تمكن الأمير عبد القادر في المرحلة الأولى من مقاومته من مواجهة الجيش الفرنسي وإجباره على التمسك والاكتفاء بالبقاء في مدن: مستعانم، وقد عمد الأمير إلى فرض حصار اقتصادي على هذه المدن الثلاثة. وفي هذا الصدد يذكر بعض المؤرخين أن نظام الحصار الذي ضربه عبد القادر كان تأشير مهلك على القوات الفرنسية «حتى أصبحوا كالطيور الكاسرة يبحثون ويقعون على طعامهم في المناطق الداخلية.وفي أواخر شهر أكتوبر 1833 قام رجل من قبيلة «البرجية» باختراق الحصار، وقصد أرزيو لتموين قوات الاحتلال، وعندما أتم صفقة البيع مع العدو طلب من الفرنسيين توفير حماية له للعودة إلى قبيلته، فكان له ذلك حيث أرسلوا معه ضابط وأربعة جنود، وفي طريقهم اتقض عليهم 100 فارس جزائري، فقتلوا جنديا وأسروا الباقين في معسكر.على إثر هذه الحادثة كتب الجنرال ديمشال إلى الأمير يطلب منه إطلاق سراح الجنود الأسرى، ويقول ديمشال في رسالته «هؤلاء الجنود الأسرى سقطوا في كمين بينما كانوا يحمون عربيا.» فكان رد الأمير «ذلك ليس حجة في نظري، وإن كل العرب الذين يشيدون بك هم ليسوا مؤمنين حقيقيين وجهلاء بواجبهم.ونظراً لشدة وطأة الحصار الاقتصادي المفروض على الفرنسيين في كل من وهران ومستغانم وأرزيو راسل الجنرال ديمشال الأمير لكن هذه المرة ليعرض عليه صراحة إجراء مقابلة معه وعقد معاهدة سلم تحقن دماء «شعبين فرضت عليهما العناية الإلاهية أن يتعايشا في ظل حكم واحد.توقيع المعاهدة في 26 فيفري 1834:اضطر الجنرال الفرنسي ديمشيل إلى ابرام معاهدة هدنة مع الأمير عبد القادر بتاريخ 26 فيفري 1834، الذي اعتبرها هذا الأخير فرصة لتوطيد مركزه وتوسيع نفوذه خارج اقليمه، وكذا حيازة اعتراف العدو به وبدولته . وأهم ما نصت هذه المعاهدة من بنود نوجزها فيمايلي:وقف القتال بين الطرفين. أرزيو ومستغانم.تعيين وكلاء من الأمير عبد القادر بوهران ومستغانم وأرزيو، كي لا تقع خصومة بين الفرنسيين والعرب،فرنسي في معسكر .اعطاء الحرية كاملة للتجارة.تلتزم العرب بإرجاع كل من يفر إليهم من العسكر الفرنسي ويلتزم الفرنسيون بتسبيم كل من يفر إليهم من أهل الجرائم الهاربين من القصاص إلى وكلاء الأمير في المدن الثلاث.كل أوروبي سيعطى له إذا رغب في السفر داخل البلاد جواز سفر موقعًا عليه من ممثلي الأمير ومصادقًا عليه من القائد العام، وبذلك يحصل على الحماية في جميع الأقاليم.اعتبر الجنرال ديمشال توقيع هذه المعاهدة انتصارًا دبلوماسيًا، حيث قال «إنني أعلن لكم استسلام إقليم وهران الذي يعتبر أكبر جزء في ولاية الجزائر وأكثرها محاربة، الفضل في هذا الحادث الكبير يعود إلى الميزات التي امتازت بها القوات التي أقودها. ولم يدفع أي جزية، ولم توضع أي حدود على منطقته. وفضلا عن ذلك كانت عند الأمير وثيقة سرية وقع عليها ديميشال تقضي باعطاء الأمير الحرية الكاملة لشراء الأسلحة من غير الرجوع إلى فرنسا وكذا احتكاره للتجارة، بمعنى أن ممثلي الأمير هم الوحيدون المسموح لهم بشراء وبيع القمح والشعير وباقي الإنتاج الفلاحي، وهم كذلك الذين يحددون الأسعار في الأسواق . وبناء على ذلك أصدر الأمير عبد القادر أوامره بمنع العرب من بيع منتوجهم الفلاحي مهما كان نوعه إلى المسيحيين سواءً كانوا من أهل البلاد أو أجانب.وعلى صعيد آخر استغل الأمير هذه الهدنة ليلتف إلى أحوال البلاد، وإقامة القلاع، كما قام على صنع السلاح وإنتاج الذخيرة الحربية،