## الفصل الثاني: أزمة الديمقراطية **في قلب الأزمة:** يشير مفهوم الأزمة إلى نقطة تحول في سلسلة من الأحداث المتتابعة تسبب توترًا شديدًا، وتُفضي إلى نتائج غير مرغوبة غالبًا. من الناحية السياسية، تُشير الأزمة إلى حالة أو مشكلة تُهدد النظام السياسي وتستدعي مواجهة التحديات التي تُمثلها (إدارية، سياسية، نظامية، اجتماعية اقتصادية، ثقافية). تُنظر إلى الأزمة كتهديد لسعادة ورفاهية النظام ووجوده، لأنها تُمثل مأزق فكري أو سياسي تُشارك فيه الأمة. تاريخيًا، تُعطي الأزمة انطباعًا عن وجود معضلة أو جدل حول موضوع أو ظاهرة قد تكون سياسية أو اجتماعية أو ثقافية. لا شك أن مسألة الديمقراطية في الوطن العربي تُمثل عقبة، ومأزقًا، وإشكالية تُزعزع سلامة وأمن واستقرار الأمة العربية. **الديمقراطية كإشكالية:** يُشير وجود الديمقراطية كإشكالية في الفكر العربي المعاصر، ونقاشها كمشكلة قصوى، إلى وجود إسهامين حول تعزيز الفكرة كمشكلة: * **التحول الديمقراطي:** يرى البعض أن الحديث عن عملية الانتقال (أو التحول الديمقراطي) تُجيب كافٍ عن وجود مشكلة أو أزمة ديمقراطية في الوطن العربي. * **تزايد النقاشات:** يُعدّ تنامي أعداد المؤتمرات وورشات العمل والندوات الخاصة بالديمقراطية دليلًا آخر عن وجود الديمقراطية كإشكالية فكرية وسياسية شاملة. **العوامل المُساهمة في أزمة الديمقراطية:** تُعاني الديمقراطية في الوطن العربي من عوامل عديدة تُعرقل مسيرتها وتُؤسس لأزمتها، ومن أهمها: * **الديمقراطية الشكلية:** تُعدّ الديمقراطية في الوطن العربي شكلية للغاية، وغالبًا ما تُطابق مفهوم الليبرالية الاقتصادية المنفلتة (الإنفتاح)، التي تُركز على السوق الدولية بدلاً من تطلعات الشعوب. * **غياب الشروط الموضوعية:** تُعاني الدول العربية من صعوبات مادية، تنظيمية، وعقائدية تُعرقل مسار التحول الديمقراطي. * **التأثير الإسلامي:** رفض تيارات إسلامية الديمقراطية، مدّعية أنها تُعارض الإسلام، أدّى إلى تعميق المسألة الديمقراطية وقلّص من حظوظ تطبيق نماذجها في العالم العربي. * **العقل العربي:** توجد عوامل أخرى مرتبطة بالعقل العربي والثقافة التعميمية، والبيئة والمناخ والتفكير العربي، تُساهم في تعقيد المشكلة الديمقراطية. **مشكلات الديمقراطية عند العرب:** تواجه الديمقراطية في الوطن العربي تحديات ومشكلات فكرية، سياسية، وبيئية، تُعّرقلة مسيرتها. تُجسد هذه المشكلات عجز العرب عن تحقيق ديمقراطية حقيقية. من أبرز المشكلات: * **تخلي العرب عن الشورى:** تُعدّ الشورى أساس دولة الإسلام المدنية، وبتخلي العرب عنها، لم يتمكنوا من التمسك بالديمقراطية الغربية أيضًا. * **فجوة الدولة والشعب:** تُعاني الدول العربية من قطيعة بين الدولة والشعب، حيث تُقرر الدولة مصائر الشعوب منفردة، دون مشاركة حقيقية. * **الطائفية:** تُمثل الفئوية الطائفية عقبة أمام مبدأ التمثيل الديمقراطي، لأنها تُؤشكل الديمقراطية ولا تُحلّها. * **غياب الثقافة السياسية:** يُعدّ غياب ثقافة سياسية عند الشعب العربي من أهم أزمات الديمقراطية في الوطن العربي. * **تعارض الديمقراطية مع الإسلام:** يرى البعض أن الديمقراطية تُنافي الإسلام، الأمر الذي يُؤسس لتلك الإشكالية ويُشكل خطرًا على الفكر العربي. * **تخلف الدول العربية:** يُعاني العالم العربي من تخلف اقتصادي واجتماعي يُؤثر على انتشار الوعي والمشاركة الديمقراطية. * **التأثير الإستعماري:** تُشكل تدخلات الدول الأجنبية وتأثيراتها السلبية من خلال التجربة الاستعمارية، عقبة أمام التوصل إلى إجماع بين الفئات السياسية في الدول العربية. * **نقد تعريف الديمقراطية:** لا تُناسب تعريفات الديمقراطية في الغالب العقل والمخيال العربي، ولا تتوافق مع العادات والتقاليد، مما