وطبيعي أن مجتمعاً كهذا لا تدور بخلده فكرة الديمقراطية؛ ذلك أن نزعته الاقتصادية تتطلب أن تكون له حكومة ملكية مطلقة تسندها الثروة التجارية أو الامتيازات الإقطاعية، ويحميها توزيع حكيم للعنف القانوني. ومن حل محلهم بالتدريج من التجار الأثرياء، هم الذين أعانوا الدولة على الاحتفاظ بنظامها الاجتماعي، كما كانوا هم الواسطة بين الشعب ومليكه. وكان الملك يورث عرشه لمن يختاره من أبنائه بلا تفريق بينهم، ومن ثم كان كل واحد من هؤلاء الأبناء يعد نفسه ولياً للعهد ويجمع حوله عصبة تناصر، وكثيراً ما كان يشن الحرب على إخوته إذا لم تحقق آماله. وكان يدير دولاب الحكومة في نطاق هذه القواعد التعسفية عدد من كبار الموظفين الإداريين في العاصمة وفى الأقاليم، وكان إلى جانبهم جمعيات إقليمية أو بلدية مؤلفة من أعيان البلاد أو شيوخها يسدون النصيحة إلى هؤلاء الحكام، ويقفونهم عند حدودهم إذا تجاوزوها. ديانة بابل وآشور وفي منتصف الألفية الثالثة، وعليها، ومن هذه الآلة: الإله العلي آنو: إله السماء، أحيط به في تاريخ السومريين وحضارتهم بعض الغموض، تذكر ملحمة الخلق البابلية أن نسبه يرجع إلى أَبْسُو، الإله إنليل: إله الرّيح في السومريّة، والأرض في البابلية، وهو الإله الثاني في ثالوث المؤلهات البابلية العظمى بعد آنو، أي بيت الجبل، وهو إله المياه، ومن ألقابه "بل نيميقي"؛ أي رب الحكمة فهو المعلم الذي علّم البشرية الصنائع المختلفة، وكشف لهم أسرار الكتابة والزراعة والعمارة والماء. سوى دين واحد، هو (عبادة قوى الطبيعة) مضافاً إليها (تكريم الموتى). إن شهرة حكماء الكلدانيين اجتذبت إلى بابل فلاسفة الأغريق والحجاج المتعطشين إلى معرفة الحق من ضفاف نهر( الجانج ) المقدس في الهند. فكان دينهم هو مصدر كل ديانات أهل آسيا القديمة، فلم تكن فينوس الزهرة التي ظهرت في أساطير الأغريق فوق أمواج بحر (إيجة) إلا (أسترته) (Astarte) أو عَشتروت سوى إيستار الكلدانية. و (أوانس)( Oannes) الإله السمكي يطابق نبتون و (أنا)( Ana) زوج اللات (Allat) وملك الجحيم هو(بلوتون) ( pluton) و هيا(Hea) المخلَّص هو ذاته المثال الذي احتذاه الإغريق لهرقلهم الجبار، وعلى النقيض من ذلك الميت الذي يُعتنى بتنيطه ودفنه، وتزيده بما كانت تميل إليه نفسه في حياته، ولم تكن للبابليين سبلا في تحنيط كالذي أتقنه الفراعنة، لكنهم عنوا عناية خاصة أيضا بحفظ أجسادهم،