يُقارن هذا المقطع بين نموذجي الإدارة المحلية في بريطانيا وفرنسا. في بريطانيا، نشأ الحكم المحلي بشكل طبيعي، حيث امتلكت المدن استقلالية واسعة في إدارة شؤونها منذ القرن السابع عشر، متجسدة في انتخاب عمدتها وأعضائها في البرلمان، حتى مع وجود نظام إداري مركزي. لكن مشاكل كالبطالة وتغيير ملكية الأديرة، إضافة إلى ضعف السلطة الملكية بعد الحرب الأهلية، ساهمت في نمو الحكم المحلي بشكل أكبر، مع انتقال مسؤوليات من الحكومة المركزية إلى المجالس المحلية، بدءاً من تعديل قانون الفقراء في عهد اللورد جري. وبحلول القرن الثامن عشر، واجهت هذه المجالس تحديات نتيجة النمو السكاني، مما دفع إلى إصلاحات متعددة. تتميز الإدارة المحلية البريطانية بأقدميتها عن النظام البرلماني، وممارستها للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية (مع فقدانها للتشريعية والقضائية لاحقاً). مع تطور البرلمان، أصبحت الرقابة المركزية أكثر تدخلاً، خاصة مع الاعتماد على مساعدات مالية مركزية. أما في فرنسا، فقد هيمنت السلطات المركزية على الإدارة المحلية في القرن التاسع عشر، مع توحيد البلاد وتعزيز إيرادات الحكومة. بعد الثورة الفرنسية، قُسّمت فرنسا إلى كوميونات ومحافظات، حيث عيّنت الحكومة المركزية مسؤولي المحافظات، خدمةً لأهداف الدولة، متمثلةً في مهام كالتجنيد وجباية الضرائب. تطور النظام لاحقاً باتجاه اللامركزية، بدءاً من الثمانينيات، نتيجة عوامل سياسية واقتصادية، ومحاولات لإعادة التوازن بين المناطق. شهدت هذه الفترة إنشاء وحدات محلية جديدة، وتعاوناً بين الكوميونات، ونقل صلاحيات من الحكومة المركزية إلى مجالس محلية منتخبة، مع حفاظ "البريفكت" (الممثل الحكومي) على دور تنسيقي. إلا أن إصلاحات لاحقة، كإصلاحات 2003 و 2014، ركزت على نقل المسؤوليات والموارد المالية، دون تحقيق تحسن كبير في الكفاءة الإدارية. خلاصة القول، تتميز الإدارة المحلية الفرنسية بنشأتها السياسية واعتمادها على الوصاية الإدارية، مقارنةً بنشأة الحكم المحلي البريطاني الطبيعية ودرجة حريته العالية.