وعندما وصل شعيب إلى حالة اليأس منهم، لجأ إلى الوعيد بالأسلوب الرائع، والذي يصدر من شعيب عليه السلام الذي يوصف بأنه (خطيب الأنبياء)، فكأنه يقول لهم ما دمتم مصرين على الكفر والفساد بعد كل ذلك، ولا أقول لكم من الذي سيحل به العذاب والخزي المهين، ولكن هذا التغليف اللفظي الذي صاغ به شعيب كلامه لا يقلل من أثر الوعيد، لأن هذا الأسلوب يبدو واضحاً أنه نابع من الثقة الكاملة لدى المتحدث فيما يقول. ومن الملحوظات أن شعيباً عليه السلام لم يتخل عند استمالة قومه ، بمثل قوله ( ياقوم ) إلى آخر المحاورة، فيناديهم من أجله بقوله ( ياقوم ) وحتى أنه في آخر ما وجهه إليهم من كلام الوعيد، وقد تمثل ذلك كله في قوله: ﴿قَالَ يَنقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . وَيَقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) مراعاة لمشاعر الخصم في المحاورة رغبة في الوصول إلى كسبه، ووجهة شعيب في المحاورة أنه ومن معه مؤمنون بالله، وعاملون بما أمروا به، وجزاء المخالف العقاب الأليم فيهما، ومن حق شعيب في المحاورة أن يطبق هذا على نفسه كأنه يقول لخصمه، وخاصة في ختام المحاورة جزاء المؤمن الصالح رضا الله وثوابه، وجزاء الكافر المفسد مثلكم غضب الله وعذابه، ولكنه زيادة في إشعار خصمه بالإنصاف كأنه يقول لهم: لا أقول لكم من منا سیحل به عذاب الله، فانتظروا معي وسترون عما قريب بمن يحل العذاب، ومع أن مراد شعيب في غاية الوضوح، وهذا الاعتراف الضمني يقتضي أنه على الحق، ولا غرابة فيه، وحتى لا يترك خيطاً واحداً من خيوط الأمل في الأخذ بيدهم إلى طريق الله. العبرة وإنما ليتخذ منها السامعون في كل زمان ومكان عبرة وموعظة يستفيدون بها في واقعهم، وذلك لأن كل ما ساقه القرآن من أخبار الماضين، وإنما يورد الأمور ذات المضمون العام الذي يعني الناس، ومن الواضح أن كل ما ساقه القرآن الكريم من أخبار الماضين يتعلق من قريب أو بعيد بأحد أمرين، إما العقيدة، وإما السلوك، فإنه يدعو إلى العقيدة الصحيحة، وإلى السلوك القويم معا، يدعو إليهما مباشرة أحياناً، ففي محاورة نوح مع قومه، يدعو القرآن إلى العقيدة الصحيحة، على لسان نوح عليه السلام، متخذاً من قصة شعيب مع قومه عبرة أيضاً يدعو السامعين ضمناً إلى الاتعاظ بها. وأخبار الماضيين عامة يعقبها توضيح العبرة من ذكرها، ولذلك نجد العقاب واضحا عقب كل خبر من أخبار المعادين السابقين. ولكن المحاورات تزيد هذا الوعيد وضوحاً وإبرازاً، وبالتالي تأثيرا في السامعين، حيث إنها في أغلب الأحيان تسبق الوعيد بمرحلة هي الإنذار بهذا الوعيد، كما قال نوح لقومه بعد المحاورة: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ، ولم يطل ترقبهم،