تبدأ قصة بلقيس ملكة سبأ باستعراض عسكري قام به سيدنا سليمان لجنوده، وتفقد الطير فلم يجد الهدهد فهدد بتعذيبه وقتله إن لم يكن لديه حجة وسبب وجيه لغيابه: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (21) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (23) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}. الناس يستنكرون قيادة المرأة لأعمال عظيمة إلى يومنا هذا، ولكنّ “بلقيس” قادت بكل قوة وحكمة ملكًا عظيمًا، مثبتة كفاءة المرأة في القيادة ، كما إنَّ أعطاها الله كلّ أسباب القوة والعظمة من: جيوش، يتابع الهدهد حديثه عما شاهده في مملكة بلقيس: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (25)أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (26) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، بيّن الهدهد بحكمة مظاهر قدرة الله تعالى من خلال ما وهبه له من قدرة على معرفة أماكن المياه المخبّأة، وأشار إلى عظمة عرش الله فلا عرش فوق عرشه. هنا تجلت عدالة نبي الله سليمان وتدبيره فقال: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، فلم يحكم عليه حتى يتثبت من المسألة، ثم أوكل إليه متابعة الأمر بمهمة: {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}. رسالة نبي الله سليمان إلى بلقيس وصل الهدهد إلى بلقيس وألقى إليها رسالة من نبي الله سليمان عليه السلام، فقرأته عليهم: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (31) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}، وظهرت حكمة بلقيس بلجوئها إلى الشورى، رغم أنها كانت قادرة على التفرد بالرأي: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (33) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}. حكمة بلقيس في الرد على الرسالة ظهرت حكمة بلقيس من جديد: كانت بحاجة لمعلومات أكثر عن سليمان عليه السلام؛ حتى تتخذ القرار المناسب دون أن تتسبب بمواجهة وصدام، فأرسلت له هدية: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (35) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}. وصل رسل بلقيس إلى نبي الله سليمان، ودُهشوا بما سخّره الله له من ملك وعظمة، وجاءهم الرد الحاسم من سليمان عليه السلام الذي فهم مرادهم: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (37) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وأخبرته أنها ستأتي على رأس وفد من كبار مملكتها معلنين الاستسلام والخضوع لحكمه، أراد نبي الله سليمان عليه السلام: أن يختبر ما وصله عن حكمتها ورجاحة عقلها. فطلب من أعيان مجلس حكمه أن يأتوه بعرش بلقيس العظيم قبل أن تصل إليه، ولكن أحد رجالات العلم جاءه بالعرش بعد أن نظر لآخر الأفق ورجع ببصره، فرآه عنده فشكر الله وحمده: قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (39) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (40) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}. وكان المتوقع أن تقول: (نعم أولا)، هاتان الكلمتان شملت جميع الخيارات والاحتمالات الممكنة: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}. بعد ذلك أراد سليمان عليه السلام أن يريها عظمة قدرة الله تعالى، فأخذها إلى “الصرح”: وهو قصر أرضه من زجاج تجري من تحته المياه، ثم تجلّت لها الحقيقة فلم تملك إلا أن أسلمت لله رب العالمين،