وأخيرا في عام ۱۲۰۳ قامت في الغرب الأوروبى حملة صليبية جديدة هي المعروفة بالحملة الرابعة في عداد الحركة الصليبية. ولكن اطماع البنادقة وكذلك المؤرخ شارل ديل في فهي تقع على رأس البحر الأدرياتي الذي كان يعتبر على الكاتبة ايلين بور أعظم طريق بحرية لتجارة العصر الوسيط. وقد كسبها كل هذا ميزات حسدتها عليها كثير من بلدان أوروبا. فيها كان يرسو التجار الوافدون من الثغور المصرية والشامية، ومن البندقية كانت هذه البضائع تنقل الى ألمانيا وفرنسا وانجلترا والزراضي الواطئة وغيرها من بلدان الغرب، كذلك كان التجار البنادقة يأتون الى اسواق مصر والشام سنويا يأخذون منها حاجتهم التي يحملونها معهم على مراكبهم الى الاسواق الأوروبية والمهم أن عملية الاستيراد والتصدير هذه جعلت من البندقية جزءاً هاما فى تاريخ دولة المماليك، كما جعلت من دولة المماليك في مصر والشام هى الأخرى جزءاً هاما في تاريخ البندقية والتجارة واذا عدنا قليلا الى الوراء، يرجع في الاصل الى تمركز بعض الجاليات الرومانية منذ القدم، وهي التي كانت قد لجأت اليها هربا من الجرمان وغزواتهم المدمرة الكاسحة لتي احدثت بأوروبا ما أحدثته من فوضى ودمار فى أوائل العصور الوسطى. وظلت تلك الجاليات الرومانية في تلك الجهات الضحلة النائية أيام غزوات الجرمان الى أن امتدت اليهم سلطة القوط. وكانت النتيجة أن اعترفوا بالتبعية لدولة القوط الشرقيين. بالقضاء على الدول والممالك الجرمانية التي قامت على أنقاض الدولة الرومانية القديمة، وما تبع ذلك من هدم دولة القوط الشرقيين فى ايطاليا، بل تركوها وشأنها. والظروف والتطورات التي مرت بها - وحدة سياسية مخالفة لما نشأ فى باقى أجزاء ايطاليا من الوحدات في تلك الأزمنة، ومنذ أواخر القرن السابع، كما منحت تسهيلات ثم ظهر بعد ذلك على مسرح السياسة الايطالية عامل جديد لا يقل أثراً عن الحوادث الكبرى السالف الاشارة إليها، وذلك حينما قرر البابا الروماني ستيفن الثاني ephen في أواسط القرن الثامن ضد خصومه. لأنها أصبحت حلقة الوصل بين البلدين. اذ فتحت ميدانا واسعا للنشاط التجاري في بلاد الفرنجة . وهذا هو الدور الذى بدأت به البندقية عظمتها، والذي بنت ولما كانت سلطة الفرنجة أيام شارلمان قد امتدت الى ايطاليا وغيرها من البلاد فقد وهى تبعية قد زال مع الزمن معناها ومغزاها . واثرت تلك الحروب في مركز هذه المدينة الجزرية حتى اصبحت عاصمة الجزر المكونة لجمهورية البيدقية كلها . واستمرت تبعية البندقية لبيزنطة حتى أواخر القرن العاشر الميلادى، حتى اصبحت تعتبر نفسها ندا للدولة البيزنطية. أما من ناحية الامبراطورية الغربية التي تكونت بعد انحلال الدولة الكارولنجية فقد دأبت البندقية على مواجهتها معتبرة نفسها دولة مستقلة قائمة بذاتها. وعقدت معاهدات تجارية كثيرة . فمنذ سنة ٨٢٩م كانت علاقتها بمصر قوية متينة، حتى أنها استطاعت أن تحصل من الوالي على اذن بنقل رفات القديس مرقص من الاسكندرية على مراكب بندقية . وتكوين الدولة النورمانية، ولهم فى جنوبى ايطاليا والبلقان، لانقاذ الدولة من ذلك الخطر الذى كان يهددها تهديدا مباشرا. يستنجد بها. ومن هنا بدأ التطور في تاريخ البندقية، وكان طبيعيا في مثل هذه الظروف أن تسرع البندقية الى مساعدة الكسيس ضد النورمان واطماعهم. فقد كان يجمع بينهما فى تلك الفترة هدف واحد هو القضاء على عدو مشترك لكليهما، وأن اختلفت الاسباب. فقد كان الكسيس يريد حفظ عاصمته من خطر النورمان، وكانت البندقية تعلم جيدا ان اطماع النورمان التي لم تكن تقف عند حد، وتوسعهم في البحر، ويجعلها تحت رحمة اسطولهم البحرى. أنما القيمة الحقيقية تنحصر في أن البندقية وافقت على مساعدة الامبراطور البيزنطى بشرط أن يكون للبنادقة حق الاتجار في المدن البيزنطية، تماما مثلما فعلوا عندما ساعدوا الصليبيين الغربيين في الاستيلاء على المدن والموانى المصرية والشامية أثناء والنتيجة أنها افادت من وراء ذلك فائدة حربية