وفي إطار بحثه عن القوانين التي تؤلف برنامجا للجمهورية، أقترح أفلاطون أن يكون عدد سكان المدينة في حدود 5040 مواطنا، فإن زاد العدد عن هذا الحد فمن الضروري تحديد النسل من قبل الأسر الكبيرة، وتنظم الهجرة وتحديد النفوس، فالواجب تشجيع الزواج بتقديم المعونات والمساعدات والمنح والهبات، وتأسيس دوائر تعمل على منح الجنسية للمهاجرين كأخر إجراء. أما أرسطو فقد كان يرى أن أفضل حجم مناسب للمدينة، هو أن تضم أكبر عدد ممكن من السكان، بحيث تستطيع توفير الحاجات الضرورية لهم، على أن لا تصبح مسألة الرقابة والضبط عسيرتين، ولذلك يجب أن يحدد عدد الأطفال باستمرار، العوامل التي تسهم في منع زيادة السكان رمي الأطفال في العراء والإجهاض 13. لدى الرومان تبلور الفكر السكاني لدى الرومان انطلاقا من تصورهم الإمبراطورية مترامية الأطراف بدلا من الدولة المدينة، لذلك فقد كانوا أكثر اهتماما بفوائده العسكرية والأغراض المرتبطة بذلك أكثر من أي شيء أخر ، ولذلك فقد اظهر الكتاب وفلاسفة الرومان اهتمام بالغ بزيادة السكان، ونظرتهم إلى الزواج باعتباره أساس الأنسال، لذا فقد كانت التشريعات الرومانية تحث على ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لقوانين أغسطس، والتي أعطت امتيازات خاصة للمتزوجين وإنجاب الأطفال وحجبتها عن العزاب، من أجل تشجيع الإقبال على الزواج وزيادة معدلات التناسل 14. في الحضارة العربية الإسلامية: أسهم علماء العرب المسلمون في إثراء هذا الحقل وذلك من خلال جهود أعلامهم وكتابات رحالتهم من شاكلة ما قدمه ابن بطوطة، من سرد ولصوف سكان المناطق التي زارها تواليا 15 ، وكذا عبد الحميد الغزالي الذي اعتبر بأن: "الإنسان هو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي"، وأنه ليس هناك مانعا من زيادة الإنجاب طالما ذلك في صالح الاقتصاد. أما أبرز هؤلاء على الإطلاق فهو العلامة عبد الرحمان بن خلدون والذي قام بجهود معتبرة في هذا السياق، كللت بصياغة اجتهاداته الخاصة في مجال تطور السكان والحضارات من ذلك قوله: ولهذا نجد الصنائع في الأمصار الصغيرة ناقصة ولا يوجد منها إلا البسيط، فإن تزايدت حضارتها ودعت أمور الترف فيها إلى استعمال الصنائع خرجت من القوة إلى الفعل"، كما أعتبر أن الزيادة السكانية عامل مساعد على رفع مستوى المعيشة، وذلك لأنها تسمح بزيادة تقسيم العمل وتنوع أكبر للمهن، وشعور بالأمن عسكريا وسياسيا وبها يتطور العلم 1. كما يذهب أيضا إلى القول بأن عهود ازدهار الدولة تعقبها فترات تدهور، وأن التغير الدوري في حجم السكان يواكب التقلبات الاقتصادية، فالرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي يؤديان إلى زيادة السكان من خلال الارتفاع المسجل في المواليد وقلة الوفيات،