اللغة والكلام واللسان عند دي سوسير يرى دي سوسير أن هناك كياناً عاماً يضم النشاط اللغوي الإنساني ، وبعبارة أخرى كل ما يمكن أن يدخل في نطاق النشاط اللغوي من رمز صوتي أو كتابي أو إشارة أو اصطلاح ، فخص هذا الاصطلاح بكلمة اللغة . ثم انه ينظر إلى اللغة المعينة بطريقتين: فإما أن تكون في صورة منظمة ذات قواعد وقوانين ، وذات وجود اجتماعي فيطلق عليها اللسان ، وهي اللغة المعينة التي تتخذ موضوعاً للدراسة مثل العربية أو الانجليزية . وأمّا أن تكون في صورة ممارسة فردية منطوقة على أي مستوى أو بعبارة أخرى النشاط العضلي الصوتي الذي يقوم به الفرد الواحد ويطلق عليها بالكلام . أمّا اللسان فهو النموذج الاجتماعي الذي استقرت عليه اللغة أو هو السلوك السوي لأغلبية عظمى من أبناء الأمة الواحدة ، وذلك لان الفرد حينما يتكلم فانه ولا شك ينحرف قليلاً عن لسانه القومي. ونجد إن لسان امة من الأمم يشتمل على عدة لغات ، واللغة في حد ذاتها تتألف من كلام كل فرد ، فاللسان العربي مثلاً يتضمن عدة لغات وان كانت هذه لا تختلف إلا من حيث الجزئيات . إن الكلام واللغة كل منهم سابق للسان من حيث النشأة ، فاللسان يتأثر بالكلام واللغة ويؤثر فيهما ، يتأثر بهما لأنه نتاج كل ما يصدر عن الأفراد من أقوال لأنه يتلقى رصيده من الأفراد والجماعات ويؤثر فيهما لان المتكلم يحاول دائماً أن يتقن أساليب التعبير ويقلّد البلغاء إلى أن تصبح لغته ملكة راسخة وأداة مطواعاً لفكره . وصفوة القول إن " الكلام عمل واللغة حدود هذا العمل ، والكلام سلوك واللغة معايير هذا السلوك ، والكلام نشاط واللغة قواعد هذا النشاط ، والكلام حركة واللغة مظاهر هذه الحركة ، والكلام يحسن بالسمع نطقاً والبصر كتابة ، واللغة تفهم بالتأمل في الكلام. *فالكلام :هو المنطوق وهو المكتوب ، واللغة :هي الموصوفة في كتب القواعد والمعاجم ونحوها ، والكلام قد يكون عملاً فردياً ولكن اللغة لا تكون إلا اجتماعية ". * كما يرى سوسير إن الكلام لا يمكن دراسته دراسة علمية لأنه فردي ، والفردي يقوم على عنصر الاختيار ، وعنصر الاختيار لا يمكن التنبؤ به ، وما لا يمكن التنبؤ به لا يمكن دراسته دراسة علمية , واللغة كذلك لا تدرس بشكل علمي لأنها لا تمثل واقعة اجتماعية خالصة حيث إنها تخص الفرد وتخص الجماعة ، وإن كان الثاني أسعد حظاً من صاحبه في الشهرة واتساع دائرة الأتباع والمريدين لا في الحقل اللغوي وحده، وذلك لأنه كان أسبق زمناً وريادة في الابتكار والتجديد في الفكر اللغوي ، ولما اتسمت به أفكاره من عمق ومذاق جديد غير معهود آنذاك. وقد أفاد بلومفيلد من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين: الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة ، والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها ، وهما نظرتان أو فكرتان متلازمتان في المنهج البنيوي في عمومه ، فاستطاع أن يكوّن مدرسة أو منهجاً لغوياً واضحاً ومستقلاً هي منهج السلوكية أو مدرسة "بيل" ، وهو اسم الجامعة التي كان يعمل بها أستاذاً. والبنيوية عند "بلومفيد" وأتباعه بنيوية من نوع خاص ، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجاً عاماً لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلاعلم اللغة بين التراث والمعاصرة بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما ، فلقد التزم بلومفيلد بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته، ولعل اتصاله بعالم النفس السلوكي واطسن صاحب المنهج السلوكي