لا شكّ أنّ الكتاب الذي أصدره "توماس سامويل كون" ( Samuel Thomas سنة 1962 بعنوان "بنية الثورات العلمية" ( scientific of structure The 1 Kuhn( قد أحدث ثورة في مختلف العلوم واĐالات. في هذا الصدد، يقول الباحث الانجليزي في علم الاجتماع "إيان كريب" ( Ian Craib(: » إنّ من المفارقات أنّ أحد أهم الكتب المؤثر ة في علم الاجتماع منذ ثلاثين سنة الماضية، بل في تاريخ العلوم الطبيعية، أقصد كتاب توماس كون " بنية 3 الثورات العلمية"». يقدّم "كون" نظرة مختلفة لتاريخ تطور العلوم، ويتيح لنا إعادة التفكير في كيفية تراكم المعرفة العلمية. واستخدم في شرح أفكاره مجموعة من المصطلحات أبرزها البراديغم أو الأنموذج الإرشادي، هذا المصطلح يعد بمثابة الكلمة المفتاحية لفهم أفكار "كون"، بحثي. خصوصا في مجال علوم الإعلام والاتصال. إنّ الإشكاليات والقضايا والمواضيع الكثيرة التي يتيحها البحث في مجال علوم الإعلام والاتصال، والتحديات التي يفرضها. المنهجية التي ينبغي أن Ĕتم đا بمقدار اهتمامنا بموضوع الدراسة نفسه. حيث أنّ الباحث الذي يسعى لتحقيق أهداف محدّدة من خلال دراسة موضوع معين، من هذا المنطلق سنحاول أن نبينّ أهمية البراديغم باعتباره مرشدا وموجّ ها وتعني "مثالا" أو "نموذجا" (Pattern، "المثال" أو "النموذج. " والبراديغم يعني "المثال" أو "النمط"، نوع، جميع الأشكال المستخرجة من كلمة واحدة، (على سبيل المثال، اشتقاق اسم أو تصريف فعل). اللسانيات البنيوية، اختيار ومنهجية البحت في الميادين العلمية على وجه الخصوص، 5 أصبح براديغم العلم الناجح». العرب، بين من يستخدم مصطلحات الأنموذج، النموذج، النموذج – الموجه، واختلاف التأويل. 2-1 اصطلاحا: إنّ البراديغم أو النموذج العلمي الموجه، هو تلك الانجازات العلمية، والتي تُقبل في زمن معينّ ، وتشكّل أساسا قويّ ا لطرح المشكلات العلمية ولطرائق حلّها. وهو كذلك مجموعة القيم التي نموذجا علميا موجها واحدا، وغير مكتملة وبذلك فهو تقليد علمي خاص ومنسجم. يقول "كون": «لا يظهر الاكتشاف، إلا عندما تُصاغ التجربة 7 والنظرية المؤقتة معا صياغة تجعلهما متفقتين». إنّ الأشخاص الذين يقوم بحثهم على براديغمات مشتركة، يكونون ملتزمين بقواعد ومعايير الممارسة العلمية نفسها. وذلك الالتزام وما ينجم عنه من هما الشرطان الضروريان للعلم العادي، أي لنشوء واستمرار تقليد خاص من تقاليد بمعنى أنّ الانتقال من نظرية علمية إلى أخرى، يتم بالضرورة عند اكتشاف معطيات يقوم على فعالية منطقية ومتعالية غير خاضعة للمؤثرات السوسيولوجية والثقافية والمؤسسية. في حين ينطلق "كون" من تصور مخالف، تضع الشروط التي تشتغل فيها الجماعة العلمية، والقيود التي تنظم عمليات الاستدلال والبرهنة، من حيث أدوات التجريب، وإجراءات القياس، وطريقة استعمال الآلات، إلخ. 10 تراكمي كبير، الذي هو توسيع مدى المعرفة العلمية ودقّتها. فهو من هذه النواحي ينسجم انسجاما دقيقا مع الصورة العادية للعمل العلمي. ولا على مستوى النظرية، غير أنّ البحث العلمي طالما رفع الغطاء عن ظواهر جديدة وغير متوقعة. 