يجعلها غير مقبولة لدى العرب. * **الافتقار للديمقراطيات الشاملة:** لا يُركز العالم العربي على ديمقراطيات شاملة تُعنى بكافة جوانب الحياة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية)، بل تُركز على جوانب معينة دون الأخرى. * **غياب الإيمان بقضية الديمقراطية:** لا يُؤمن الحكام والمُحكومين في الوطن العربي بقضية الديمقراطية، إلا إذا أدّت إلى الوصول إلى السلطة أو بقائهم فيها. **الأسباب العامة لأزمة الديمقراطية:** تُعاني الديمقراطية العربية من مجموعة من الأسباب العامة التي تُؤسس لأزمتها، ومن أهمها: * **أزمة حكم الشعب بالشعب:** تُعاني المجتمعات العربية، كجزء من العالم الثالث، من مشكلات تُعّقل تطبيق مبدأ حكم الشعب بالشعب، خاصة مع انتشار التعددية الدينية والثقافية. * **صعوبات اتخاذ القرارات السياسية:** يصعب على الدول العربية إتخاذ قرارات سياسية بإجماع أفراد الشعب، بسبب التناقض في المواقف والآراء. * **أنظمة الحكم العربية:** تُعدّ أنظمة الحكم العربية (مونوقراطية، اليغارشية، وثيوقراطية) من أكبر أزمات الديمقراطية، لأنها تُركز على بقاءها في السلطة دون مراعاة مصالح الشعب. * **التشويش في المفهوم الديمقراطي:** يعاني مفهوم الديمقراطية في الوطن العربي من أزمة تعريف، حيث يُنظر إليه على أنه مفهوم غامض أو شركي أو ردي أو كفري. * **غياب التعددية السياسية:** يُعدّ غياب التعددية السياسية من أهم علامات أزمة الديمقراطية في الوطن العربي. * **صعود تيار الإسلام السياسي:** يُشكل تيار الإسلام السياسي الذي يُعارض الديمقراطية، خطرًا على مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي. * **سيادة الأمية والجهل:** يُعاني العالم العربي من سيادة الأمية والجهل والتخلف الثقافي، مما يُعّقل تطبيق الديمقراطية. **مضاعفات أزمة الديمقراطية:** تُعاني الدول العربية من مضاعفات أزمة الديمقراطية، والتي تشكل تهديدًا خطيرًا على كيانها ومستقبلها. من أهم هذه المضاعفات: * **أزمة الهوية:** تُعاني الدول العربية من أزمة هوية وكيان، وتهديد وجودها. * **أزمة الشرعية:** لا يتمتع النظام السياسي الحاكم في الدول العربية بالشرعية الكاملة، بسبب غياب الرضى الشعبي. * **أزمة التغلغل:** تُعاني الدول العربية من عجز الجهاز الإداري للدولة عن التغلغل في المجتمعات العربية. * **أزمة المشاركة:** لا تتمتع الشعوب العربية بمشاركة حقيقية في صنع القرارات وصياغة السياسات. * **أزمة الإندماج والتكامل:** تُعاني الدول العربية من غياب الوحدة الوطنية والتكامل بين مكوناتها. * **أزمة التوزيع:** تُعاني الدول العربية من غياب العدالة والمساواة في توزيع الموارد والثروات. **معركة الديمقراطية:** تُشكل مسيرة الديمقراطية في الوطن العربي معركة تاريخية فاصلة بين التقدم والتخلف. * **معركة المصير:** يُعدّ الانتقال الديمقراطي معركة المصير المشترك، التي يجب أن يخوضها الشعب العربي ببسالة. * **معركة التحدي:** تُشكل الديمقراطية تحديًا كبيرًا، حيث لا يوجد خيار سوى التسلح وخوض المعركة. **التسلح لخوض المعركة:** يُعدّ التسلح لخوض معركة الديمقراطية أمرًا ضروريًا، حيث يجب على الشعب العربي أن يُقاتل ويُجاهد من أجل تحقيقها. * **الديمقراطية كوسيلة:** يُعدّ الديمقراطية وسيلة لتحقيق غاية السعادة والأمن والاستقرار للبلاد والعباد. * **البدائل الأفضل:** يجب البحث عن البدائل الأفضل التي تُحقق الخير والمنفعة والسعادة للمجتمع العربي. **خاتمة:** تُشكل أزمة الديمقراطية في الوطن العربي تحديًا هائلاً يتطلب تضافر الجهود من أجل إيجاد الحلول المناسبة. يجب على العرب أن يتسلحوا بالوعي والوحدة والتضحية من أجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية والنهوض بأمتهم.