الذي فضل استحداث المنهج السلوكي بوصفه ثورة على المنهج الذهني كان له أكبر الأثر في توجيه نظريته اللغوية على وفق تعاليم ومبادئ المذهب السلوكي ، وهو مذهب يرى أن اختلاف الناس يرجع إلى اختلاف البيئة التي يعيشون فيها وأن سلوكهم رهن هذه البيئة. أو يشعر بشعور فيتولد عن ذلك استجابة كلامية ، والإنسان في هذا يشبه الآلة أو الحيوان . ولعل أهم ما تميزت به مدرسة بلومفيلد اللغوية، أو التأمل الذهني. أمّا المحتوى فخارج عن هذا النطاق. ومعنى ذلك أن اللغة عند بلومفيلد هي سلوك، وأنها لا تفهم إلا في ضوء ما يعرف بالمثيرات والاستجابات التي تحدث في البيئة التي تحيط بأي كائن حي، وتنطبق على سلوك كل فرد حي بدءاً بالاميبا وانتهاء بالإنسان. * الحدث الكلامي . * أحداث عملية لاحقة للحدث الكلامي. ولا شك في أن عمل اللغوي يقتصر من هذه السلسلة من العمليات على الحدث الكلامي الذي هو محصلة لظواهر فسلجية وفيزيائية ولذا لا يرى اللغوي بُداً من الاستعانة على عمله بجملة علوم كالتشريح وعلم الفيزياء. أو البحث في الدلالة، والحقيقة أن بلومفيلد لم يرفض دراسة المعنى، ولكنه كان يرى انه قد يعوق الوصول إلى القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي، وكان يرى أيضاً إن دراسة المعنى تحتاج إلى ألوان من المعرفة لا تزال الإنسانية غير متوفرة عليه. فالذي ميز مدرسة بلومفيلد إذن، أنها تدعو إلى المذهب الشكلي الآلي في دراسة اللغة، وتستعيض من التعريفات العقلية والملاحظات التأملية، ومعرفة طبيعة سلوكها، وما تؤديه من وظائف في الكلام . اللغة والكلام نوام تشومسكي يعد تشومسكي مؤسس المدرسة التوليدية التحويلية والتي كانت رد فعل للمدرسة السلوكية التي ترفض الجانب العقلي التأملي في دراسة اللغة وتقتصر على دراسة الشكل، وتحليل عناصر الكلام. لقد مزجت مدرسة تشومسكي أصولاً ومبادئ لغوية بأصول ومبادئ غير لغوية، منها الفلسفية والنفسية والفسلجية والاجتماعية والرياضية، ولذا يمكن القول إنّ هذه النظرية ثمرة اطلاع واسع وعميق على الفكر الإنساني اللغوي. لقد انطلق تشومسكي في نظريته من مقولة تقرر إن للغة صلة وطيدة بتركيب العقل الإنساني، وان ثمة خصائص لغوية عامة تجمع بين كل اللغات، بغض النظر عن الأصل العرقي أو الطبقة الاجتماعية أو الفروق الشخصية. أمثال ديكارت وهمبولدت، وان الحدث اللغوي ما هو إلا استجابة لمثير، ومن ثم اقتصر في دراسة اللغة على التحليل الشكلي، التي تجعله قادراً على إنتاج عدد غير محدود من الجمل التي لم تطرق سمعه، وانه يتميز بالقدرة الإبداعية، التي تجعل لغته غير محدودة وأما نظم الاتصال عند الكائنات الأخرى، إنّ أهم ما يميز تشومسكي إذن، هو انه لغوي عقلي يرى إن للعقل أثراً في إنتاج الكلام وفهمه . وقد قسّم تشومسكي الكلام الإنساني على جانبين : *الأول : ما ينطق به الإنسان فعلاً وقد سماه البنية السطحية للكلام . *الثاني : هو ما يجري في أعماق الإنسان ساعة التكلم فيدفعه إلى تفضيل هذه الصيغة أو ذلك التركيب وسماه البنية العميقة للكلام ، ومعنى ذلك أن اللغة التي ننطق بها فعلاً إنما تكون تحتها عمليات عقلية عميقة ، ودراسة بنية السطح تقدم التفسير الصوتي للغة ، أمّا دراسة بنية العمق فتقدم التفسير الدلالي لها . ونستطيع أن نحدد منهج تشومسكي الالسني بالآتي : 1-إن لغة الإنسان لغة متميزة عن سائر التنظيمات الاتصالية الحيوانية والآلية . 