11 فعالة لإحداث تغيير في البراديغم. والأدوات المرتبطة بنظرية علمية والمسترشدة đا، والتي بواسطتها يمارس الباحثون عملهم، ويعرض "كون" أربعة خصائص للبراديغم: 13 وكلما كثر عددها، كان العلم أكثر قوة. يتضمّ ن نماذج ميتافيزيقية واعتقادات (Beliefs (معينة، من قبيل تماسك النظرية العلمية، انسجامها مع الواقع. والقيم تشمل أيضا المواقف المشتركة للعلماء تجاه أزمات العلم، وتجاه النظريات اĐدّدة. - يتضمن نماذج (Exemples (في شكل معارف ضمنية، تُكتسب عن طريق ممارسة العلم. في الأخير، F Alan( Chalmers، وهو يعرض الخطوط الكبرى لإبستمولوجية "كون"، حين لاحظ أنّ مفهوم البراديغم يتفلّت أثناء محاولة تعريفه: « إنّنا لن نفهمه إلاّ من خلال وظيفته كموجّ ه يوجه الباحثين، يشتغلون في إطار "العلم السائد"». هو ما يقرّ بنا من تحليل "كون" القائل بأنّ النشاط العلمي لا يمكن أن يتطوّ ر إلاّ داخل براديغم معتمد من طرف أعضاء مجموعة علمية، وهم -2 السياق التاريخي لظهور البراديغم: لفهم السياق التاريخي لظهور فكرة البراديغم في البحث العلمي، التي أسّ ست لمفهوم البراديغم وأهميته في البحث العلمي، والتي تختلف في طريقة الملاحظة، والتحليل، والابستمولوجيا في أبسط تعريفاēا هي دراسة العلم من المنظور الفلسفي، وأهميتها بالنسبة للعلم. تقدّم المدارس الابستمولوجية الأساسية منظورات مختلفة حول الموضوع العلمي، فكل منها تزكي طريقتها في ملاحظة وتحليل وتفسير الواقع. وفيما يلي عرض مختصر لهذه المدارس وخصائصها: تؤمن بفكرة أنّ المعرفة تُكتسب عن طريق الممارسة، معطيات إمبريقية قابلة للملاحظة عن طريق الحواس الإنسانية. تتبنىّ أسلوب الاستدلال الاستقرائي. 2-2 المدرسة الوضعية: أبرز روادها "أوغست كونت" (Comte Auguste) (-1857 1798)، تقوم على التفكير الاستنباطي. وهي مدرسة تطبيق الملاحظة المنهجية المنتظمة، إنّ ملاحظة الظواهر تجعل استخراج القوانين التي تحكم العالم، أمرا ممكنا. 3-2 المدرسة التطورية: أبرز روادها "تشارلز داروين" (Darwin Charles) (-1882 فسّ ر التطوّ ر البيولوجي عن طريق ما أسماه بالانتخاب الطبيعي، وبناء على أسس تُقسّ م اĐتمعات إلى متخلّفة، وأخرى متقدّمة. تقوم المدرسة التطوّ رية على استنباط المعرفة من المقارنة بين مراحل تطور مختلف الحضارات، وبذلك يمكن الوضعية، وتزويد المشتغلين بالعلوم بمسلّمات ونظريات. في حين أنّ المدرسة الثوري ة مقاربة حديثة للابستمولوجيا، بل على تعطي هذه المقاربة التاريخية نظرة جديدة حول تطور المعرفة العلمية عبر القرون. من الأفكار الأساسية في فلسفة "كون"، وفي تصوره الابستمولوجي لتاريخ العلم. فتاريخ العلم عند "كون" ينطلق من مرحلة ما قبل نضج العلم، حيث تتميّز بتضارب الآراء، واختلافها، وتتجلّى في مدارس أو اتجاهات تعبرّ كل واحدة منها عن 15 وجهة نظر تخصّ ها. تمرّ العلوم خلال مراحل تطورها بفترات أزمات، هذه الأزمات تولّد "ثورات هذه الثورات تؤدي إلى ما يسميه "كون": البراديغمات، والبراديغم هو نظرة سوية ومشروعة للعالم. يحدّد هذا المفهوم 16 المشترك ترتيب الاهتم فمثلا قبل أن تكون الفيزياء الأرسطية نموذجا موجّ ها لكل الأبحاث الفيزيائية، أساسا في العصر الوسيط، كانت هناك آراء مختلفة وأسطور ية ينتجها سابقوه حول هذه الظواهر الفيزيائية. لكن حينما يتشكل البراديغم يصبح " العلم – المطابق"، أي العلم العادي، يشتغل وفقه وعلى أساسه. ويتجلّى ذلك من خلال مختلف عمليات تكوين العالم. أو من خلال الكتب المدرسية المتخصّصة. فتبنيّ هذه الجماعة العلمية لبراديغم، عن طريق ما نسميه بـ "العلم المطابق"، يواجه بصعوبات ومشاكل، يحاول هؤلاء حلها وتجاوزها بتوسيع البراديغم، ودمجها في وحدة متكاملة، وإذا لم يتم التغلّب على تلك الصعوبات، تنشأ أزمة. وحينما تنمو وتتطوّ ر، تجد حلّها في براديغم جديد، وهذا التحوّ ل والانتقال من براديغم إلى آخر 17 جديد، هو ما يسمّ ى بالثورة. 18 والنموذج التالي يوضح هذه الفكرة: ماقبل علم- ناضج براديغم علم مطابق أزمة تمثّل أعمال "كوبرنيكس" (Copernics (، " نيوتن" (Newton (، و"أينشتاين" كل واحدة من هذه الثورات، تستلزم إلغاء نظرية علمية كانت سائدة ومكرّ سة في وقتها، واستبدالها بنظرية أخرى معارضة لها. ويؤدّي هذا ومن هذه المشكلات الجديدة، تنبع مقاييس، أو ما يمكن اعتباره حلا إنّ النظرية الجديدة التي تنبثق عن هذا التغيير الثوري، لم تكن أبدا مجرّ د نمو طبيعي لما كان معروفا، إنمّا تتطلّب من أجل استيعاđا إعادة بناء النظرية السابقة، بل ربما تركها كلية، وإعادة تقييم ولا يتمّ ذلك بين يوم وليلة. نفهم لماذا يجد المؤرّخون صعوبة في تحديد تواريخ دقيقة لهذه العملية الطويلة، لأنّ طريقتهم لإدراك التطور العلمي، 20 عن طريق "التراكم"، تفرض عليهم اعتبار هذه الثورات حوادث معزولة. -3الأهمية المنهجية لاستخدام البراديغم في البحوث العلمية: يرى "كون" أنّ البراديغمات تكتسب مرتبتها لأĔّا أكثر نجاحا من منافساēا في حل مشكلات قليلة انتهت مجموعة من المشتغلين إلى الإقرار بكوĔا حادّة. 21 من سواه، ليس معنى ذلك أن يحقّق نجاحا بارزا في حل عدد أكبر من المشكلات. بتركيز الانتباه على مجال من المشكلات الخاصّ ة نسبيا، وللعلم العادي آلية في بنيته تخفف قساوة الحدود التي تحصر البحث، وذلك عندما يتوقف البراديغم الذي استمدّت منه عن العمل بكفاءة، حينئذ يبدأ العلماء بالسلوك على نحو مختلف، كما تتغيرّ طبيعة مشكلات بحثهم. في الوقت نفسه، تكون المهنة قد حلّت مشكلات قلّما خطرت في بال العاملين فيها، على الأقل، أثبت 22 قدرته على البقاء. إنّ البراديغم يقدّم الأسئلة والحلول في نفس الوقت، مظلّ ته التي تقتضي جعل النظرية والتجربة في توافق محدّد سلفا، فالعالمِ لا يدرك العالمَ إلا من خلال البرادبغم. لهذا يعمل هذا الأخير على إقصاء كل الوقائع التي لا تنسجم من ثمّة يتخلّى عنها الباحث. ولا يهتم إلاّ بما يسمح به البراديغم. يكون البراديغم المطوّ ر من أجل مجموعة من الظواهر غامضا في تطبيقه على ظواهر قريبة جدا. بمعنى أنّه تأويل للعالم. هذا التأويل يضع شروطا محدّدة لتأويله هو أيضا. هذه الشروط هي حدود البراديغم الذي يفترض التأويل، تأويل المعطيات، بالرغم من المشاكل التي قد تُطرح بخصوص الاختلافات بين العلماء في درجة تطبيقهم للقيم المشتركة كمحدّد أساسي للبراديغم، حيث كتب "كون": « يمكن أن تخدم الفروق 23 الفردية في تطبيق القيم المشتركة وظائف أساسية بالنسبة للعلم». ينشئ البراديغم قياسا أو تسوية جديدة في علم ما، ذلك بأن يضيف إليه العناصر المعترف đا في البحث