تمثّل هذه الصورة مدار الغزليّة العذريّة عند جميل إذ رسم لنا في جل قصائده جملة الخصال. /امرأة رفيعة المقام سيدة بين أهلها. ساعية إلى تأجيج نار عشقه. -> عندما نقارن بين الصورتين : الصورة الخِلقيّة والصورة الخُلُقية نلاحظ أنّ المرأة عند جميل جمعت بين بعدين : بُعد واقعيّ وبُعد خيالي أسطوري؛ وهذا التداخل يرثقي بها إلى مستوى الرّمز، ويؤسّس بينها وبين عاشقها علاقة غير مألوفة. اعتنى جميل ببيان آثار الحب على العاشق وما يُفضي إليه سهاده وهيامه من ألم ومعاناة ينعكسان جسديا على ملامحه فيبدو نحيلا ذابلا أنهكه الحب وأفناه العشق. من المعاني الثابتة في الغزلية العذرية معنى الوفاء. فإذا كانت المعشوقة تعد ولا تفي فإن العاشق يخلص لها الود ويزداد بها تعلقا، بل يصبح هذا الألم أحيانا مصدرا للمتعة يستعيض به عن الحرمان من الحبيبة. يعيش العاشق ماساة تجعل وجوده رهين وجود محبوبته وبدونها تفقد حياته معناها و وجوده مبرره. ج) العلاقة بين العاشق والمعشوق بل يمثل فيها الاتصال منشودا يقابله موجود هو حالة البعد والانفصال الناجمين عن عاملين أساسيين أحدها يتصل بالمحبوبة التي تمعن في التلاعب بمشاعر الحبيب. وثانيهما موضوعي له صلة بالمجتمع وبقيمه وما يضربه من حصار على هذا الحب الناشئ خارج مؤسسة الزواج، رغم ما يعانيه العاشق من صد وما يتولد عنه من ألم فإنه يظل وفيا لمحبوبته، بل إن وفاءه لها يتخذ طابعا أسطوريا عندما يتجاوز حدود الزمان ليتحول إلى حب أزلي يجمع العاشقين قبل الولادة وبعد الموت : يـهـواك مـا عـشـت الـفـؤاد فإن أمت ** يتـبـع صـداي صـداك بـيـن الأقـبـر محور شعر الغزل أولى ثانوي حب جميل لبثينة حب مقدر من قبل قوى غير منظورة، وهو عندما يسأل عن سر وفائه للمحبوبة يقول : فـقـلـت لـه فـيـمـا قـضى الله مـا تـرى ** علي وهـل فـيــا قـضى الله مـن رد حياة العاشق في هذا الحب سلسلة عذابات لا تنتهي، بل إنه يقف على عتبة المأساة وعلى شفا الجنون، وانفصاله عمن يحب يفقده الإحساس بجدوى الحياة، أظل نـهاري مـسـتـهـامـا ويـ نقي ** مـع الليل روحـي فـي الـمـنـام وروحـها وأزمته لا تحل إلا بالاتحاد بمن يحب : فلا أنعـمـت بـعـدي ولا عـشـت بعـدها ** وداست لنا الدنـيـا الـي الـحـشـر خيالك في عيني وذكـرك فـي فمـي ** فـمـثـواك في قـلـبي فـأيـن تـغـيـب وكنت على أيدي الرجــال حـيـيت تلخيص محور شعر الغزل في القرن الاول للهجرة إن العلاقة التي تجمع بين جميل وبثينة قد تجاوزت حدود العقل والمنطق، ويعتبر حبـه لـها ومجازفته في سبيل الوصول إليها غزوة في سبيل الله : يقـولـون جـاهـد يـا جـمـيـل بـغـزوة •• وأي جـهـاد غـيـرهـن أريـد البعد الاجتماعي في الغزلية العذرية ركزت الغزلية عند جميل على تصوير العلاقة بين المحبين ولكن ذلك لم يمنع من كشفها عن بعض ملامح المجتمع العربي في ذلك العصر، جمعت غزلية جميل بين البعد الذاتي والبعد الموضوعي، بين المعاجم، فعلا مقدسا. انفتاح المجتمع العربي على ثقافات الشعوب المهزومة (الروم/الفرس…) أدى إلى تأثرهم بما انتماء عمر إلى المجتمع الحضري – انتماء جميل إلى المجتمع البدوي. ما عرفته هذه الحضارات من بذخ ورفاه سنجد له صدى في شعر عمر. -(عائدات الفتوحات) أدى إلى تغير العقليات، -تأثر غزلية عمر بجملة هذه التحولات سنجد له صدى في مستوى المـضامين الشعرية (صورة العاشق صورة المعشوقة / العلاقة بين الطرفين…)، فإذا عالمه الشعري عالم معاناة وألم وما السعادة فيه إلا لحظة هاربة يختلسها من الدهر ومن الوشاة والعذال. وهذا يعني أن العلاقة بينهما قد شهدت انقلابا أو تبادلا للأدوار، وإذا مفاخر الأنا مدار القصيدة وإن وجدناها ترد على لسان المرأة ذاتها : قالـت الكبـرى أتـعـرفـن الـفـتـي ** قالت الـوسـطي نعم هـذا عـمـر قالـت الصغــى وقـد تـيمتها ** قد عرفناه وهل يخفى القمر؟ ومن صفات العاشق وهو في الواقع المعشوق هنا أنه لا يستقر على حال وينتقل من امرأة إلى أخرى كانه مسكون بهاجس لا يعرفه إلا هو. إضافة إلى ذلك فالمرأة التي يصورها عمر تبدو امرأة حضرية مرفية تختلط بالرجال وتتحدث إليهم وتمارس نوعا من الحرية لم نألفها لا عند جميل ولا عند شعراء الجاهلية. جملة هذه المؤثرات سنجد لها صدى في بنية قصيدته وأساليب القول فيها. -اعتماد البحور الخفيفة في النظم مثل الخفيف والرمل مما يجعل شعره يتسم بغنائية تعكس حياة الترف والبذخ التي يعيشها. يكون بطلها الشاعر ونهايتها الظفر أو تحقيق البغية وسد النقص. أ) مظاهـر التقـلـيـد -في مستـوى الشكل شكوى المحب من الوشاة والعذال كذلك من المعاني المتوارثة في الغزل وهي وثيقة الصلة بالقيم الاجتماعية السائدة. –في مستـوى الشكـل إزاء عاشق متذلل متصاغر بل أصبحنا إزاء معشوق يطلب ولا يدرك ويمثل قبلة النساء. تحول التجربة الغرامية إلى مغامرة يصوغها الشاعر صياغة فنية تتوفر فيها جل مقومات القص من زمان ومكان وأحداث وشخصيات، بعد أن واجه العديد من المخاطر. وهذا يعني أن غيابها هو بمثابة نقص سيسعى إلى سده : ويتحول ذلك الحدث إلى حدث قادح يدفع إلى المغامرة الغرامية،