وَأَقامَ مَالِكَهَا سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَاثْنَيْ عَشر يونا وابن أخيه المأمون يتوقع منه الانقياد إلى الطاعة والانتظام في سلك الجماعةِ حَتَّى يَئِسَ مِنْ عَوْدِهِ. قال ابراهيمُ عَنْ نَفْسِهِ : فَخِفْتُ على دَمي وخَرَجْتُ مُسْرِعًا مِن داري عندَ الظُّهْرِ وَأَنا لا أدري إلى أَينَ أَتَوَجَّهُ. أثري يُرْتابُ فِي أَمْرِي والشَّارِعُ غَيْرُ نَافِذٍ فَما الحيلة؟ ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ فِي صَدْرِ الشَّارِعِ عَبْدًا أَسْوَدَ قائمًا على باب دار. فَطَبَخْتُ لِنَفْسِي قِدْرًا لَمْ أَدْرِ فِي عُمْرِي أَنِّي أَكَلْتُ أَلَةٌ مِنْهَا . فقلتُ لَهُ: ما أَكْرَهُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي مُوْانَسَتِكَ. فنظرتُ في الدَّسْتِ فَرَأَيْتُ شرابًا في غاية الجودة فَرَوْقْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَتاني بفاكِهَةٍ وَأَبقال مُختلفة. فقلت له : وَمِنْ أَيْنَ لَكَ أَنِّي أُحسِنُ الغناء؟ فرمت بها الله وقلت له: أستودعك الله وأسألك أن تتصرف في هذا وَلَكَ عندي المزيد إن أمنت من خوفي. فأبى أخذها وَأَعادَها عَليَّ بِعِزَّةٍ وقال: يا مَولايَ إِنَّ الصَّعاليك مِنَّا لا قَدْرَ لَهُمْ عِندَكُمْ . ولما انتهيت إلى باب داره قال لي: يا سيدي إن هذا المكان أخفى لكَ مِنْ غَيْرِهِ وليسَ عَلَيَّ فِي مَؤونَتِكَ ثِقل فَأَقِمْ عِندِي إِلى أَن يُفَرِّجَ اللهُ عنك. فأقمتُ عِندَهُ أَيَّامًا على تلك الحالة في الأعيش وهو لم يصرف من الخريطة شيئًا ، واحتشمت من التقيل عليه دي برى النساء بالحق والنقاب وودعته وخرجت، فقالت له: يا هذا ما دهاك؟ ثُمَّ إِنَّهَا طَلَعَت إِلَيَّ وقالت: أَظُنُّكَ أَنتَ صَاحِبَ القضية. فقلت لها : نعم. ثُمَّ قالت لي : إني خائفة من هذا الرجل ( وعنت زوجها ليلاً يَطَّلِعَ عَليكَ فِينَمَّ بِكَ. وخرجت وهي توهمني أنها تريد السوق للاهتمام بالضيافة، فما شَعَرْتُ إِلا بإبراهيم الموصلي قَدْ أَقبلَ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ والجَارِيةُ مَعَهُ، فعقد مَجْلِسًا عاما وأدخلني إليه. فرأيتُ وجهَهُ قد هَش واستَرْوَحْتُ روائح الرحمة من شمائله. ثُمَّ أَقْبَلَ على العباس وأخيه أبي إسحاق وجميع من حضر من خاصته، وقال لهم: ماذا تَرَوْنَ فِي أَمْرِهِ؟ فَكُلُّ أَشَارَ بِقَتْلِي إِلَّا أَنَّهُمْ اختلفوا في القِبْلَةِ. وَإِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ لم نَجِدْ مِثْلَكَ قَدْ عَفَا عَن مَثْلِهِ. لقد أمت حقدي بحياة عذرك. وقد عفوت عنك ولم أَجَرعُك مرارة امتنان الشافعين. أظنه شكرًا لله تعالى الَّذِي أَظفَرَكَ بِعَدُو دولتِكَ. ولكن شكرًا لله تعالى الذي أَلْهَمَني العفو عنك، فشرحت له صورة أمري مَعَ الحَجامِ والجندي وامرأته وما جرى لي مع جاريتي. فَأَمَرَ بِضَربها مِئَةَ سَوْطٍ وَخَلَّدَ سِجنها . وقال: هذه امرأةٌ عاقِلَةٌ تَصلُحُ للمُهِمَّاتِ ثُمَّ التفت إلى الحَجَّامِ وقال له: لقدْ ظَهَرَ من مروءتك ما يوجب المبالغة في إِكْرَامِكَ.