ومادية. والخلاصة أن البندقية أصبحت في أواخر القرن الحادى عشر دولة بحرية قوية تهتم بالتجارة وتعمل على أن تكون لمتاجرها أسواق خاصة ف يمختلف البلاد شرقي حوض البحر المتوسط المعروف باسم حوض الليفاتت. تلك هي حالة البندقية وما وصلت إليه فى الفترة التي أخذت فيها أوروبا تفكر في الحروب الصليبية . وتاريخ البندقية في أثنائها وموقفها منها تاريخ معروف . ولكنهم سرعان ما يتحولون ويسارعون الى التفاهم مع المسلمين وفقا لما تمليه عليهم مصالحهم الخاصة . لقد كان هدف البنادقة منذ بداية الحركة الصليبية حتى نهايتها هو الربح والكسب المادى، ولم يكن يعنيهم الباعث الديني الا بالقدر الذى يحقق مصالحهم. ويكفى أن نعرف أن شعارهم الذي عرفوا به وقتذاك هو لنكن أولا بنادقة ، الذي أعاد الى الذكرى موضوع الاستيلاء على الشاطئ الأدرياتي . كما أنها تجلب على نفسها عداوة بيزنطة واباطرتها . اذ كان النورمان من ناحية الشاطئ الأدرياتي، وكان لابد البندقية أن تصبح صاحبة السيادة في تلك الثغور لتكون السيطرة على الطريق الذى تتوقف عليه تجارتها . واذا كان على البندقية أن توجه اهتمامها الى النورمان والمجرمين قبل أن تفكر في الصليبين وغيرهم. وعملا بتلك السياسة التي كانت تمليها مصالحها الخاصة، رأت البندقية أن تقف موقف المحايد من الجانبين المسيحى والاسلامى أثناء الصراع الصليبي بان تتاجر مع كل منهما، فخشيت البندقية أن يؤدى ذلك إلى شل الحركة التجارية فى كل تلك البلاد، وأن تحرم البقية مما قد يفتحه الصليدبيون من بلاد المسلمين. وكان هدفهم من وقوتهم بجانب الصليبيين تجاريا بحتا . وقد أبحرت الحملة سنة ۱۰۹٦م ، وأنزلت بعض قواتها في رودمس، وكشفت التقلب عن موقفها بمحاربة جالية الجنوبية هناك. بمعنى أن البندقية دخلت الحروب الصليبية بهدف احتلال المكان التجارى الأول شرقي البحر المتوسط، على أية حال، وصلت حملة البندقية الى شواطئ الشام سنة ١١٠٠م، فلما سقطت هذه المدينة فى ايدى الفرنج ونفس العام، وسارع قواد البنادقة بالمطالبة بحى لهم فى حيفا ليكون خاصا بمتاجرهم. وهكذا بدأت الحلقة الأولى من المحطات التجارية التي أسستها البندقية لنفسها في شواطئ البحر المتوسط. غير أن الدولة البيزنطية لم يكن باستطاعتها ترك البندقية تكبر وتنمو وتعمل على أساس تلك السياسة التجارية البحتة، والغي متيازاتهم التجارية التي كانوا يتمتعون بها . ومع أن البندقية قد ردت على هذا الموقف أن أغارت على الجزر البيزنطية الهامة مثل جزيرة رودس، فان حنا كومنين اضطر الى صالحة البندقية ليضمن وقوفها الى جانبه ضد النورمان الذين كانوا عدوا مشتركا لكليهما. ذلك أن الحوادث التي جمعت بين البندقية وبيزنطة ضد النورمان، قد أبرزت البندقية كدولة بحرية كبرى في البحر المتوسط. النورمان وسياستهم البندقية وبيزنطة في جانب واحد يد ولكن طرأ وقتذاك عنصر جديد وخطير على الموقف حينما اتضحت احلام الامبراطور الأول كومنين (١١٤٣ - ١١٨٠م) ومطامعه في الامبراطورية الواحدة. وكان ذلك مضادا لمصالح البندقية ، ولذلك كان طبيعيا أن تنضم البندقية الى البابوية في نضالها ضد الامبراطورية، كما انضمت الى العصبة اللومباردية وتلا ذلك سلسلة مصادرات لاملاك اللاتين الغريبين بالقسطنطينية حتى أن من تبقى منهم استغاثوا بالبندقية والملك وليم الأول ملك صقلية . وقامت البندقية للانتقام، بفضل ما كان عنه من الميل الى البندقية . كما وعد بتعويض اللاتين جميعا الذين اضيروا تعويضا ماليا كافيا . ثم جاءت الحملة الصليبية الثالثة التي قامت بهدف انقاذ كيان الوجود الصليبي المتداعي في الأراضي المقدسة بعد الضربات القوية المتلاحقة التي وجهها صلاح الدين الايوبي اليها، وطردهم من بيت المقدس فى أكتوبر من نفس العام. وأوضحت أن مصير اللاتين ومقامهم الى زوال . والامتيازات التي حصلت عليها وأخذت تتجمع في البندقية في انتظار التسهيلات لعبور مناطق معينة. وقد تمكن ذلك الابن من الهرب وطلب النجدة من أوروبا ضد عمه المغتصب.