الامبراطور اسحق الثاني انجيلوس (١١٨٥ - ١١٩٥)لقد تمخضت ثورة ۱۱۸٥ عن اعلان اسحق انجيلوس امبراطورا، وبه يبدأ حكم بيت لنجيلوس في الدولة البيزنطية . وكان عهده الذي امتد من سنة ١١٨٥ الى سنة ١١٩٥ عبارة عن سلسلة متصلة من الكوارث التي حلت بالبلاد، فلم تترك فترة من الراحة والهدوء تهيئ لها جوا من الاستقرار. من ذلك استقلال أحد أبناء البيت الكومنيني بجزيرة قبرص. وقد استمرت الجزيرة على هذا الحال الى أن جاء ملك انجلترا ريتشارد قلب الاسد أحد قادة الحملة الصليبية الثالثة ، فأحتل الجزيرة سنة ١١٩١ . وبذلك انقطعت علاقتها نهائياً بالدولة البيزنطية . ومن هذا التاريخ يتصل تاريخ جزيرة قبرص بالحروب الصليبية . كذلك استطاعت الدول البلقانية التابعة للامبراطورية مثل بلغاريا وصربيا اعلان استقلالها والمحافظة عليه ، في وقت لم يكن فيه بوسع بيزنطة توجيه حملات تأديبية ضدها، على عكس الحال فى أيام الأسرة المقدونية مثلا. وإذا اضفنا الى ما تقدم الحملة الصليبية الثالثة التي قدمت من أوروبا الى الشرق بقصد الغزو والفتح، بعد أن وحد صلاح الدين الأيوبي الجبهة العربية فى كتلة واحدة متحدة ضد الصليبيين نجد أنه كان من ضمن قادة تلك الحملة الامبراطور الالماني فردريك بارباروسا العدو القديم للدولة البيزنطية . وقد أراد هذا الامبراطور أن يخترق الطريق البرى الذي اخترقه فعلا عبر آسيا الصغرى متحديا بذلك الامبراطور البيزنطي ورغما عن ارادته . وأحدثت جيوشه بالمدن الصليبية من الخراب والدمار ما لم يقع بها على يد رجال الحملات الصليبية السابقة . وقد قاوم اسحق انجيلوس قوات فردريك . ولكن ذلك زاد في العداء التقليدي الكامن في غرب أوروبا نحو الدولة البيزنطية، خاصة بعد أن تحالف اسحق مع صلاح الدين. وبلغ العداء ذروته عندما اقترح فردريك بارباروسا تحويل الحملة الصليبية التي قدمت أساسا للاستيلاء على بيت المقدس الى حرب ضد الدولة البيزنطية. واقام نفسه مكانه سنة ۱۱۹٥ ، واسمه الكسيس الثالث. ومن ذلك التاريخ فقام بخلع حتى نهاية حكم بيت انجيلوس كانت البلاد تعج بالفتن والاضطرابات. واصبح الموقف أسوأ مما كان من قبل. بل أراد أن يبعد أخاه المخلوع تماما عن العرش، فشمل عينيه ، ثم القاه في أحد السجون هو وابنه . ولكن هذا الابن الذي عرف فيها بعد باسم الكسيس الرابع استطاع أن يهرب من السجن إلى أوروبا حيث استنجد بملوكها ضد عمه المغتصب. وكانت الحملة الصليبية الثالثة قد عادت من الشرق دون أن تحقق أية نتيجة . وأخذت أوروبا تستعد الحملة الصليبية المعروفة الرابعة، وكان معظم رجالها قد ولكن البندقية وهى المدينه البحرية التجارية المعروفة باطماعها، والتى اشتهر ابناؤها بزنهم أولا بنادقة ثم بعد ذلك مسيحيون، أرادت أن تستغل الموقف للانتقام من الدولة البيزنطية لموقفها من رعاياها وتجارتها فى بيزنطة . وتم الاتفاق بين الكسيس الرابع وملوك غرب أوروبا على انقاذ بيزنطة مما حل بها على يد الكسيس الثالث . وهكذا تحولت الحملة الصليبية الرابعة التى كان هدفها الأساسى هو الاستيلاء على مصر، ثم التوجه شمالا إلى الأراضي المقدسة، تحولت عن غرضها الاصلى واتجهت صوب القسطنينية، لتحقيق اطماع قديمة راودت اللاتين منذ قيام الحركة الصليبية نفسها في أخريات القرن الحادي عشر، بل وقبل قيام الحركة الصليبية نفسها بوقت غير قصير. وانتهى الأمر فعلا بالقضاء