فإن كان الأول : لم يجز أن يستدل على التحريم بأحاديث الوعيد، فإن العلم بهذا الشرط متعذر. قيل له : إنما اشترطت إجماع العلماء، فإن محذور شمول اللعنة لهذا، فإنه إذا زل زل بزلته عالم. ثواباً لم يشاركه فيه ذلك الجاهل، ما هو نص في صورة الخلاف، مثل «لعنة المحلل له فإن من العلماء من يقول : إن هذا لا يأثم بحال، حتى يقال: لعن لاعتقاده وجوب الوفاء بالتحليل. وإن بطل الشرط، فإنها تحل للثاني - جرد الثاني عن الإثم. والكفر لا اختصاص له بإنكار هذا الحكم الجزئي دون غيره، والخلاف يستلزم دخول بعض من لا يستحق اللعن فيه. ليس عليه أن يستثني من تخلف الوعد أو الوعيد في حقه المعارض، فيكون الكلام جارياً على منهاج الصواب. أما إذا جعلنا اللعن» على فعل المجمع على تحريمه، كان سبب اللعن غير مذكور في الحديث مع أن ذلك العموم لابد فيه من التخصيص أيضاً. وقد قدمنا فيما مضى، حتى إنا نقول: إن محلل الحرام أعظم إثماً من فاعله. ومع هذا فالمعذور معذور. وكلاهما خارج عن العقوبة. قلنا : الجواب من وجوه : ليجتنبه من يتبين له التحريم. وإن كان قد يعذر من يفعلها مجتهداً أو مقلداً، ولكان ترك أدلة المسائل المشتبهة خيراً من بيانها. لم يكن معذوراً. ولم يصده عنه اتباع الهوى، وعن غيره، منهم: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. وقال: حديث حسن وعن الشهادة، فيكون أولئك المجتهدون الذين رأوا دخول محل الخلاف في الحديث، وعلى تقدير بقائه - علم أنه ليس بمحذور، وذلك أن الدخول تحت الوعيد مشروط بعدم العذر في الفعل. سواء اعتقد بقاء الحديث على ظاهره، إلا إلى وجه واحد. - وهو أن يقول السائل: أنا أسلم أن من العلماء المجتهدين من يعتقد دخول مورد الخلاف في نصوص الوعيد، فيلعن - مثلاً من فعل ذلك الفعل، لكن هو مخطىء في هذا الاعتقاد خطأ يعذر فيه و يؤجر، فلا يدخل في وعيد من لعن بغير حق، تعرض للوعيد المذكور على اللعن. أخرج محل الخلاف من الوعيد الثاني، وأعتقد أن أحاديث الوعيد في كلا الطرفين، لم تشمل محل الخلاف، لا في جواز الفعل، ولا في جواز لعنة فاعله، وأنا أعتقد خطأه في ذلك، والثالث: القول بالتحريم الخالي من هذا الوعيد الشديد. وأنا قد أختار هذا القول الثالث، ووعيد اللاعن، فيقال للسائل : إن جوزت أن تكون لعنة هذا الفاعل من مسائل الاجتهاد، والمقتضي لإرادته قائم، أو سوغت الاختلاف فيه، وذلك الاعتقاد الذي ذكرته، والوعيد، لم يبق في اللعن المختلف فيه دليل على تحريمه، وما نحن فيه من اللعن المختلف فيه كما تقدم، وهي الأحاديث اللاعنة لمن فعل هذا، فيجب العمل بالدليل المقتضي الجواز لعنه السالم عن المعارض، وإنما جاء هذا الدور الآخر، لأن عامة النصوص المحرمة للعن متضمنة للوعيد. لم يجز الاستدلال بها على لعن مختلف فيه، كما تقدم. قيل له : الإجماع منعقد على تحريم لعن معين من أهل الفضل. وارتفعت الموانع، إنما هو دليل واحد. أن نبين أن المحذور الذي ظنوه، هو لازم على التقديرين، فلا يكون محذوراً، فيكون دليل واحد قد دل على إرادة محل الخلاف من المنصوص، وإن كان المطلوبان متلازمين. وإنما خالف بعضهم في العمل بآحادها في الوعيد خاصة. بل إذا كان في الحديث وعيد، كان ذلك أبلغ في اقتضاء التحريم، واعتقاد الوعيد، فإذا قلنا بموجب قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) . وقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، لأنه يقال : الصديق الصالح، ففعل هذه الأمور ممن يحسب أنها مباحة - باجتهاد، أو تقليد، وهذا الترك يجر إلى الضلال، وحرموا ذلك خير وأحسن تأويلا). ونتبع ما أنزل إلينا من ربنا جميعه، والله يوفقنا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل في خير وعافية لنا ولجميع المسلمين.