لطالما أعتبرت مسؤولية حماية البيئة وتنمية المجتمع من صميم اختصاص الدولة ، لكن مع التطورات المتسارعة في مختلف المجالات، برز دور فاعلين جدد كشريك للدولة، أثبتت مؤسسات المجتمع المدني قدرتها على تسيير شؤون المواطنين وتلبية حاجاتهم بفعالية ، مما أكد على أهمية دورها في تحقيق التنمية الشاملة ، ومن أهم المجالات التي تبرز فيها مساهمات المجتمع المدني هو مجال البيئة ، حيث أدركت مؤسسات المجتمع المدني والحكومات على حدٍ سواء استحالة حماية البيئة بشكل فردي ، فالقضايا البيئية تتجاوز سن القوانين لتتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع من جماعات وجمعيات على مختلف المستويات. يعد نشر الثقافة البيئية أحد أهم أوجه التعاون بين الدولة والمجتمع المدني، فغيابهما لدى الفرد وجهله بالعلاقة بينه وبين بيئته يؤدي إلى سلوكيات خاطئة تضر بالبيئة، والعقود الأخيرة شهدت تزايدًا في قضايا حماية البيئة والدفاع عن مقومات استدامتها، فقد أثار تدهور نظمها وعناصرها الحيوية قلقًا وانشغالًا كبيرًا لدى المجتمعات الإنسانية المعاصرة ، مما أدى تفاقم المشكلات البيئية إلى تساؤلات حول مسبباتها ومدى قدرة الإنسان على مواجهتها وضمان ديمومة البيئة . لا تستثنى الجزائر من المشكلات البيئية العالمية والإقليمية ، فهي تعاني من مشكلات مثل : التصحر والتلوث وتراجع الغطاء النباتي وتغير المناخ والجفاف، وازدادت حدة هذه المشكلات في الآونة الأخيرة مع ازدياد حرائق الغابات، مما أدى إلى إتلاف مساحات واسعة من الغابات ، وتُضاف إلى ذلك سلوكيات خاطئة يقوم بها بعض المواطنين مثل رمي النفايات عشوائيًا وتقطيع الأشجار وغيرها، مما يدل على غياب الوعي والثقافة البيئية ونقص الرقابة . إن هذه التحديات تؤكد على ضرورة تكاتف جهود الحكومة والمجتمع المدني من أجل تحقيق تنمية بيئية مستدامة ، يتطلب ذلك تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين من خلال برامج مشتركة ونشاطات توعوية تُساهم في نشر الوعي البيئي وتكريس ثقافة احترام البيئة لدى جميع أفراد المجتمع ، وعليه فإن مسؤولية حماية البيئة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني من خلال تضافر جهودهما، مما يمكن تحقيق تنمية بيئية مستدامة تضمن سلامة البيئة للأجيال الحاضرة واللاحقة . ولأهمية ذلك سنحاول الكشف عن دور المجتمع المدني في مجال تكريس الثقافة البيئية و تحديد مسؤولياته في ذلك ، من أجل تبيين العلاقة التشاركية بين المجتمع المدني و الدولة في وضع البرامج وتنفيذها، بإدراك أن مؤسسات المجتمع المدني والحكومة لا يمكن الفصل بينهما، وأن قضايا البيئة قضايا مجتمعية لا تنحصر في سن التشريعات القانونية، بل تتطلب تضافر جهود الأفراد والجماعات والجمعيات على كافة المستويات في العمل على مواجهة المشكلات البيئية. وبالرجوع إلى المكانة الميدانية للمجتمع المدني كقوة تأثير فعالة وأساسية في الدفاع عن البيئة، فالبحث في فهم طبيعة وجوهر هذا الامتياز أو الفعالية التي يحظى بها المجتمع المدني في المجال البيئي تتوقف على ضرورة إبراز إطار مفاهيمي للمجتمع المدني والثقافة البيئية ، وكذلك الآليات المتاحة له بمساهمته في تكريس تلك الحماية .