فال َّظالم يهبط بسرعة بعد غروب ال َّشمس في شهر سبتمبر/أيلول، واضطج َع على الخشب البالي ل ُمق َّدم القارب، واسترا َح قَ ْدَر ال ُمستطاع. ولم ي ُكن يَعرف اسم النَّجم (رجل ال َجبّار)، رآه، وسينتثر وقال بصو ٍت عا ٍل: ومن سعادتي أنَّنا لسنا ُمضطّرين إلى أن نحاو َل قتل النُّجوم. يوم أن يحاول قتل القمر، لَتََو َّجب على القمر أن يلوذ بالفرار، يوم؟»، وف َّكر: «إنَّنا ُولِدنا َمحظوظين. ث ّم شعَر باألسف لل َّسمكة العظيمة الّتي ليس لديها ما تأكله، ولم يخِّفف تصميمه على قتلها من أسفه عليها أب ًدا، هؤالء النّاس أكلها؟ ال، طبًعا، ليس ث ّمة َمن يستح ُّق أَكلها؛ نظًرا لل َّطريقة الّتي تصّرف ْت بها، ولكبريائها العظيم. أو النُّجوم، القارب، فقد أفق ُد كثيًراِ من الخيط فأفقد ال َّسمكة، القارب ُتطيل معاناتنا مًعا، سرعًة فائقًة لم تستعملها بعد، فإنَّني تفسد، يجب أن أنزع أحشاء سمكة ال ّدولفين، وأنظفها لئّال المجدافان خدعٌة بارعة، قويّة، وقد رأي ُت ال ِّش َّص في زاوية فمها، وقد أبقت فمها ُمطبًقا بإحكام، من جوع وكونها تواجه أمًرا ال تفهمه هو ك ّل شيء. استر ْح اآلن -أيُّها ال ّشيخ- وَد ْعها تعمل حتّى يحين دورك في أداء المه ّمة التّالية. فالقمر لم يبزغ بعد، ولم ت ُكن لديه وسيلٌة لتقدير الوقت، فهو مايزال يتح َّمل جّر ال َّسمكة على كتَفيه، ولكنَّه وضع يده اليسرى على حافّة ُمق َّدم القارب الُعليا، وألقى بمقاومة ال َّسمكة، أكثر فأكثر على ال َمركب نفسه. وف ّكَر: «كم سيكون األمر سهًال لو كان في اإلمكان ربط الخيط بالقارب، يتو َّجب عل َّي أن أجعل من جسدي وسادًة تخِّفف من ضغط الخيط، إلعطاء مزي ٍد من الخيط بكلتا يد ّي. وقال بصو ٍت مسموع: وليلة، واآلن مَّر نهاٌر األمور في رأس َك. بل وف ّكَر: «إ َّن األموَر واضحٌة بصورٍة واضحٌة أكثر من الّالزم، هي أخواتي، فالنُّجوم تنام، والقمر وال َّشمس ينامان، عندما ال يوجد فيه تيّار، اجع ْل نفس َك تفعل وابتك ْر طريقًة سهلًة وأكيدًة للخيوط، واآلن ُع ْد إلى القارب بتثبيت المجدافَيْن إذا كان عليك أن تنام. وقال لنفسه: «أستطي ُع االستمرار دون نوم، على ي َديْه وركبتَيْه؛ لئّال يسبِّب َجَّرًة مفاجئًة لل ّسمكة، «ربَّما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنَّني ال أريدها أن تستريح، يجب عليها أن تجَّر القارب حتّى تموت. وعندما بل َغ مؤ َّخر القارب، واست َّل س ّكينه من غمدها بيده رؤيًة واضحة فأغمد نصل س ّكينه في رأسها، تحت مؤ َّخر القارب، ث ّم طر َح س ّكينه جانبًا، وانتز َع أحشاَءها بيده اليمنى، وشعَر أ َّن كرشها ثقي ٌل ولز ٌج في يديه، فشّقه، ووجد في داخله سمكتَيْن طائرتَيْن، وألقى باألحشاء والخياشيم من فغاص ِت ُمخلِّفة وراءها أثًرا فوسفور َّي الوهج في الماء، كانت سمكُة ال ّدولفين باردًة، وسل َخ ال ّشيخ جانبًا منها، ث ّم قَلَبَها، وش َّق ك َّل جان ٍب من الرأس حتّى الّذيل. ألقى بهيكل ال َّسمكة الَعظم ّي إذا كانت ث ّمَة د ّوامٌة في الماء، ث ّم استدار، ال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَين بين شريحتَي سمكة ال ّدولفين، وفي تؤدٍة، ُمنْ َح ٍن القارب، وهو يحمل ال ّسمكات بيده اليمنى، و َظهُره وعندما عاد إلى مق َّدم القارب وضع شريحتَي ال َّسمكة على الخشب وال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَيْن بجانبهما، وبعد ذلك، ع َّد َل جانب القارب، وصار ليده لمعا ٌن فوسفور ٌّي من جّراء سلخه جلد ال َّسمكة، وراقب جريان الماء على