتينه كونهم يعتبرون أنّ إحاطة الكاتب العربي بنصه غير منضبطة؛ فيسلطون عليه أحكامهم "الديكارتية" البتارة، ويظنون أنهم إن أبقوا على النّص كما خرج من يدي الكاتب فسيفقد من رونقه وبهائه وسيخسر بالتالي عددا من القراء المتطلبين، وكأن هناك كتابة معيارية واحدة، فإمام أن تكون الرواية العربية صنوًا للكتابة الأوروبية أو نسخة عنها، وإما أن لا تكون. (شحيد، 2007) لم يسلم من تبني الاستراتيجيات التي تُعزز هذه الصور النمطية السائدة في الخطاب الغربي حتى بعض الكتاب العرب والمسلمين في العالم الغربي لاسيما أولئك الذين تمكنوا من جذب انتباه الأكاديميين والنقاد والقرّاء وحصلوا على جوائز مرموقة فقد كانت كتاباتهم تتطابق مع التمثيلات والصور النمطية الراسخة للثقافات والمجتمعات العربية والإسلامية والتي تتوافق مع الإيديولوجيات والأخلاق والقيم الراسخة للثقافة المترجم إليها. بالإضافة إلى أعماله الأخرى، على هوسه بالجنس لأنَّه يعرض فيه عالمًا من الهذيان و"الأوهام ويُقدِّم قصصًا متنوعة عن اللاعقلانية والأمراض العقلية وهي ذات المفاهيم التي يمكن اكتشافها في أعمال المستشرقين عند وصفهم العرب والإسلام وهو بفعله هذا يقوم بإنشاء نص يسهل قبوله في الخطاب والثقافة السائدتين في المجتمع الفرنسي ويتوافق مع الصور النمطية التي لديهم عن العرب والإسلام، والصور التي تمنحها الثقافة الفرنسية لنفسها (حديثة وديمقراطية. لاسيما إذا صدرت تلك "التأكيدات" من الآخر نفسه. (Faiq, ويقول سكماكجي في هذا السياق أنّ هذه النماذج الروائية استعادت المتخيّل الاستشراقي، ليتكشّف سرابا، وضربا من التّوهم. وبناء صورة غرائبيّة للشّرق، قصد بها إبهار المتلقّي الغربي ويخلق هويّة ملتبسة لا تنفصل عن الآخر وتتموضع بالنّسبة إليه لم يقتصر هذا التّماهي على الرّؤية المستلبة التي تذعن للغرب بتفوقه ومركزيّته، وتتمثّل مقولاته عن الشّرق وإنّما يصبح الشّرق ضرورة غربيّة للمتعة، (سكماكجي، 2018) فالكتابة من أجل الترجمة أيْ رغبة الكتاب في رؤية أعمالهم تترجم إلى إحدى لغات الثقافة المهيمنة كاللغة الإنجليزية والفرنسية يدفعهم إلى الاطلاع بشكل واسع وبتعمق على الثقافة الأدبية الإنجليزية والفرنسية لاسيما التعرف على الصور النمطية الاستشراقية أو المركزية الأوروبية وإدراجها ضمن كتاباتهم، وعلى هذا الأساس، وجد المنتجون المصريون للأدب الحديث أنفسهم مجبرين ولو ضمنيًا على مجاراة القيم الإيديولوجية والجمالية الفرنسية السائدة نزولاً عند ذوق المتلقي. Translation and Cultural Hegemony: The Case of French-Arabic Translation ، هذا من حيث مضمون النص الأصلي أمّا من ناحية نقل وترجمة هذا الأدب إلى اللغة والثقافة الفرنسيتين فهو يتم حسب جاكمون وفق إستراتيجيتين شاملتين إمّا "العجائبية" Exotisation أو التجنيس Naturalisation أو ما يسميه فينوتي إستراتيجيتي التوطين والتغريب، فالمترجمون والناشرين لا يُقدمون على ترجمة أو نشر الأدب العربي حتى المكتوب بغير اللغة العربية إلاَّ وهم آخذين بعين الاعتبار توقعات الجمهور الغربي الذي يبحث عمومًا على تلك الكليشيهات المتجذرة في مخياله والتي تستند إلى نظم التمثيل وإلى بعض "القوالب النمطية" التي تملي الميزات الخطابية الخاصة بالثقافة العربية والإسلامية المستخدمة في الترجمات أو النصوص الأصلية وبغية توضيح هذه النقطة أكثر ضرب جاكمون مثالين مأخوذين من قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في فرنسا في السنوات القليلة الماضية الأول يخص كتاب بيتي محمودي المعنون " أبدًا دون ابنتي" و يُعدُّ الكتاب الأكثر مبيعًا في جميع أصناف الكتب لسنة 1990 (1. 910. فلا يسع المرء في هكذا حالة، إلاَّ أن يتساءل عن العلاقة بين هذا النجاح الرائع ونوع تمثيل الشرق الذي يؤكدونه ويعززونه، إلا أنّها ذات أهمية حاسمة في فهم الرهانات الحقيقية والتفاعل المستمر بين التقاليد والتتمثيلات الغربية «there is a continuous interaction between western and specifically French representations of Arabic culture and linguistic, cultural, and political economy of translation from Arabic into French» (JACQUEMOND, 1992 p. 148) لاسيما الفرنسية منها للثقافة العربية وهو ما ينعكس لا محالة على الترجمة من العربية إلى الفرنسية. خاتمــــة: ما يمكن قوله في الأخير أنه كان للصور النمطية الراسخة في مخيال الإنسان الأوروبي التي رسمها المستشرقون، الأدباء، الرحالة، والمبشرون، سواء من خلال كتاباتهم المباشرة أو عبر الترجمة من مثل قصص "ألف ليلة وليلة" الأثر الكبير في تكوين صورة رومانسية مبالغ فيها عن الشرق، وسعى بعض الكتاب الغربيين من خلال حكايات شهرزاد وعلي بابا والسندباد البحري إلى بلورة رؤية غير موضوعية وغير حقيقية عن الشرق. كما أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الغربية ساعدت في تشكيل وتشويه صورة العرب والمسلمين، مما حول الترجمة من وسيلة للتبادل الثقافي إلى آلية لتشجيع الغزو الثقافي والهيمنة الفكرية. وقد تبين أن النصوص المترجمة تخضع لانتقاء دقيق، حيث تُختار فقط تلك التي تتوافق مع معايير وقيم الثقافة المستقبلة،