من المدرسة الفقهية واللغوية والنحوية للعلامة الشيخ محيي الدين بن عربي، ومن بين تلامذتها النجباء تخرّج الشيخ عبد الرحمن ابن حلب الشهباء وعاد من دمشق إلى مدينته بعد أن تلقى علوم النحو واللغة والفقه ليعمل مدرّسا في جامع الفردوس بحلب حيث أنفق عمراً في خدمة اللغة والنحو إلى أن توفي ودفن في الجامع المذكور، ولد أديبنا القاصّ والروائي والحقوقي محمد أديب نحوي في حي باب المقام عام ١٩٢٤ لأب يملك مقهى في سوق الحبال بحلب يدعى مقهى الكميني، ونزولا عند رغبة والده تابع دراسته حرا ليحصل على الشهادة الإعدادية التجارية فالشهادة الثانوية . يشار إلى أن أسرة النحوي تفرّعت إلى عدة فروع نتيجة سفر وترحال أفراد منها من حلب إلى فلسطين وبالعكس، انتقل أديبنا للعمل في البنك العربي - فرع حلب، وقد نال إجازة جامعية في الحقوق من الجامعة السورية بدمشق عام ١٩٥١ لينتسب إلى نقابة المحامين بحلب حيث عمل محامياً منذ تخرجه حتى العام ١٩٧٠ حين أسندت إليه وزارة العدل السورية، ليبقى وزيراً على مدى عشرة أعوام حتى العام ١٩٨٠، انتقل بعدها ليعمل مستشاراً قانونيًا لدى وزارة الدفاع حتى وفاته بعد معاناة طويلة ومريرة مع مرض السكري يوم الاثنين ٢٠/تموز /١٩٩٨ عن عمر ناهز أربعة وسبعين عاما . يروي شقيقه المحامي عبد الرحمن نحوي أنّه عقد العزم على ترك الدراسة بعد وفاة والده ليعمل في مهنة الخياطة، ومن خلال تأثره بطالب الطب صفوح الأتاسي - ابن مدير فرع البنك العربي بحلب الذي يروي عنه الأستاذ فائز إسماعيل أنه كان حسن المعشر دمث الخلق - انتسب النحوي إلى صفوف حزب البعث العربي عام ١٩٥٠ متأثراً بأفكار وأخلاق هذا الطالب الحزبي وبأهداف الحزب ورؤيته للوحدة العربية كسبيل وحيدة للخلاص من الظلم والقهر والاستبداد، فناضل محامينا وأديبنا ضد البرجوازية والإقطاعية السائدة في تلك الحقبة فكان محاميا للفئات المقهورة والمسحوقة من العمال والفلاحين وصغار الكسبة مجانا ودون مقابل مادي في أغلب الأحيان، وكان رفاقه الحزبيون يسبقونه إلى أروقة المحاكم التي كان يحاضر فيها بدل أن يترافع ليستمعوا إلى محاضراته الحماسية وحججه وبراهينه وأسانيده القانونية التي يعرضها بمهنية وحرفية عالية وبلغة أدبية رائعة لينتصر لفكره ولحقوق موكليه ضد البرجوازيين والإقطاعيين، ثم ليظهر من قاعة المحكمة محمولا على الأكتاف بعد كل انتصار مهني يحققه . للحزب - قد فازت بخطيب جماهيري مفوّه يتمتع ب (كاريزما) مكنته من الاستحواذ على الجماعات، ومن ذلك أنه شحن ذات يوم بخطابته الحماسية المعهودة رفاقه في الحزب بحلب ليجدوا أنفسهم يستقلون الحافلات متوجهين إلى منطقة حارم في محافظة إدلب ليخرجوا في تشييع شهيد الحزب الرفيق ديب قريع الذي قتلته غدرا إحدى الأسر الإقطاعية هناك ثم توعَدت من يحضر من حلب وإدلب من محازبيه لتشييعه بأنه سيدفن معه، إلا أن أديبنا حوّل الجنازة إلى مهرجان خطابي حث فيه المشيعين على الثورة والثأر للشهيد من البرجوازية والإقطاعية، وقد نفذ الإقطاعيون وعيدهم لاحقا في أربعين الشهيد بساحة حارم عندما أطلقوا نيران بنادقهم من سطح بناء حزب الشعب على المحتفين بالأربعين ليسقط تسعة منهم جرحى، شغل الراحل عضوية مجلس الأمة وعضوية الإتحاد القومي خلال سنوات الوحدة بين مصر وسورية بين العامين (١٩٦١-١٩٥٨)، وعضوا في المكتب السياسي الداخلي للإتحاد الاشتراكي العربي في العام ١٩٦٤ ، وتزوّج في العام نفسه من رفيقته في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي المربية الفاضلة رئيفة عبد الرؤوف تادفي سليلة الأسرة الحلبية العريقة، فأنجبت له خمسة أبناء هم محمود سامر، وقد فجعت هذه الأسرة بوفاة ابنتها رهف الطالبة في السنة الرابعة بكلية الطب في العام ١٩٨٩ الأمر الذي خلف جرحا عميقا وترك بصمة ألم وحزن في حياة الأديب وأسرته. فكان أن التف هؤلاء الجزائريون حوله وصاروا يعقدون اجتماعات دورية عنده فيحرضهم على تنظيم التظاهرات والاعتصامات والثورة على الواقع الراهن ومحاربة سياسة الفرنسة التي تفرض على الشعب الجزائري وصولا إلى طرد المستعمر الفرنسي من أرض الجزائر العربية، بعد أن حلّت الأحزاب الوحدوية والقومية في سورية نفسها تنفيذا كشرط وضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة بين البلدين، وكان على رأس هذه الأحزاب التي حلت نفسها حزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد وقوع جريمة الانفصال الأسود بين الإقليمين الشمالي والجنوبي، عمل أديبنا بكل ما أوتي من قوة مع رفاقه الوحدويين ضد الانفصال فاعتقل وسجن وعذب في المعتقلات، ثم فرّ وتوارى عن الأنظار وصار يبيت في مقابر حلب وبيوت أصدقائه - وذلك بسبب تكرار اعتقاله وإطلاق سراحه - فعمل سرا مع مناصريه ومحازبيه على محاولة إعادة الوحدة بين سورية ومصر، ويروي أديبنا أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أرسل إليه طالبا منه الحضور إلى مصر - إبان الانفصال - ليسند إليه منصبا مهما هناك تكريما لوفائه وإخلاصه لقوميته، إذ تناول أديبنا كل أطراف الحديث ومتنه فلم يترك مجالا لأحد، وبقي أديبنا يناضل لتحقيق حلم الوحدة العربية ثانية بعد تجاوز الأخطاء التي وقعت في التجربة الأولى حتى أتى فجر الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام ١٩٧٠ فاستدعاه الأسد إلى دمشق وعيّنه وزيراً للعدل، "هل تنوي محاربة إسرائيل يا سيادة الرئيس"، فأدلى كل وزير بدلوه إلى أن وصل الدور إلى وزيرنا، فقال له الأسد: "وأنت يا أبا محمود، الجدير ذكره أنّ وزيرنا قدم من حلب إلى دمشق عند توليه مهامه في الوزارة - ولم يكن يملك منزلا في دمشق، حيث أعاد بناء هيكلية الوزارة وفق أسس القانون والعدالة، وقد روي عنه أنه وخلال اجتماع لمجلس الوزراء طلب منه رئيس الوزارة نقل أحد القضاة من مكان إلى آخر استجابة لشكاوى مقدّمة بحقه من فرع الحزب بمكان عمله، ومن أطرف ما وقع له خلال فترة وزارته أنّه كان مع الوفد الذي استقبل الرئيس العراقي صدام حسين في زيارته لدمشق أواخر السبعينات والتي قام بها في إطار التقارب بهدف إقامة الوحدة بين سورية والعراق على أساس الحزب والفكر والعقيدة الواحدة للقطرين، وعند استعراض الرئيس صدام ومضيفه الأسد للمستقبلين من الوزراء، وعند وصولهما إلى وزير العدل ما كان من الرئيس صدام حسين إلا أن اندفع إليه وحضنه معانقا بحرارة ليلتفت إلى الرئيس حافظ الأسد قائلا: لديك بين صفوف وزرائك مناضل مثل أديب نحوي، وعند توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة بين مصر وإسرائيل، ويذكر أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كلفه بالقيام بجولة شاملة في دول عربية وإسلامية وإفريقية بهدف شرح ما تستجره مثل هذه اتفاقية من ويلات على الأمتين العربية والإسلامية ولحث زعماء تلك الدول على تجميد أو قطع علاقات بلادهم مع مصر كامب ديفيد ، فأبلى الوزير النحوي بلاء حسنا في هذه المهمة الدبلوماسية ، فقطعت معظم الدول التي زارها النحوي علاقاتها أو جمّدتها كحد أدنى مع مصر السادات . وذلك بغية إسناد منصب رفيع له في الدولة بعد تنحيه عن الوزارة، عاد أديبنا ووزيرنا بعد ذلك إلى مزاولة مهنة المحاماة في مكتب صديقه القديم وزميل المهنة ورفيق النضال الوحدوي الأستاذ المحامي حمود بكفاني الكائن خلف القصر العدلي بدمشق، ليتلقفه السيد العماد أول مصطفى طلاس نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة - نائب رئيس مجلس الوزراء - وزير الدفاع،