أكثرنا يتحاشون التعامل مع النساء عموماً إلا في حالات الضرورة ، كأن يكون الجنود خبثاء فيضطرون للتعامل معهن، وقد يكون الأمر مقصوداً من الإدارة لدفعنا إلى الإكثار من التعامل معهن لبناء علاقة مع الأيام قد تساعدهم في اختراق الجدار الإيماني الذي يحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم. أَدْرَكَتْ إدارة الهندسة أن المرأة أقدر دائماً على الوصول إلى ما لا يستطيع الرجل الوصول إليه، فاستخدمت العنصر النسائي في برنامجها لترويض المهندسين ، وعند التقييد كن يتعمدن الاحتكاك بأجساد المهندسين ويلامسنهم بمواضع حساسة من أجسادهن، في جو متوتر مقلق مشحون بالشهوة قد غرز الشيطان فيها رايته ونادى الجميع : هل من مبارز؟ كانوا يوزعون علينا روايات الحب والغرام ليروا من هو المهيأ للانتقال به إلى الخطوة التالية، لقد كانوا موقنين أننا سنستسلم في النهاية لأن قطرة المطر لا تفتت الصخرة بالعنف بل بالتكرار ! كان للمحققين استقلالية نوعاً ما في قراراتهم عن إدارة المعتقل، كل فرقة منهم تحاول أن تثبت نجاحها باستخراج المعلومات أو النجاح بالتجنيد، وصل التنافس بينهم أحياناً إلى حد العداء والحسد، بينما يصفهم استخبارات الجيش بأنهم مدللون يقطفون ثمار ما تعبوا هم في زراعته. كثف الأمريكان استخدام العنصر النسائي في التحقيقات، معتقل آخر حاولت المحققة إغواءه فلم تنجح، فأدخلت يدها داخل سروالها الداخلي ثم أخرجت دم الحيض ومسحت به وجهه ورأسه. جاءني معتقل في مقتبل العمر، ثم قال لي كأنه يجر الكلام جراً : تعبت! : طلبت الجندية مني إعطاءها المكنسة بعد أن انتهيت من التنظيف، ناولتها الأغراض فَمَسَحَتْ على يدي مسحة حانية ثم نظرت إلي بابتسامة تحمل ألف معنى. لقد ضاق بالإغراء المستمر يوماً بعد يوم، أصبحت الجنديات يقطعن العنبر ذهاباً وإياباً كحركة البندول الدؤوبة دون توقف، تغنج مثير يوقظ العين الطامحة ويستدعي الشهوة المختبئة في أعماق النفس، هاربة من الجاذبية التي تدعوها إلى التمرد على الفضيلة وهدم أسوار البيوت ليتحول فراش الزوجية الطاهر إلى مرعى مباح لكل سائمة، وإن غض طرفه غداً فسيعجز بعد غد كم صورة خليعة في اليوم الواحد تتراقص أمام العين العطشى وفي ميدان القلب تستعر حرب ضروس . ومن الذي يدّعي أن جاذبية المرأة شكل من أشكال التعذيب؟ إنها الانهيار دون ترك أي علامة للألم، من يقدر على كبح جماح قلبه كما يكبح نظراته عن هذا الجنس العارم الذي يتدفق شوقه على قلوب تتقد بالثورة؟ تستهويه وتغويه حتى إذا استولى حبها على قلبه، تمنعت لتسيطر عليه بحب مجنون يقلبه بين يدي الغرام والهيام. وقد رأيت من كان يعزف على النظرة فإذا به غارقًا في لجة البحر، قد كُسر مجدافه وتهتك قاربه، ومن إطلاقه إلى تماديه، لقد عظني حاله موعظة بليغة، جعلتني أتعامل مع إيماني كالغلام الذي يتعامل مع عصفور في يده، كم من غارق في مستنقع الرذيلة حتى قيل إنه هلك، ثم يتسلل إلى مسامعه في اللحظة الأخيرة نور الله، وكم من حافظ للقرآن وعالم بالعلم، وإذا به يجد في قلبه خبيئة كامنة تسقطه صريعًا مضرجًا بدمائه. نظرت في عينيه فرأيت معركة محتدمة، قال بنظرة حائرة: "أنا مؤمن بما أعده الله للمؤمنين هناك، نظرت إليه مشفقًا وقلت: "أوليس الإيمان هو رؤية ما وراء الصورة الماثلة أمامنا؟ الإيمان هو ترك الحلوى التي أراها من أجل المائدة التي وعدني بها أبي غدًا. فيرى أباه أسفله مادًا يديه مبتسمًا، فيقذف بنفسه بين يديه، ثقة بأبيه الرحيم الذي لن يتركه يهوي في وادي الهلاك. لن تمنعه عن السعي لكأس الماء الذي يروي ظمأه. ولكي تنبض الكلمة بالحياة، لكنها لا تستطيع إحياء الروح الميتة أو الجسد المشلول ما لم يفتح القلب أبوابه لها. الجندي يمسك المعتقل من ذراعه الأيمن والآخر من الأيسر، تظهر كسراب خادع. ولا يأمره بغض البصر وحفظ الفروج دون أن يبشره بأن الله هو نور السماوات والأرض. لقد وجدت أن الغوص في معاني القرآن وتوحيد النفس مع إرادة الله هو القوة التي تطرق باب القلب، فعندما تكون بين يديك، وتخلو به وحده دون شريك، تتحول كلماته إلى نور يخترق أعماق النفس، حاول الأمريكيون جعل إغراء المرأة سهمًا شيطانيًا يُفني كل المعاني السماوية في قلوب الأسرى. وإذا كان يوسف الصديق قد فر من فتنة القصر إلى ظلمة السجن، فكيف بمن وجد فتنة القصر في ضيق أسره؟ وهل هناك فتنة أعظم من أن تُعرض عن ألف امرأة تُقدم لك قلبها؟ ولله در القلوب التي رأيتها ثابتة، أمام عيون خلابة ترميهم بسهام نظراتها دون رحمة، ولو لم أرهم بنفسي لظننت أنهم من خيال الحكايات. قد يحذر الإنسان من عدو يتربص به أمامه، لكن كيف يتعامل مع الأعداء القادمين من كل اتجاه؟ عنف الجنود ورقة الجنديات، وما أعظم ما في غرف التحقيق! لم تكن مسلخاً للأجساد كما يفعله حمقى الطغاة بل مختبراً لدراسة نفسيات المعتقلين وتحليل شخصياتهم، ثم يخرج لتدخل محققة فاتنة تخفف عنك القيود وتخلصك من آلامك مبتسمة متغنجة في غرفة لا يراك فيها إلا الله ! تذكرت كلاماً لأحد العلماء السابقين يذكر أن الروم عندما كانوا يأسرون المسلمين يجعلون الجواري الحسان يغدين ويرحن عليهم بالطعام والشراب، ومهما كرعت من كأس الشهوة سأظل ظمآن أبداً، ولو كان في التنزه في بساتين الحرام خير لرأيت المنغمسين في الحمأة أطيب الناس عيشاً وأهنأهم بالاً، ولتعرفنهم في العيون الزائغة والقلوب التائهة والأرواح المشردة، وأني مهما نلت من متاع الدنيا فإلى الفناء أصير، كلاهما سراب، أخذت أتأمل من بين القضبان ذلك الصقر المحلق في العلاء، وأشهى عناقك ذلك الذي يلامس فيه صدرك صدر الحور، وأطيب مجالسك ذلك الذي تجتمع فيه بالأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ضيوفاً على مائدة الرحمن، ولا حياة تطيب دون ذلك. لقد علمت كل هذا وأيقنت به فصوبت نظري نحو الحقيقة وشمرت لها، لكني حين وضعت قدمي على الطريق رآني القرآن تلجلجت فوبخني لن يذوق حلاوتي الكاذبون! مراراً . : لماذا أنت متزمت؟ لماذا تتعامل مع المرأة هكذا؟ لماذا لا تصافحني وتكون أنا أرى الإنسان الطبيعي هو الذي يحترم الحياة الزوجية ويترفع عن الفوضى الجنسية التي تعيشها البهائم! : ولماذا خلقت المرأة جميلة إن كانت مأمورة بتغطية هذا الجمال؟ : هل نستطيع أن نعمم هذا الكلام على كل جسد المرأة؟ كله؟ حين تحمر المرأة شفتيها وتعطر جسدها حاسرة عن مفاتنها للرجال فإنها تقول بكلمات غير مسموعة: انظر إلي كم أنا جميلة، إنها بذلك تتصنع الإغراء وتتكلف التغنج لتستفز في الرجل مخالب الشهوة وأنيابها لإثبات أنوثتها، كان له أن يشتري مثلها فأبى إلا السرقة والرجل السوي لا يرى في جمال جسد المرأة سوى السرير لكنه يرى في جمال روحها الكون كله، لذلك وجب تغطية السرير ليتجلى جمال الكون. : لماذا تريدونها تسير في خيمة سوداء؟ ما هذا التخلف؟ قالت وهي تكظم غيظها : إنه القانون. : وكذلك نحن ننلتزم بقانون الله الذي ما شرعه إلا للحفاظ على طهرية الحياة الأسرية من بركان الجنس الذي إذا ثار دمر . يوقعون عليه بنفسك؟ : لا ولكن . الذي يخضع لقانون وضعه إنسان عار عليه أن ينكر على من يخضع لقانون الله . لكنك لست الله ! ومنها الحجاب، : لا حاجة لي بذلك فقد تكلمنا فيها مراراً ما المشكلة في الحرية الجنسية؟ اترك عنك خرافاتك المتخلفة وانظر إلى الحياة كم هي جميلة لم تحرم نفسك من المتعة لتراث مغبر ألغى العقل؟ ثم أخذت تتثنى وهي تخلل شعرها بأصابعها قائلة أنا أجمل أم الحور العين؟؟ أحسست أن ما خلته في صدري ثابتاً بدأ يذوب في وهن، تذكرت ذلك المحقق الذي سألني وهو يبتسم بخبث: من تفضل من النساء؟ الشقراء الغيداء أم الحنطاوية الحسناء؟ القشطة أم النوتيلا؟ كلها متوفرة! أم أنك من لقد كانوا يستهزئون بشوقنا إلى الحور العين، لأن ذلك الشوق يجعلنا أوفياء للحب الطاهر أمام ذلك اللحم العاري الرخيص الذي نراه كل لحظة، عندما تريد الرذيلة إقناع الآخرين بها فإنها تسب الحب العفيف وتستهزئ بالخلق الطاهر، ثم تملكتني الدهشة حين قال لي هو نفسه بعد أيام: ما بالكم تكثرون الحديث عن الحور العين؟ ما هذا التفكير الجنسي المسيطر عليكم؟! كم هو مثير للسخرية حين نرى من يقضي لياليه الحمراء تسكب العاهرات على رأسه كؤوس الخمر ثم يصبح واصفاً الشوق إلى الحور بالانحطاط الجنسي! قال لي أحد المحققين في السنين الأولى من الأسر: سنصنع نادياً ليلياً في كل بيت ثم نودعها في كل جيب! لم أفهم ما قاله حينها، لكني قلت له: زرع الله لا تحصده المناجل، أنتم فاشلون وستظلون كذلك لأنكم تريدون تغطية نور الشمس بمنخل . كان ينظر إلي بحنق بالغ، ثم ازداد حنقاً حين قلت قد تنجح في إقامة النادي الليلي في كل جيب لكنه سرعان ما يتحول إلى مسجد تقام فيه الصلاة حين يصحو القلب من سكرته، وتوالت ضربات الانحلال وترنحت القلوب وتساقط المتساقطون سكارى بنشوة الحرام يقرعون كؤوس الغواية مع الشيطان يحاول بعضهم النهوض فتخونهم قواهم الخائرة ليسقطوا في ثقل من جديد، وما هي إلا جولة حتى رجع الناس إلى دين الله أفواجاً . كانت في حقيقتها لبؤة لكنها لم تكن في أعيننا كذلك، كانت صورتها تتبدل، فإن قوي إيمان الأسير رآها لبؤة وإن ضعف برزت أمامه ظبية عيناء تسر كانت ترسل شواظ نظراتها أحياناً فتعمل كلهب يذيب في القلوب معدن الإيمان، ومرة تلقي نظرة المحب للحبيب وأخرى تمارس مع المعتقل أسلوب الشد والإرخاء، فتغضي طرفها عنه تارة وتربكه بنظرتها المترددة تارة وتارة تتوالى نظراتها كقطرات الندى التي تتابع على الصخرة حتى تفلقها، وحين تجد عيناً قد ضعفت يد الإيمان عن الجامها بادلته نظرة ناعمة متسائلة عن سبب التحديق بها، لكن ابتسامتها الهادئة حولت السؤال إلى إقرار ودعوة للاستمرار كانت تمسك قارورة الماء فتتصنع الشرب بهيئة تحول القارورة إلى عاشق تداعبه بلسانها وشفتيها وتحول الماء إلى شهوة تسري في جسدها وجسد من وقعت عينه في فخ عينيها ، ثم يتولى ساخراً من هذا الذي توهم الحب في قلب حقود واللذة في كية نار والشفاء في سم ناقع. كانت تتبختر في العنبر للمراقبة بينما كان لسان حالها يقول: راقبوني! ثم تنصرف وقد تركت بعدها قلباً يتوجع وصدراً يتنهد وروحاً تضطرب ونفساً ترتعش وأحشاء تستعر بنار لا ترى، فإن استفاق أسرع في . ما أجهلنا حين ننتزع حظنا من ترانيم السحر أو تراتيل الوحي أو ظمأ الهواجر ثم نقذفها حطباً في نار عينيها ! ستسيح في الأرض! التفاتة هنا التفاتة هناك نظرة طائشة تفلت من لجامها حين وما يزيد الأمر صعوبة أنك تحتاج لمحادثتها في طلب حاجاتك كالطعام أو قارورة الماء أو صابونة أو كوب بلاستيك، ثمانية أشخاص في العنبر، مع كل طلب تسمع صوتها يرن ولو أوتيت قوة في الصمود فإن مجموع النظرات الطائشة الفجائية البريئة قد تكون أحياناً عشرات،