لم أزر هولندا من أوائل 1939 حين ذهبت لاحضر منها جدتي إلى أمريكا، وكان المفروض وقت أن جدتي ستمضي معنا في أمريكا ستة أشهر فحسب، حتى بدا أنها لن تعود إلى وطنها هولندا مرة أخرى. ورغم أن جدتي قد رضخت للأمر الواقع، ودأبت تمضي شطرا كبيرا من وقتها تفكر في منزلها في هولندا. عندما أوفدتني الشركة التي أعمل بها في مهمة إلى بروکسل، ناشدتني أن أنتهز الفرصة وأعرج على هولندا فأزور خالي وزوجته وأعود إليها بتقرير واف عن كل شيء، وبخاصة عن غطاء فراش من الصوف كان تعتز به كثيرا! وعندما زرت خالي وزوجته، وجلست أتحدث إليهما في غرفة الاستقبال الهولندية الطراز، خيل إلى أن كل شيء يجري على مألوف عادته، وأنه لم يطرأ أي تغيير مطلقا طول هذه الأعوام التي تلت سنة 1939، وأن البيت مازال قائما كعهدي به، وحسبي أن ألقي نظرة واحدة من خلال النافذة لأرى الفضاء المحيط به وقد أحاطته ظلال، وإن كان خالي وزوجته قد ظلا على قيد الحياة، واجتازا محنه الحرب القاسية بسلام، فقد كان يبدو على قسمات وجهيهما ما يبدي بأن الأمور لم تعد كما كان من قبل، ولكنهما لم يسمعاني شيئا من قصص الحب والحوادث والأحداني التي مت بهما وعائيا من ويلاتها، فكنت أعتقد أحيانا أنهما ينشداني النسيان، وأرجح أحيانا أخرى أنهما قد سبق وتحدثا عن الحرب بما فيه الكفاية حتى ما هذه الذكريات الأليمة، أو أن هذه السنين المريرة تحوي في طياتها ما لا يقويان على ذكره وروايته ليس شيئا مما تتخيله أو رجحته، لم تكن سهله ولا يسيرة، فليس إذا من الذوق السليم أن يتشدقا بما أبداه الهولنديون من ضروب الشجاعة والبأس وأخيرا، وذكر لهما مبلغ اهتمام جدتي به؛ لأنه من صنع يديها، وقد فك سؤالي هذا عقدة لسانيهما وراحا يحدثاني عن قصة غطاء الفراش، ولعلهما اعتقدا أثر بوسعي أن أفهمهما بسهولة وقدرهما قالت زوجة خالي: - أرجح أن جدتك أيضا ستعجب بها وتقدها حق قدرها. ومضت تروي القصة