وإذ انتقلت الرأسمالية إلى المرحلة الصناعية ثم الإمبريالية ، أخذ عدد الصهيونيين المسيحيين الأوروبيين الذين يدعون إلى عودة اليهود إلى فلسطين في التزايد. وقد جسد هذه الفكرة نابليون بونابرت حين غزا مصر (1798) واستولى على الطريق إلى الهند ونادى بأن يعود اليهود إلى وطنهم القديم». وحينما كانت الرأسمالية الغربية تدخل مرحلتها الإمبريالية في أواخر القرن التاسع عشر وتسعى إلى اقتسام أسواق آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، بدأت أفواج المهاجرين اليهود تنزح من شرقي أوروبا إلى غربيها تحت تأثير الاضطهاد وهو ما أدى إلى تعزيز فكرة تهجير اليهود إلى أرض الميعاد كحل للمسألة اليهودية . وقد تبنت الإمبريالية الأوروبية ، ومنها أثرياء اليهود هذا الحل لتوافقه مع مصالحها. ولولا تبني الإمبريالية للحل الصهيوني لما حقق نجاحاً . وكان الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل قد اكتشف منذ البداية أن المشروع الصهيوني لن يتحقق إلا بوساطة قوة إمبريالية عظمى فقضي معظم حياته متنقلاً من بلد استعماري إلى آخر. وقد تلاقت الرؤية الصهيونية والمصالح الإمبريالية في إطار المشروع الصهيوني ، فالإمبريالية هي السبيل للوصول إلى فلسطين، وإقامة كيان يهودي استعماري استيطاني في منطقة الشرق الأوسط، رهين بوجود الإستعمار نفسه فيها أولاً ، وبحماية الإستعمار للمشروع الصهيوني ثانياً، سواء في طور التأسيس أو في ما بعده. وعلى هذا فالكيان الصهيوني المنشود سينشأ وليداً للإستعمار ومنفصلاً عنه في الوقت نفسه ، ليتولى الدفاع عن مصالح الإستعمار على أن تتولى الإمبريالية توفير العوامل لإقامة الكيان وحمايته ومده بأسباب البقاء والقدرة على أداء دوره . أن الحركة الصهيونية نشأت في أوج المد الإمبريالي الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وارتبطت منذ ذلك الحين، بالإمبريالية العالمية، ووقفتا معاً على أرض مشتركة، وقامت بينهما مصالح مشتركة أوجبت التعاون بينهما. ولما كانت الصهيونية بحاجة إلى الرعاية والدعم، فقد تولت الإمبريالية الغربية بقيادة بريطانيا، ومشاركة فرنسا والقوى الإمبريالية الغربية الأخرى، ولم تألُ جهداً في دعم الحركة الصهيونية ومساندة أهدافها". وقد قامت بريطانيا بهذه المهمة في بادىء الأمر، فهي دولة استعمارية عظمى، وضعت يدها على فلسطين باسم الانتداب عقب الحرب العالمية الأولى. و لبريطانيا مصلحة في أن تزرع في المنطقة العربية جسماً غريباً عنها لتفرض بوساطته التجزئة على الوطن العربي، وتخلق مشكلات معقدة تعطل وحدة الأمة العربية، ومن ثم تستمر المصالح الإمبريالية الحيوية آمنة في هذه المنطقة الهامة من العالم. وهذا ما أوصت به لجنة ألفها مجلس الوزراء البريطاني في العام 1905 عرفت باسم «لجنة كامبل بنرمن ودعت في تقريرها إلى الفصل ما بين جزأي الوطن العربي في افريقيا وآسيا وحاجز بشري قوي وغريب يكون قوة صديقة للإستعمار وعدوة لسكان المنطقة. وقد تجسدت هذه التوصية فيما بعد في وعد بلفور الذي جاء حلقة هامة في سلسلة الدعم البريطاني للصهيونية وأهدافها ، ثم تابعت بريطانيا دورها الإستعماري والصهيوني في مرحلة انتدابها على فلسطين، فيسرت هجرة الغزاة اليهود إليها، وسنت القوانين والتشريعات والأنظمة الإدارية التي توفر الشروط والظروف لإقامة دولة إسرائيل». وقبل أن يأفل نجم بريطانيا كقوة عظمى إتكأت الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت راعية لإسرائيل و مصدر قوتها و تسليحها و دعمها الاقتصادي و المالي و حامية اعتداءاتها و احتلالاتها و توسعاتها و امتداداتها الدولية .