التصوير فن أم حرفة على الرغم من كل ما حققه فن التصوير الضوئي من إنجازات على صعيد اللغة التعبيرية الفنية الخالصة، بحيث أصبح مثله مثل أي لغة ابتكارية أخرى كالفن التشكيلي وغيره، مازال هناك من يرفع التساؤل القديم الجديد: هل التصوير الضوئي فن أم حرفة ؟! قد يبدو هذا التساؤل مسوغاً لو ظل هذا الفن أسير الفن التطبيقي والعدسة - الآلة أو المخبر الكيميائي، أو لو ظل في حدود إمكاناته التقنية المحدودة والضيقة، لكن بعد أن تمكن من التمدد على قسم كبير من حقول التشكيل، آخذاً منه ومعطيه في آن معا، من فتح آفاق جديدة جميلة وكثيرة، أسير محدودية الحرفة، يمكننا التأكيد أن فن التصوير الضوئي الحديث، عن موضوعات وقضايا عميقة وشاملة، تماماً كالشعر والرسم والموسيقى وغيرها من لغات التعبير. بل لقد أصبح للتصوير الضوئي مدارس ومعاهد تدرس تقنياته المختلفة، خاصة بعد استخدام معطياته وكشوفاته الجديدة من قبل فن الإعلان وفنون الكتاب، أو تلك التي تتم ولادتها كيميائياً في المختبرات. لقد بدأت تترسخ في بلداننا العربية جملة من التقاليد الجميلة والجليلة في حياتنا الثقافية، ومن بينها، ظاهرة الاهتمام بالصورة الضوئية التي ظلت إلى حين، لكنها أخذت الآن تتدرج بالصعود إلى رحاب الفن الخلاق الجميل والمبدع. هؤلاء الهواة المسكونون بهاجس البحث، والكشف والإضافة، أصبحت لهم نواد ومعارض دورية ومجلات تخصصية. خاصة أن أهميته كفن، فالصورة الضوئية المتقنة تنفيذاً، والمتفردة حدثاً وتعبيراً، إضافة إلى أن المتميز والمتكامل تقنية وتعبيراً منها، يشكل بحد ذاته، بل قد لا نكون مغالين إذا قلنا مع القائلين إن الصورة الضوئية اليوم، هي أهم لغة تعبيرية في عصرنا، وذلك لما لها من قوة تأثير مباشر، فهي تفرض نفسها على الجميع، سواء من خلال الصحف والمجلات والمعارض، أو من خلال التلفزيون والسينما وباقي وسائل الاتصال المرئية، وقد صدق من قال: إن الصورة تحمل ألف كلمة . جماليات التكنولوجيا فى التصوير الضوئى سواء من الناحية الجمالية التعبيرية، أو من الناحية التقنية، بدأ يزاحم الفن التشكيلي على جملة من القضايا والمهام الفنية والتعبيرية الدقيقة، بل هناك من يؤكد، أن دوره ازداد تألقاً وأهمية مع هذا كله، لأنه يعتمد على المصادفة والتقدم التكنولوجي في الكيمياء، وهناك من يعتبره فناً، بل وريث الرسم الذي وصل على حد تعبيرهم إلى سد مغلق واستنفد أغراضه منذ وقت طويل. أولا: التصوير الصحفي، هذه النوعية من الصور، هي التي نجدها في الصحف والمجلات وحتى في ألبوم العائلة. ثانيا: اللقطة المعدة من قبل المصور، خاصة في الاستوديو والتي يصبح فيها المصور مثل المهندس المعماري الذي يخطط بيتاً، عليه أن يدرس تكوين موضوعه مسبقاً، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في صورته. وأفضل تعريف لهذا الأسلوب ما قاله أحدهم: التصوير هو عمل الصورة، أي إعداد الصورة وليس مجرد ملاحظتها والتقاطها بسرعة. هو موجود في كل مكان، في هذا المعنى، يقول المصور الأمريكي "ريتشارد أفيدون": "المشكلة أنني لا أحب الاعتداء على خصوصيات الآخرين عندما أخرج إلى الشارع، الذي أفعله لا يسمى فناً، إنه تعبير شخصي. أذكر يوماً، كنت وبعض أصدقائي الكثيرين نقيم مسابقة لتصوير "البولورويد" أعطيت آلة تصويري إلى امرأة عمياء، كانت صورتها أكثر الصور إثارة للاهتمام. يمكن لكل إنسان الضغط على مفتاح الكاميرا. هذا هو سحر التصوير". جمود الرسم وحيوية التصوير: أن الرسم وصل إلى سد مغلق، لأن الأشياء الأساسية قد قدمت، لكن التشكيلي يملك حرية مطلقة في استخدام ريشته وألوانه، أما المصور الضوئي، فيرسم بكاميرا وضمن تقنيات قد لا تتيح له حرية الحركة التي تتيحها الألوان للفنان. وضمن هذا السياق، يرى البعض أن للصورة الفنية قيمة عالية من الصدق، فهي ترصد الحركات التلقائية، والقيم الجمالية المحيطة بنا، وأحياناً إلى تفرغ الفنان وترحاله، وهي الفرشاة التي يشكل فيها لوحاته، وهي الحبيبة التي تؤنسه وتقرأ أفكاره، يرى البعض أنه بالإمكان تزييف الصورة، سواء من حيث التقنية أو المضمون فكثير من الصور التي نشرت وأحدثت بلبلة، أنها صور مزيفة. فعلى الرغم من خطورة الصورة وقدرة تأثيرها في الناس، إلا أن مجتمعاتنا العربية عموماً، لم تدرك خطورتها، ومازالت تتعامل مع التصوير باستخفاف واضح، وأفضل دليل على ذلك، ضآلة المبالغ التي تسعر بها الصورة، علما بأن صناعة الصورة أصبحت مكلفة هذه الأيام. واهتمام الناس عندنا بالصورة لا يعادله اهتمام مماثل بالمصور صاحب ومحقق الصورة، فالمصور يستنفد قواه وأحاسيسه في الصورة، ومن حقة أن يلقى الاهتمام . التصوير الضوئى فن معاصر وأصبح بينه وبينها ترابط عضوي من العسير الاستغناء عنه أو الاستعاضة عنه ببديل. فلقد أصبح التصوير الضوئي إحدى أهم وسائل الإيضاح التعليمية في المدارس والجامعات، ودخل كعنصر أساسي في أبحاث علم الفضاء ودراسة أعماق المحيطات والجيوغرافيا. إلى غير ذلك من مجالات العلم التخصصية، استطاع هذا الفن أن يكون شاهد عصر أمينا من خلال توثيقه لحضارات مختلفة المكان والزمان، فحفظ الطرز المعمارية والزخرفية لمدن دمرتها الحروب والزلازل، وأعيد بناؤها على أساس الصورة، كما سجل إبداعات العلماء والفنانين وصورهم في مناسبات عدة. وأصبح لها روادها المهتمون بها،