قَوْلُ الصَّحَابِيِّ] مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: يَقْدَحُ فِيهِ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: إذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالتَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الْخُلَفَاءِ أَوْلَى. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ الِاحْتِجَاجُ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ. نَعَمْ، هُنَا مَسْأَلَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) : بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ التَّقْلِيدِ، وَالْقَاضِي إنَّمَا حَكَى الِاتِّفَاقَ فِي الْأُولَى، قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ تَقْلِيدَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بَعْضًا، وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَلَامُ الشَّيْخِ فِي اللُّمَعِ " يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا أَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّحَابَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ حُجَّةٌ أَمْ لَا. بَلْ يَرْجِعُ إلَى الدَّلِيلِ. انْتَهَى. ثُمَّ هَذَا الِاتِّفَاقُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِهِمْ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا فَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ حُجِّيَّةَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ تَزُولُ إذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ اتِّبَاعُ قَوْلِ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، ويُومِئُ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ. إنَّمَا هُوَ خَطَأٌ أَوْ صَوَابٌ. وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ. وَعَلَيْهِ أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ شَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ. وَاحْتَجَّ بِأَثَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، لَمَّا ذَكَرَ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ فِيهِ عِلْمٌ أَوْ اُسْتُنْبِطَ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَجْمَلُ وَأَوْلَى بِنَا مِنْ آرَائِنَا عِنْدَنَا لِأَنْفُسِنَا. فَهَكَذَا نَقُولُ: إذَا اجْتَمَعُوا أَخَذْنَا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَإِنْ قَالَ وَاحِدُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا أَخَذْنَا بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَمْ نَخْرُجُ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ كُلِّهِمْ. مِنْ قَبْلُ أَنَّهُمْ أَهْلُ عِلْمٍ وَحِكَايَةٍ. نَظَرْنَا إلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنْ تَكَافَئُوا نَظَرْنَا إلَى أَحْسَنِ أَقَاوِيلِهِمْ مَخْرَجًا عِنْدَنَا. وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ فَلْنَذْكُرْهُ بِلَفْظِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ الرَّسُولِ أَوْ وَاحِدِهِمْ، وَكَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَحَبَّ إلَيْنَا إذَا صِرْنَا إلَى التَّقْلِيدِ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَنَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ، وَقَدْ يَأْخُذُ بِفُتْيَاهُ وَقَدْيَدَعُهَا، وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ الْخَاصَّةَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: الْإِجْمَاعُ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فِيهِمْ. وَالرَّابِعَةُ: اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ عَنْ الْأَصَمِّ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ. وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، فَيَكُونُ لَهُ قَوْلَانِ فِي الْجَدِيدِ، وَأَحَدُهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَفَلَ عَنْ نَقْلِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ اشْتِهَارُ قَوْلِهِمْ وَرُجُوعُ النَّاسِ إلَيْهِمْ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ " فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ (مِنْهَا) قَالَ فِي كِتَابِ الْحُكْمِ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مَا نَصُّهُ: وَكُلُّ مِنْ يَحْبِسُ نَفْسَهُ بِالتَّرَهُّبِ تَرَكْنَا قَتْلَهُ، اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا اتِّبَاعًا لَا قِيَاسًا، وَإِنَّمَا كَانَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا تَقْلِيدًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الثَّالِثُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ قِيَاسٌ، فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ مَعَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ. أَوْ كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ. هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ ": حَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرَى فِي الْجَدِيدِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ إذَا عَضَّدَهُ الْقِيَاسُ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: قَالَ فِي الْجَدِيدِ: إنَّهُ حُجَّةٌ إذَا اعْتَضَدَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ يَقْوَى بِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ. وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيّ فَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: أَقُولُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا كَانَ مَعَهُ قِيَاسٌ. قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ قَالَ: وَفِي مَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثُمَّ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى أَعَادَ الْوُسْطَى وَلَمْ يُعِدْ الْأُولَى، انْتَهَى. . نَعَمْ، الْمُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ نَفْسَهُ حُجَّةٌ، فَلَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِاعْتِبَارِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِيهِ، وَلِهَذَا حَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْقِيَاسِ، أَوْ فِي قَوْلِهِ، بَعْدَ أَنْ قَطَعَ أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا وَافَقَ الْقِيَاسَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا عَلِمَهُ، فَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ فَمُمْتَنِعَةٌ. وَهَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَنْ يُوجِبَ قِيَاسًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْحَيَوَانَ مَخْصُوصٌ بِمَا سِوَاهُ مِنْ حَيْثُ يُغْتَذَى بِالصِّحَّةِ وَالسُّقُمِ وَيُخْفِي عُيُوبَهُ،