شَخصًا حَقيقيًّا اسمُهُ إِدواردتِيتْش، وعاشَ بَينَ عامَيْ 1680 و1728. هناك الكثيرُ منَ القِصَصِ عن بلاكبِيرد، أو هل هي حَقيقيّةٌ يا تُرى؟! شَقَّتْ سَفينةُ بلاكبِيرد، طَريقَهاكَالسِّكّينِ عَبْرَ مِياهِ المُحيطِ الأَطْلَسِيِّ الزَّرْقاءِ البارِدة. وكانَ قَلْبي يَخْفِقُ من شِدَّةِ الاِنْفِعال. كُنّا نُطارِدُ السَّفينَةَ «لُؤْلُؤَةُ الحورِيَّةِ» على طولِ ساحِلِ أمريكاالشَّرقِيِّ مُنذُ صَباحِ ذلك اليَومِ، أصْدَرَ بلاكبِيرد أوامِرَهُ: ”اِرْفَعوا الجُمْجُمَة!“رَكَضْتُ نَحوَ الصّارِيَةِ، قالَ بلاكبِيرد: ”أَحْسَنْتَ يا بُلْبُل! سَنَجْعَلُكَقُرْصانًا قَريبًا!“ كانَ بلاكبِيرد مُرْعِبًا أكثرَ من كلِّ قَراصِنَةِ البِحارِالسَّبعة، ولكنَّهُ كانَ بِمَثابَةِ الأبِ بالنِّسبَةِ إلَيَّوإلى أفْرادِ طاقَمِ السَّفينَة. أَنْقَذَني بلاكبِيرد من مَلْجَأٍ لِلأَيْتامِ عِندَما كُنْتُفي السّادِسةِ. وأعمَلُكَصَبِيِّ سَفينَتِهِ المُطيع. يَتَطايَرُشَعْرُهُ، ويَتَدَلَّى مِعْطَفُهُ الحَريرِيُّ على الأرض. وبعدَ ذلك، كانَ البَحّارَةُ يَسْتَسْلِمونَ بِدونِ قِتالٍ، عِنْدَما يَرَوْنَ هذا المَشْهَدَ المُرْعِبَوهو يَتَقَدَّمُ نَحوَهُمْ. اِسْتَلَّ بلاكبِيرد سَيْفَهُ من حِزامِهِ، دَوَّتْ أَصْواتُ مَدافِعِنا، وَقَفَ بلاكبِيرد في وَسَطِ السَّفينَةِ بِلِحْيَتِهِ المُشْتَعِلَة. اِخْتَرَقَتْ قَنابِلُ المَدافِعِ جانِبَ «لُؤْلُؤَةُالحورِيَّةِ»، فَتَشَقَّقَ خَشَبُها. لأنَّهُ أَيْقَنَ أنَّ جُيوبَهُ سَتَمْتَلِئُقريبًا بِالذَّهَب. بعدَ تَبَدُّدِ الدُّخانِ، وصاحَ:”تَعالَ يا بُلْبُل! ماذا تَنْتَظِر؟“ خَفَقَ قَلْبي من فَرْطِ السَّعادة. أنا أَبْقى على سَطْحِ سَفينَتِنا، بَينَما يَقومُ بَقِيَّةُ الطّاقَمِ بِنَهْبِ السَّفينَةِ الّتي نَسْتَولي عَلَيْها. هل أَصْبَحْتُ أخيرًا قُرْصانًا حَقيقيًّا؟ سارَ بلاكبِيرد على سَطْحِ «لُؤْلُؤَةُ الحورِيَّةِ» بِخَطَواتٍ عَريضةٍ، وكانَتْ لِحْيَتُهُ مُشْتَعِلَةً وَوَجْهُهُ عابِسًا. وسُمْعَتِهِ المُخيفةِ، لَمْ يَكُنْ يَحتاجُ، أبدًا، لِإيذاءِ أحَدٍ حينَ يُهاجِمُ سَفينَة. قالَ بلاكبِيرد لِلقُبطانِ الأَسيرِ: ”أنا بلاكبِيرد، وسَنَأخُذُ ما نُريدُ، ثُمَّ سَنُطْلِقُ سَراحَكَ. لَنْ نُؤذِيَكَ أو نُؤذِيَ طاقَمَ سَفينَتِكَ. “ لاحَظْتُ أنَّ أفرادَ طاقَمِ «لُؤْلُؤَةُ الحورِيَّةِ» قَدِ اصْطَفّوا في مُؤَخِّرَةِ السَّفينَة. كُنْتُ على وَشْكِ الذَّهابِ لِأُلقِيَنَظْرةً، عِندَما فَتَحَ بلاكبِيرد أَبوابَ مَخْزَنِ السَّفينَةِ ونَاداني لِلاِنْضِمامِ إلَيْهِ. قالَ بلاكبِيرد، كانَ بلاكبِيرد يَجُرُّ صُنْدوقًا نَحوَ السُّلَّمِ حينَ ظَهَرَفَوقَنا أحَدُ أَفرادِ طاقَمِنا، ونادى:”تَعالَ يا قُبْطان، رَأَيْتُ أنَّالبَحّارَةَ الأَسْرى قَدْ تَمَّ تَقْييدُهُمْ وإبْعادُهُمْ عن مَؤَخِّرَةِ السَّفينَة. حَدَّقَ بلاكبِيرد وطاقَمُ قَراصِنَتِنا، في ذلكَ الشَّيْءِ الّذي كانَ البَحّارةُ يُحاوِلونَ إخْفاءَهُ. سَأَلَ بلاكبِيرد: ”ما هذا يا «أبو الصُّقور»؟“ أَجابَهُ «أبو الصُّقور» الأَعْوَرُ: ”لَيْسَ لَدَيَّ أيُّ فِكرةٍ، يا قُبْطان!“ فَجأةً، رَأَيْتُ ذِراعًا عِملاقَةً تَرتَفِعُ من خَلْفِ السَّفينَةِوتَضرِبُ سَطْحَها. يوجَدُ شَيْءٌ قاتِلٌ هناك!“ اِحْتَجْتُ إلى كلِّ شَجاعَتي، لِأُحَدِّقَ من فَوقِ سِياجِ السَّفينَةِ، في ذلكَ الشَّيءِ الّذي كانَ يَتَرَبَّصُ بِنا تحتَ الماء. لَقَدْ كانَ أَسيرًا في شَبَكَةِ صَيدٍ مَرْبوطَةٍ بِسَفينةِ «لُؤْلُؤَةُ الحورِّيَة». صاحَ بلاكبِيرد وهو يَهُزُّ رَأسَهُ منَ الدَّهشةِ: ”إنَّهُ وَحْشٌ!“سَحَبَ عشرةٌ من أَقْوَى قَراصِنَةِ بلاكبيِرد الشَّبَكةَ إلى جانِبِ السِّياج. أمّا أَذْرُعُهُ، فَكانَتْ كلُّ واحِدَةٍمِنها بِطولِ نِصفِ سَفينَة. شَرَحَ قُبْطانُ السَّفينَةِ الأَسير: ”وَجَدناهُ في جُزُرِ البَهاما، كُنّا في طَريقِنا إلى واشِنطُن حَيْثُ كُنّا سَنُسَلِّمُهُإلى العُلَماءِ ليُجروا البُحوثَ والدِّراساتِ حَولَهُ. “ تَقَدَّمْتُ إلى الأمامِ لِأراهُ عن قُربٍ، وقُلْتُ: ”إنَّهُ عِمْلاق!“راقَبَني الأُخْطُبوطُ بِعَيْنَيْنِ سَوْداوَيْنِ بِلَونِ الحِبْر. ولكنَّهُ تَأَخَّرَ، وانزَلَقَ نَحْوي. فيما كانَتِأَذْرُعُ الوَحشِ الهائلَةُ تَنْدَفِعُإِلى الأمام. على الفَورِ، وصَرَخَ وهو يُشْهِرُسَيْفَهُ: ”اِخْتَبِئْ وَرائي!“ وَقَفَ بلاكبِيرد بَيني وبَينَ الأُخْطُبوط. قال القُرْصانُ الشُّجاعُ وهو يُحَدِّقُ في عَينَيْ الأُخْطُبوطِ: ”اِخْتَرْتَ صَبِيَّالسَّفينَة؟ لماذا لا تُجَرِّبُني أنا؟ فأنا أكبرُ حَجمًا!