2- إن لغة الإنسان لغة تجددية إبداعية وليست تقليداً ولا تكراراً لما سبق ولا هي نتاج مؤثر واستجابة كما هو مذهب السلوكيين بل تتصف بالإبداع والتوليد غير المتناهي 3- الاستعمال اللغوي يرتبط بظروف المتكلم وينسجم مع هذه الظروف وهذا الانسجام هو مظهر مميز للغة الإنسانية عن سائر أنظمة التعبير والاتصال وهذا الأمر يتنافى مع سيطرة المثيرات الخارجية التي تقول بها المدرسة السلوكية . 4-التمييز بين الكفاية اللغوية والأداء الكلامي ، والمعروف أن الكفاية اللغوية هي القدرة على إنتاج الجمل وتفهمها ، وتعني الارتباط الوثيق بقواعد اللغة والربط بين الأصوات اللغوية والمعاني وملاءمة هذا الربط لقواعد اللغة دون الخروج عنها . والأداء هو كيفية الاستعمال الآني للغة ضمن سياق معين ، اللغة والكلام واللسان يسبرسن تصدّى العالم الدانماركي لآراء سوسير فلم يرتض قوله إن الكلام من نتاج الأفراد ، بل ذهب إلى أن الكلام واللسان " هما في حقيقة الأمر جانبان لشيء واحد وكلام الفرد ليس شيئاً منفصلاً عن لغة الجماعة ، انه مثل أو صورة لها , ومفردات اللسان المعين هي جميع ما ينطق به كل أفراده من ألفاظ مهما اختلفت درجة شيوعها ، والأمر كذلك بالنسبة للتراكيب ومخارج الحروف ". فالعلاقة بين " اللسان والكلام – كما يرى يسبرسن شبيهة بعلاقة النوع بالفرد ، وبالرغم من ذلك نستطيع أن نتصور معنى عاماً مشتركاً بين جميع ( الخراف ) نطلق عليها كلمة ( خروف ) والخروف بالمعنى المطلق ليس له وجود في عالم الواقع وإنما هو أمر ذهني ، وكذلك اللسان بالنسبة للكلام , فالموجود فعلاً هو النشاط الإنساني الذي يقوم به فرد أو أفراد " وقد جاء يسبرسن بثلاثة تقسيمات فيه ثلاثة مصطلحات وهي : 1-الحدث اللغوي وهو نطق فرد معين بعبارة معينة مرة واحدة ، ولو أن الفرد نفسه كرر العبارة نفسها ، فان هذا يشكل حدثاً لغوياً جديداً ، لأنه لا يمكن أن تتشابه المواقف أو الدوافع للأحداث اللغوية في جميع تفصيلاتها . 2- لغة الفرد وهي القيم اللغوية الموجودة لدى فرد من الأفراد . 3- لغة الجماعة وهي مجموعة القيم اللغوية لدى أفراد الجماعة اللغوية الواحدة . ويفهم من ذلك " إن الواقع اللغوي يكون أحداثاً لغوية ، أمّا العلاقات والقواعد والأمور التجريدية فهي لغة وقد تكون اللغة فردية حين تكون هذه القواعد والعلاقات والتجريدات خاصة بفرد من الأفراد ، وقد تكون اللغة جماعية حين تكون هذه الأمورعامة تشمل الجماعة كلها " . وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة . ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيدة عن أفكار سوسير ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها سوسير بين اللغة والكلام . أي إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال ، تتم بها عملية الاتصال في محيطه، ويقابل هذه النماذج الثابتة، يتمثل في الحدث الكلامي المنطوق، ولا شك في أن تشومسكي قد أفاد من فكرة سابير هذه، فالثقافة عند سابير تعني التصورات والمفاهيم والعادات، التي تتألف منها نظرة ذلك الشعب إلى الحياة والى العالم الذي يحيط به، الذي يتكلم بها، بل هي إحدى مكونات تلك الثقافة. إلى تطور الدراسات الانثروبولوجية، ما وضع من تصور جديد (للفونيم)، فهو يرى إن (الفونيم) ذو جانبين:احدهما نفسي يتمثل بالصورة النموذجية التي يحملها الإنسان لكل صوت من أصوات لغته، وإنه ليبدأ طبيعياً للإنسان كما يبدو المشي – وهو اقل في طبيعته من التنفس فحسب و مع ذلك فلا نحتاج إلا إلى لحظة من التأمل لنقتنع بأن الإحساس بالمظهر الطبيعي في الكلام ليس إلاّ إحساساً خادعاً , فعملية اكتساب الكلام تختلف عن تعلم المشي , والحقيقة أن الإنسان الطبيعي مقدر