يده، فتساق َط ْت ُجزيئا ٌت فوسفوريٌّة منها، وطف ْت على الماء فجرفها الّتيار ببطٍء إلى مؤ َّخر المركب. قال ال ّشيخ: وإّما أنّها تستريح، يج ُب بعد أن أفر َغ أحشاءها، وقال: أتعسها من سمكٍة وهي نيِّئة! سوف ال أُب ِحُر بقار ٍب مّرًة وقال في نفسه: «لو كن ُت ذكيًّا لرش ْش ُت الماء على ُمق َّدم ولكنَّني ومع ذلك، فث ّمة سوء تدبير، جيًّدا، وراحت النُّجوم الّتي يعرفها تختفي واحدًة تلو األُخرى، وبدا -اآلن- كما لو كان يتحَّرك في واٍد سحي ٍق من الغيوم، قال: - «سيكون ال َّطقس سيِّئًا بعد ثالثة أو أربعة أيّام، ولك ْن وم ّطردة أمس َك الخي َط األيمن على يده اليمنى، َّواتكأَ بك ِّل ثقله على خشب ُمق َّدم القارب، يده اليسرى عليه، وف ّكَر: «تستطيع يدي اليمنى أن تُم ِسك يدي اليسرى ستوقظني حا َل ذهاب الخيط بعي ًدا، صع ٌب على اليد اليمنى، وحتّى لو أنام عشرين دقيقة أو نصف ساعة، وواضًعا ونام. ولكنَّه بدًال من ذلك حلم بمجموعٍة وتعود إلى نائ ًما في فراشه، فشعَر ببرٍد قارس، عليها بدًال من الوسادة. وبعد ذلك راح يحلم بال ّشاطئ األصفر ال ّطويل، وبأنّه رأى أَّول األُسود ينزل إلى ال ّشاطئ في مطلع اللّيل، وأَنَّه أراح حنكه على خشب ُمق َّدم ال َّسفينة الّتي ألقت بمرساتها مع هبوب نسيم المساء من ال ّشاطئ، يترقَّب وصول مزي ٍد من األسود، كان القمر قد ارتفع في كبد ال َّسماء منذ ُم َّدة، ولكنَّه ظ َّل نائ ًما بينما كانت ال َّسمكة تواصل الجّر بانتظام، والقارب يسير أفا َق على هَّزٍة مفاجئٍة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة الخيط في يده اليمنى، ولكنّه انفل َت خار ًجا، عثَر ْت ي ُده اليسرى على الخيط، هو إلى الخلف ُملقيًا بثقله على الخيط الّذي راح اآلن يحّز ظهره ويده اليسرى، وقد أخ َذ ْت يده اليسرى تتح َّمل الِعبء وفي تلك اللَّحظة، وانطلق القارب بسرعة على الَّرغم من أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، و ُجَّر ال ّشيخ إلى األسفل بقّوة، وارتطم وجهه بشريحة ال ّدولفين، ولم يستطع أن يتحّرك. وف ّكَر: «هذا ما ُكنّا ننتظره، وعلينا اآلن أن نواجهه. لم يست ِط ْع أن يشاهد وثبات ال َّسمكة، ولكنّه كان فقط كانت سرعة انفالت الخيط تجرح يديه بش ّدة، ولهذا حاول أن يجعل الخيط يمّر عبر األجزاء ال ُّصلبة من يديه، وأّال يدعه ينزلق إلى راحة اليد، أو يجرح أصابعه. وف ّكَر ال ّشيخ: «لو كان ال َّصب ُّي ُهنا لبلّل لَّفات الخيط، لو كان ال َّصب ُّي هنا. ولكنَّه أخذ اآلن بالتَّباطؤ، وسيجع ُل ال ّشيخ ال َّسمكَة تدفع مقابًال باه ًظا لك ِّل اآلن رفع ال ّشيخ رأسه من الخشب ومن ث ّم -على َمه ٍل- قام واقًفا على قدَميْه، يُرخي الخيط، كانت التزال وفرةٌ من الخيط، وعلى ذلك الخيط الجديد بالماء. أكثر من اثنتي وف ّكَر: «نعم، اآلن بعد أن قَفز ِت ال ّسمكُة ومأل ِت الجيوب ال ُممت َّدة على طول َظهرها بالهواء، الّذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة؟ أال يكون الجوع هو الّذي بالخوف فجأة؟ ولكنَّها كانت قبل ذلك سمكًة على قدٍر من الهدوء والقَّوة، وب َد ْت بالغَة الثِّقة وبال خوف، إنَّه أمٌر غريب. وواثًقا بنفسك، فأن َت التزال تُم ِسك بها، ولكنَّك ال تستطيع أن تسترَّد الخيط، ال َّدوران. وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليُزيل ما علق بوجهه من لح ِم سمكِة ال ّدولفين، بالماء من على جانب القارب، ث ّم تركها في الماء المالح وهو يراقب أَّول خيوط ال ّضوء القادمة قُبَيل شروق ال َّشمس،