“ هَجَمَ الأُخطُبوطُ بِإحْدى أَذْرُعِهِ اللَّزِجَةِ، فَقَفَزَ بلاكبِيرد جانِبًا، صارَ الأُخْطُبوطُفَوقَ بلاكبِيرد. كانَ بلاكبِيرديَلْهَثُ وهو يُحاوِلُ التَّنَفُّسَ بِصُعوبة. صِحْتُ: ”لا!“، ولكن قبلَ أنْ أَقتَرِبَ مِنْهُ، تَراجَعَ الأُخْطُبوطُ إلى سِياجِ السَّفينَةِ، وانزَلَقَ إلى الماء. وكانَ بلاكبِيرد عالِقًا بِقَبْضَتِهِ القاتِلَة. وحَدَّقْتُ في الماءِ، ولكنَّ بلاكبِيرد والأُخْطُبوطَ كانا قَدِ اختَفَيا. وَقَفْتُ أُحَدِّقُ في أَعْماقِ المُحيطِ، وهو يَهُزُّ رَأسَهُ بِحُزْنٍ: ”إنَّهُ مَيِّت“. ووافَقَهُ آخَرُفي الرَّأيِ قائِلًا: ”لَقَدْ أَكَلَهُ حَيًّا. “ هَزَزْتُ رَأسي. والأَسْوَأُ من ذلك، هو أنَّهُ كانَ خَطَئي. فَلَو بَقِيتُ بَعيدًا عنِالأُخْطُبوطِ العِمْلاقِ، لَمَحْتُ شَكْلَ بلاكبِيرد وهوَ يَتَلَوَّى في قَبْضَةِ أَذْرُعِ الأُخْطُبوطِتحتَ الأَمْواج. أَخْرَجَ بلاكبِيرد رَأسَهُ من بَينِ الأمْواجِ، وهو يَلْهَثُ، ثمّ صاحَ:”النَّجْدَة!“، نَظَرْتُ إلى زُمَلائي في السَّفينَةِ وصِحْتُ:”ساعِدوهُ!“ بَدَأَ طاقَمُنا بِإعْدادِ قارِبِ نَجاةٍ، وقَفَزْتُ في البَحر. فاجَأَتْني بُرودَةُ المِياهِ الثَّلْجِيَّةِ، سَحَبْتُ السَّيْفَبِكلِّ قُوَّتي، قالَ بلاكبِيرد وهوَ يَلهَثُ: ”أَحْسَنْتَ يا بُلْبُل، لَقَدْ بَدَأَ يَتْرُكُني!“رَفَعْتُ سَيْفي مَرَّةً أُخرى، قَطَعَ السَّيْفُذِراعَ الأُخْطُبوطِ، وتَحَرَّرَ بلاكبِيرد مِنهُ! رَأَيْتُ الأُخْطُبوطَ وهوَ يَغْرَقُ في البَحرِ، أَنْزَلَ بَقِيَّةُ القَراصِنَةِ قارِبَ النَّجاةِ، وقاموا بِسَحْبِنا إلى الأَمان. سَنَجْعَلُكَ قُرْصانًا!“ في وَقتٍ لاحِقٍ من تِلكَ اللَّيلةِ، وأَطْلَقْنا سَراحَ طاقَمِها، اسْتَدْعاني بلاكبِيرد إلى حُجْرَةِالقِيادَة. كانَتْ مُحْتَوَياتُ الكَنْزِ تُغَطّي كلَّ سَنتيمِترٍ منَ الأرض. وهو يُشيرُ بِيَدِهِ إلى الكَنْزِ: ”اِخْتَرْ ما تَشاءُ يا بُلْبُل، فأنتَ تَستَحِقُّ مُكافَأةً على إنقاذي من وَحْشِ الأَعْماق!“ نَظَرْتُ إلى أكْوامِ الذَّهَبِ، والزُّمُرُّدِ، ولكنَّني رَأَيْتُ تحتَ المائِدَةِ مِنْظارًامُقَرِّبًا ذَهَبِيًّا. اِلتَقَطْتُهُ ونَظَرْتُ من خِلالِ عَدَسَتِهِ، وكأنَّني أَبْحَثُعن مُغامَرَتِنا المُقْبِلة. قالَ بلاكبِيرد: ”أَحْسَنْتَ الاختِيار. وَضَعْتُ المِنْظارَ في حِزامي،