له أن يمشي لا لأن الكبار سيساعد منه على أن يتعلم المشي ولكن لأن أعضاءه قد أعدت لذلك . وباعتبار معنى خاص يمكن القول بأن الإنسان مقدر له كذلك أن يتكلم ، ولكن من ناحية المجتمع الذي سيقوده في طريق التقاليد العامة , فإذا نفينا المجتمع من الصورة فسوف يتعلم الإنسان المشي ، إن عاش ولكنه سوف لا يتعلم الكلام أبداً , فإذا أخذت المولود من مجتمعه إلى مجتمع آخر فسوف يتعلم المشي ، كما كان سيتعلم في مجتمعه الأول ، ولكنه سيتكلم لغة المجتمع الثاني الذي نشأ فيه , فالكلام نشاط إنساني يختلف إلى غير حد بحسب انتقالنا من مجتمع إلى مجتمع لأنه وراثة تاريخية للجماعة ، ونتيجة من نتائج الاستعمال الجماعي المستمر في العصور الطويلة , وهو يختلف كما تختلف كل المجهودات الخالقة ، ولكن على أي حال بنفس الدرجة من الحقيقة ، اللغة والكلام عند العالم اللغوي هلمسليف هو مؤسس مدرسة كوبنهاجن ( 1899 – 1965) اهتم باللغة لا بالكلام ، ونظر إليها على أنها بنية أو هيكل أو نظام ، وهي نظام مغلق منعزل عن العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والأدبية، والتاريخية. وأنّ الوظيفة الأساسية للغويّ عنده هي أن يضع نظاماً تجريدياً لفهم اللغة ، وإنما يتم له ذلك بالنظر إلى اللغة على أنها عملية رمزية تدخل في إطار علم الرموز. فكل عضو أو عنصر في الجملة له قيمة في تشكيل المعنى العام للجملة . والفرق بينة وبين سوسير معني أولاً و أخيراً باللغة المعينة ، فهذا هلمسليف يحاول دراسة اللغة بالمعنى العام دون النظر إلى خصائص اللغة المعنية ؛ وعلى الدارسين والباحثين البحث عن هذه النقاط . اللغة والكلام عند العالم اللغوي شارل بالي يرى شارل بالي وهو احد تلاميذ دي سوسير أن أستاذه قد بالغ في إعطاء اللغة كل هذه الصبغة الذهنية بجعلها نتيجة الحكمة الجمعية , ويضغط على فكرة اللغة العاطفية وفي رأيه أن هناك صراعاً دائماً بين كلام الأفراد وبين النظام اللغوي الذي لا يمكن أن يرضي الجميع , ولكن الكلام من ناحية أخرى يقف في خدمة الحياة العملية ؛ فأما ما يعبر الكلام عنه فهو الإحساس والرغبة والعمل ، وإنتاج الكلام عاطفي ذاتي في الغالب , وفي هذه الحرب الحضارية بين الكلام واللغة ينجح الكلام دائماً في إدخال بعض جنوده في القلعة المحاصرة ؛ هذه الجنود هي الكلمات أو الصيغ المتحدثة بالعاطفة . اللغة والكلام عند العالم فندريس ذهب فندريس إلى أن اعم تعريف للغة هو أنها نظام من العلامات ويقصد بالعلامات هذه الرموز التي تستخدم في خلق اتصال بين شخص وآخر ، فهناك لغة للشم ولغة للمس وأخرى للسمع وأخيرة للبصر ، ولكن أهم لغة هي لغة السمع التي ربما تساعدها أحياناً لغة بصرية هي الإشارات باليد والوجه ، واغلب اللغات البصرية المستعملة الآن مشتقة من اللغة السمعية ، وهذا يصدق على الكتابة ، ونظم الإشارة المختلفة , ولا تصبح اللغة حقيقة اجتماعية إلاّ إذا كان العقل الإنساني نامياً ليستخدمها , وهذا ما يفرق بين لغة الإنسان ولغة الحيوان . والعلم الذي يدرس الكلام في اللغة ( علم الأصوات ) يمكن أن يدرس ثلاث جهات من نشاطه ، ثم انتقاله بين المتكلم والسامع ، ثم سماعه . والإنتاج والسماع متساويان من ناحية الأهمية للغة ، ولا بد أن يقصد بالكلمة أن تكون مسموعة ، وبواسطة الأذن يحصل كل متكلم على عاداته النطقية ، ولكن من الناحية النظرية لا نستطيع أن نعطي السماع مكاناً هاماً في الدراسات اللغوية , ومن ثم أصبح علم الأصوات مقصوراً زمناً طويلاً على إنتاج الكلام . ولا يضيف فندريس كثيراً إلى نظرية الكلام ،