على الامبراطورية البيزنطية قضاء رسميا حيث صارت بلادها أجزاء في أيدى أمراء الصليبيين ما عدا أجزاء معينة لجأت إليها الدولة البيزنطية في المنفى التي كانوا قد اقاموها في نيقية وطرابيزون وشبه جزيرة المورة . وهكذا حقق اللاتين أطماعهم البعيده، حيث اقاموا من سنة ١٢٠٤ الى سنة ۱۲٦١ امارة لاتينية في بيزنطة، تضاف الى مستعمراتهم التي كانوا قد أقاموها فى الشرق العربي. وقد ظلوا بها أكثر من نصف قرن،وجدير بالذكر أن بعض المؤرخين جعل سنة ۱۲۰٤ التي استولى فيها الصليبيون على القسطنطينية، نهاية الدولة البيزنطية . وحجتهم فى ذلك أن الامبراطورية البيزنطية وإن كانت قد أعيدت بعد ذلك واستمرت حتى أواسط القرن الخامس عشر، بسقوطها تحت ضربات الاتراك العثمانيين سنة ١٤٥٣ - الا أن أحداثا ومؤتمرات جديدة من الغرب الأوروبي جدت على العالم البيزنطي، وتركت آثارها الواضحة بحيث لم يعد لعاصمة قسطنطين نفسها من مجدها القديم وعظمتها العابرة الا شيحا وذكرى. وممن يأخذ بهذا الرأى المؤرخ المعروف نورمان بينز الذى ينهى كتابه عن الامبراطورية البيزنطية عندسنة ١٢٠٤ .اللاتين في القسطنطينية فضلا من الامتيازات التى منحت للإيطاليين، قصة مثيرة للحزن . اذ ظهرت بلغاريا باستقلالها ، وأخيرا في عام ۱۲۰۳ قامت في الغرب الأوروبى حملة صليبية جديدة هي المعروفة بالحملة الرابعة في عداد الحركة الصليبية. وكانت وجهتها مصر والأراضي المقدسة، ولكن اطماع البنادقة حولتها إلى القسطنطينية .وحتى تكتمل الصورة، يحسن القاء الضوء على الدور الهام الذي قامت به البندقية في العصور الوسطى. فتاريخها فى الحقبة الوسيطة من التاريخ هو في الواقع تاريخ تطور التجارة في حوض البحر المتوسط. وقد أصبح لها فى هذا البحر مع الزمن شأن عظيم، حتى غدت الشريك الأوروبى البارز فى نشاط أوروبا التجاري في العصر الوسيط. وكان الشريك الشرقى وقتها هو دولة المماليك فى مصر والشام ، التي اجتمعت في أسواقها متاجر الشرق، وأتت مختلف أنواع السلع والبضائع من أوروبا، ووفد إليها التجار من فرنسيين واسبان وايطاليين، لا سيما البنادقة الذين كانت لهم امتيازات تجارية عديدة في موانى مصر والشام افاض في الكتابة عنها المؤرخ الفرنسى وليم هايد في كتابه الكثير عن تاريخ تجارة حوض الليفانت في العصور الوسطى ، وكذلك المؤرخ شارل ديل في كتابه المنون البندقية جمهورية ارستقراطية .لقد كان للبنقية تاريخ بحرى مجيد انفردت به عن غيرها من دول الغرب الأوروبي، ذلك بحكم موقعها الجغرافى الذى يكشف عن عظمتها البحرية والتجارية. فهي تقع على رأس البحر الأدرياتي الذى كان يعتبر على الكاتبة ايلين بور أعظم طريق بحرية لتجارة العصر الوسيط . ثم هي في موقع متوسط بين الشرق والغرب، فضلا عن كونها أحد موانى البحر المتوسط. وقد كسبها كل هذا ميزات حسدتها عليها كثير من بلدان أوروبا. ففيها كان يرسو التجار الوافدون من الثغور المصرية والشامية، ومن بلاد الشرق الأقصى ومعهم الأنسجة الحريرية والتوابل والكافور والعاج واللؤلؤ والعطور وغيرها . وكانت البندقية تجنى من وراء ذلك أرباحا طائلة.كذلك كان التجار البنادقة يأتون الى اسواق مصر والشام سنويا يأخذون منها حاجتهم التي يحملونها معهم على مراكبهم الى الاسواق الأوروبية والمهم أن عملية الاستيراد والتصدير هذه جعلت من البندقية جزءاً هاما فى تاريخ دولة المماليك،