بعد أن أنتخب " لويس نابليون بونابرت الثالث " كرئيس للدولة من طرف الجمعية الوطنية الفرنسية في شهر ديسمبر 1848 م، بدأت تتغير ملامح السياسة العامة في فرنسا خاصة بعد ترحيب الجمهوريين اليساريين بفكرة تنصيبه، على أمل أنهم سيلقون في سياسته ما يرجون و يأملون فيه، وكذلك بالنسبة لرجال الكنيسة و المحافظون فقرروا أن يضعوا كامل ثقتهم فيه و ظنوا أنه سينتهج سياسة مغايرة لسياسة عمه " نابليون الأول "، هذا الأخير الذي كانت سياسته تعتمد على القوة و التوسع و النزعة الإستعمارية، لكن " نابليون الثالث " سلك طريقا آخر مختلقا تماما عما كان يعتقده الجمهوريون اليساريون و رجال الكنيسة أي حسب مصالحه الخاصة، فاعتمد على الفلاحين و رجال الأعمال و حرص على تجنيدهم للعمل. من أجل إستتباب الأمن، حرص على تخطي المعارضين و إستمالة و كسب ثقة الجيش، الشرطة، و كبار المسؤولين في الدولة، حيث قام بإلغاء النظام الجمهوري و إنشاء الإمبراطورية الثانية في ديسمبر 1850 م، وأحكم قبضته على كرسي الإمبراطورية إلى غاية إنهزامه في معركة سيدان و إعتقاله من طرف بروسيا سنة 1870 م، فقد تميزت سياسته على مدى حكمه بأنه شجع فكرة إدماج الجزائر بمصالح فرنسا حسب خطابه المشهور في مدينة بوردو الفرنسية عام 1852 م، حيث أعلن فيه بأنه توجد مملكة مواجهة لمدينة مارسيليا ينبغي إدماجها في فرنسا، فسعى إلى جعل الجزائر مستعمرة إفريقية فرنسية من خلال شروعه في سن مجموعة من المراسيم و القرارات التي إستهدفت تحويل العقار الجزائري و مصادرة الأراضي للاستيطان و من ثمة ضرب الهوية الجزائرية و تفتيت بنيتها بإصدار قانون الإدماج، و هذه المتغيرات خلقت أوضاعا متردية سواءا في الجانب الإداري و الإقتصادي، الثورة الصناعية الذي يتغذى على رؤوس الأموال و بتنشيط القطاع الإستثماري أي ينتقل الإنتاج من التقليدي إلى نمط الإنتاج الرأسمالي ذات الطابع الإستعماري وذلك بالسطو و السيطرة على الأراضي و تحويلها إلى ملكيات فردية رأسمالية و الهدف من كل هذا هو كسر البنية الإقتصادية للجزائر ليحل محلها نظام إقتصادي رأسمالي يتمركز على إستغلال الإمكانيات و المقدرات المتاحة لخدمة الإقتصاد الفرنسي و الغرض من هذا هو إلحاق إقتصاد المستعمرة بإقتصاد المستعمر الفرنسي لخدمة الرأسمالية الفرنسية. إذ لا يمكن إيضاح السياسات التعسفية التي أقامتها فرنسا إلا بالوقوف على العواقب الوخيمة لهذه السياسة على المجتمع الجزائري إداريا و إقتصاديا الذي هو موضوع مذكرتنا و الموسوم بالأوضاع العامة للجزائر ما بين 1852 م – 1870 م ( الأحوال الإدارية و الإقتصادية أنموذجا). و تعتبر هذه الفترة أي فترة 1852 م – 1870 م من أبرز فترات الحكم في الجزائر التي وقعت فيها اضطرابات و تقلبات في الحكم خاصة بين العسكريين و المستوطنين، و قد حاولنا من خلالها الكشف عن الظروف التي عاشها المجتمع الجزائري أثناء تولي نابليون الثالث إمبراطورا على فرنسا و قيام الإمبراطورية الفرنسية الثانية و مخلفات ذلك، في ظل إصرار نابليون الثالث على تجسيد الوحدة العربية ( المملكة العربية ) بإصداره ترسانة من المراسيم و القرارات أهمها قانوني السيناتوس كونسيلت سنة 1863 م و سنة 1865 م و إنتهاجه للإقتصاد الرأسمالي لتشجيع الملكية الفردية.