سوف نتعلَّم كيف نجح محمد علي باشا في بناء مصر الحديثة، من خلال التعرُّف على الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليم، منذ انفرد محمد علي باشا بحكم مصر، أدرك تأثُّر مصر بوقائع السياسة الأوروبية والتنافس الاستعماري بين القوى الأوروبية، وأن قوة السلطان العثماني وحدها لا تكفي للدفاع عن مصر أو لإنقاذها من الاحتلال الأوروبي، لذلك عمل على بناء دولة قوية وفقًا للنظم الحديثة التي قامت عليها النهضة الأوروبية فشملت تحديثاته كافة نواحي الحياة حتى أضحت مصر في عهده محرِّكًا أساسيًّا للأحداث السياسية في شمال أفريقيا وغرب آسيا. والآن سنتعرَّف على مظاهر بناء مصر الحديثة في عهد محمد علي باشا. أولًا: الأحوال الاقتصادية سبق أن تعرفنا على الأحوال الاقتصادية في مصر بعد خروج الحملة الفرنسية، وكيف ساءت خلال الفترة من عام ١٨٠١م وحتى عام ١٨١١م. وعندما انفرد محمد علي باشا بالحكم تمامًا كان أول الأعمال التي قام بها في المجال الاقتصادي هي إلْغاء نظام الالتزام الذي وضعته الدولة العثمانية، تعريف: سياسة الاحتكار هي أن تقوم الحكومة ممثَّلة فى محمد علي باشا بالإشراف على الاقتصاد جملة وتفصيلًا من خلال تحديد نوع الغلَّات التى تُزرَع، ونوع المصنوعات التى تُنتَج، وتحديد أثمان شرائها من المُنتِجين وأثمان بيعها فى الأسواق. والآن سنتعرَّف كيف طبَّق محمد علي باشا سياسة الاحتكار في كل مجال من مجالات الاقتصاد بشكل مفصَّل. الزراعة: قام محمد علي باشا خلال ستة أعوام من ١٨٠٨ إلى ١٨١٤م بسلسلة من الإجراءات التي أدَّت إلى تغيير نظام الملكية والحيازة الزراعية، وكان أولها كما ذكرنا إلغاء نظام الالتزام ومصادرة أراضي الملتزمين وتسجيلها باسم الدولة، كما عمل على توفير أكبر قدر ممكن من الدخل القومي لمصر من الزراعة، ولتحقيق ذلك اتَّبع الأساليب الآتية: مثل ترعة المحمودية، وإنشاء القناطر الخيرية؛ لضمان توفير المياه طوال العام، فتحوَّلت الأراضي من ريِّ الحياض إلى الرَّيِّ الدائم؛ حيث كانت الزراعة في مصر تقوم على الطريقة التقليدية التي تُستخدَم فيها الآلات والمعدَّات البدائية وتعتمد على طريقة ريِّ الحياض. وتبعًا لهذه الطريقة من الري تزداد مساحة الأراضي الزراعية وتنقص حسب نسبة فيضان النيل، فإذا كان الفيضان عاليًا غمرت المياه الأراضي وكثرت الزراعة، وإذا كان منخفضًا قلَّت المحاصيل الزراعية وحدث الغلاء. ومن ثم كانت تُزرع الأراضي بالمحاصيل الشتوية فقط،