العلمي. وتتمثل هذه العناصر أساسا في: قانون، نظرية، وهي تتهيكل إنّ البراديغم إنجاز 24 مشكلة نماذج يحُ تذى đا لتتولّد عنها تقاليد خاصة ومنسجمة من البحث العلمي. قادر على أن يكون دليلا لأبحاث اĐموعة برمّ تها. وفـق "ميلفـين ديفلـر" (Defleur Melvin (و"سـاندرا بـول روكيـتش" Sandra( Rokeach-Ball، فـإنّ الافتراضــات الــتي تشــكّل الــبراديغم، تعــد بالفعــل مــن الأمــور المســلّم đــا، بمعـنى أنّ الافتراضـات تتـيح نقطـة انطـلاق لاسـتخلاص تفسـيرات نظريـة لجوانـب أكثـر دقـة مـن الظـاهرة الاجتماعيــة والنفســية. هــذه المســلمات في حــد ذاēــا ليســت عرضــة للاختبــار والتمحــيص، فلــيس مــن الممكـن جمـع المعطيـات والمـادة التجريبيـة الـتي يمكـن الاسـتناد إليهـا في قبـول أو رفـض الافتراضـات المسـلم đـا. لـيس بمعـنى أن ي ُ نظـر إليهـا كحقـائق خالـدة، ولكـن فقــط كافتراضــات. بمعـنى آخــر، يختارهـا المـرء لاعتبـار شـيء مـا صـحيحا وحقيقيـا، đـدف دعـم حجتـه، وتقويـة رأيـه، أو đـدف رؤيـة مـا ستقود إليه من الناحية المنطقية. والتسليم بصحة علاقة معينة، أو ظرف ما هو مثل أن نقول افـترض أنـه 25 صحيح أن العلاقة أو الظروف تصف الحقيقة بدقة. في حين يرى "رولان أومنيس" (Omnis Roland (مؤلف كتاب "فلسفة الكوانتم" 26 البراديغم بأنّه: «إنجاز علمي مميّز، أصبح أنموذجا جديرا بالمحاكاة من جانب باحثين آخرين». -4 نماذج من البراديغمات السائدة في علوم الإعلام والاتصال: ارتبطت نشأة وتطور بحوث ودراسات الإعلام في العشرينات من القرن الماضي بالنموذجين الوضعي والسلوكي (paradigm behaviourist and positivist (، فقد استمدّ التخصّص ركّزت بحوث الإعلام - وما تزال -على تأثير وسائل الإعلام في الجمهور، اعتمادا على ما ي ُعرف بدراسات الجمهور، وأهملت إلى حدّ كبير دراسة مضمون وشكل الرسالة الإعلامية، التي ي ُفترض أĔّا تحدث التأثير المطلوب أو المرغوب من وجهة نظر المرسِ ل أو القائم بالاتصال، سواء كان شخصا أو 27 مؤسسة إعلامية. رغـم حداثـة تخصـص الإعـلام والاتصـال، إلا أنّـه مجـال حيـوي أنـتج البـاحثون فيـه الكثـير مـن الدراسات الإعلامية المتميّزة، تـدريجيا بـدأت تظهـر محـاولات لبلـورة نظريـات في هـذا اĐـال لتـأطير مختلـف الأبحـاث والدراســات. وحســب "عبـد الــرحمن عــزي"، فالمقصـود بنظريــات الإعــلام والاتصـال هــي تلــك النظريـات الـتي تتنـاول علاقـة وسـائل الإعـلام بظـاهرة مـا (الإعـلام)، أو علاقـة أفـراد اĐتمـع مـع بعضـهم 28 البعض (الاتصال). إنّ أهـم البراديغمـات المتاحـة لعلمـاء الاتصـال تشـمل فئـة مسـتمدة أصـلا مـن علـم الاجتمـاع، وعلـمالـنفس، وعلـم الـنفس الاجتمـاعي، هنـاك فئـات عديـدة مـن المسـلّمات التي تشكّلت فيما يتعلق بطبيعة اĐتمع والطبيعة الإنسانية. بالنسبة لعلم الاجتماع، نجـد أنّ الافتراضـات الثلاثـة الـتي أعطـت أهميـة قصـوى لدراسـة العلاقـات بـين وسـائل الإعـلام واĐتمـع وعمليـة الإعـلام، - العمليات التي يحافظ đا اĐتمع على الاستقرار الاجتماعي. - العمليات التي يتغير đا اĐتمع بمرور الزمن. - طبيعة ومغزى الصراع الاجتماعي. والتي يتم من خلالها مشاركة المعاني.