ذلك لأن الشهادة في هذه الحال ليست إلا أداة تحقيق، ولذلك ينبغي أن نعلم أن القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية في التعامل مع الشهادة فيما يتعلق بسبل التحقيق تسير على نهج واحد، فإذا تكلمنا الآن عن الشهادة وشروطها وأهميتها، لا علاقة للذكورة ولا للأنوثة بقيمة الشهادة من حيث هي لا إيجاباً ولا سلباً، ثالثاً : ينبغي أن لا تكون شهادته على من بينه وبينه خصومة، فإن لم تتبين ثمة علاقة معرفية كافية بين شخص الشاهد والمسألة التي تتم الشهادة فيها، فإن الشهادة لا تقبل، أي: شهدت أن فلاناً من الناس أمسك بسكين وذبح فلاناً فإنّ شهادتها لا تقبل أو لو أنها قالت رأيت فلاناً أخرج مسدساً وشهره في وجه فلان، أما في مجال التحقيق فيجب أن تسمع ولها قيمة كبرى دون أي فرق بينها وبين شهادة الرجل. فضلاً ومن ثم فإن الشريعة الإسلامية عندما ترفض شهادة المرأة في هذا الجرم، ولم يكن يتمتع بالتماسك النفسي والقدرة على الصمود أمام مشاهد الإجرام، فإن على القضاء أن لا يقبل شهادته وإن كان رجلاً. فإن الشريعة الإسلامية ترحب بشهادتها، كالبيوع والشركات وأنواع التجارة والصفق في الأسواق والبورصات ونحوها. ولكنا جميعاً نعلم أن الرجال أوغل فيها وأكثر ممارسة لها من النساء. ومن ثم فإن الشريعة الإسلامية قبلت شهادة المرأة في قضايا المال على أن تكون شهادتها بنصف شهادة الرجل لا لأنها أنثى، ولكن لأن علاقتها بأمور المال وأنشطته أقل من علاقة الرجل بذلك. لا عندما تكون قرينة من قرائن التحقيق. ولعل فيكم من يقول : لم تعد المرأة اليوم أقل توغلاً في الأسواق التجارية ونحوها من الرجل، بل المرأة والرجل في هذا الأمر سواء. بهذه القيود التي تعوقها عن النهوض بدورها الثقافي والاجتماعي إلى جانب الرجل؟ وأقول في الجواب : إن الحجاب الذي شرعه الله عز وجل، بل هو يتفق اتفاقاً تاماً مع النهج الحضاري الإنساني السليم، كل ما في الأمر أن من شأنه أن يخفي مفاتن المرأة عن الرجال، ولا يعوقها في الوقت ذاته عن الحركة وعن النشاط الإنساني أياً كان نوعه ما دام مشروعاً ومتفقاً مع المبادئ والقيم. أو يلاحظ فيها المعنى الغريزي الذي يبحث فيه عن إشباع نهمه. حتى تقف مع الرجل على قدم المساواة في سائر الأعمال والأنشطة الثقافية والصناعية والحرفية والفكرية والحضارية كلها وعندما يغيب هذا الحجاب ضمن الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى، المرأة لها شخصيتان أما الأولى فتشترك بموجبها مع الرجل في سائر الوظائف والأعمال الإنسانية ؛ وأما الثانية فهي : الشخصية الأنثوية، التي تتميز بها عن الرجل وتستثير فيه غرائزه ونحوها والمرأة بموجب شخصيتها الأولى تشترك مع الرجل في النهوض بالواجبات الإنسانية والوظائف الدينية والحضارية التي جعل الله مسؤوليتها قسمة عادلة بينهما، وهي بموجب شخصيتها الثانية تلتقي مع الرجل على ارتشاف المتعة السارية بينهما، وقد قضى الشارع جل جلاله أن يتوفر لكل من وظائف هاتين الشخصيتين مناخه الذي يناسبه، فإذا اجتمع الرجل مع المرأة بموجب شخصيتها الإنسانية العامة التي تشترك فيها مع الرجل على بعض الوظائف الإنسانية كالدراسات العلمية والجهود الصناعية أو الحضارية المتنوعة، فينبغي أن لا يظهر من المرأة امام الرجل إلا شخصيتها الثقافية والفكرية والإنسانية العامة، التي تشكل جامعاً مشتركاً بينها وبين الرجل، إذ لو واجه الرجل من المرأة في هذه الحال مظاهر أنوثتها ، ولما رأى الرجل فيها إلا كتلة غريزة تناجي غريزته؛ إذن فلابد أن تكون مفاتنها غائبة عن الرجال عند اجتماعها معهم على الجهود العلمية والاجتماعية والأنشطة الإنسانية المختلفة، وإنما سبيل ذلك أن تنضبط المرأة بالحجاب الذي شرعه الله ودعاها إليه. أم يغيب ذلك كله عن أبصارهم ولا يرون فيها إلا أنوثة تغري وتستثير الغرائز؟ التي الجواب معلوم للجميع لا يحتمل تجاهلاً ولا جدلاً. حسبك أنك أداة رائعة لاستجابة الغرائز وحاجات الرجولة! وما أعتقد أن فيهم من استوعب كلامها قط. ولو أن هذه المرأة قامت فتكلمت وهي محجبة بالحجاب الإسلامي السليم الذي أمر الله به طبق الحدود المرسومة، إذن لاتجه الرجال إلى شخصيتها الفكرية والثقافية ولشعروا فعلاً أنها تقف في مستوى الرجال وتمارس نديَّة علمية معهم.