ومِن عاداتِ أَبناء تِلكَ المَنطِقةِ مِن فِنلَنْدا» أَنَّ الشَّاب يَجبُ أَن يَكونَ له مَنزِلُه الجاهز للسَّكَنِ، قبل أَن يَتزوَّجَ هَذَا مَبداً لَم يَكُنْ لِأَيِّ شَابٌ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ ومن عادة الوالد والابنِ، حِينَ يَبْلُغُ هَذا الأَخيرُ سِنْ الزواج، بالبَحثِ عَن قطعة الأَرضِ المُناسِبةِ لبناء البيت الزوجي، ثُمَّ يُحدّدا قياسات المَنزِلِ الهَندسيَّةَ وإذا كان الوالد يُسعِفُ ابنه في بناء البيتِ، فإنّ الابن هو الذي يَقومُ بحَفَرِ أساس البيت بنفسه. وَبِالتَّسَاؤلِ عَنِ الفتاةِ الَّتِي يُريدُها هَذا الشّابُ أَو ذاكَ زَوجة له وتأخُذُ الفَتَياتُ بالتَّنزهِ جَماعاتٍ أمامَ المَنازِلِ الَّتِي تُشَادُ، وطبيعي أن تكون كل فتاةٍ قَد عَرَفَتْ فِي سِرِّها الشاب الذي انتقاها عروساً لأحلامِهِ ولذا كانَتْ كلُّ فتاةٍ تَقفُ فِي نُزهتِها هَذِهِ بِضْعَ دقائقَ عِندَ المَوْقِعِ الَّذِي اختاره فارسُ أَحلامها، تَتَأَمَّلُ أَعْمَالَ بِناءِ بيتِها المُقْبِلِ، لجَمعِ المَالِ اللَّازِمِ لِبناءِ المَنزِلِ. لَقَذْ شَاءَ أَن يَجمع مالاً كافياً لبناء منزِلٍ كبيرٍ وجميلٍ يَقوقُ المَنازِلَ الأُخرى سعةً وجَمالاً، وكثيراً ما تحادثا في نُزُهاتٍ مُشتَرَكة تَقومُ بها عائلتاهُما إلى الحمامات البخارية. إلا مِنَ التَّفكيرِ في فَتاتِهِ ذَاتِ الزَّنْدَينِ النَّاعَمَينِ والعُنُقِ البَضّ الأبيض، والشَّعْرِ الذَّهَبِيِّ المُرْسَلِ على العُنقِ والكتفين، وهي المُتفوِّقَةُ جَمالاً وعُذوبةً؟ وأخيراً عادَ أَنطونُ بعدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شهراً، وسرعان ما اختار الوالد والابْنُ مَوقع البناء، وراحا معاً يَضَعان النّقاط اللازمة لتحديد هيكلية البيت الجديد ورُقْعَتِهِ. ولَحَظَ الوالدُ اتِّساع رقعة البيتِ، - لا وَأَضَافَ: ويَجبُ أيضاً أن يكونَ الإِسْطَبلُ كبيراً. يجب أن تُحافِظَ على التَّناسُبِ بَيْنَ أَقسامِهِ. وهَزَّ الوَلدُ برأسه علامةَ المُوافَقة. يَجبُّ أَن يَحذَرا الخطأ، ثُمَّ، وتَعلَمُ أَنَّ التَّأخير ناتج مِن مَشارِيعِهِ الكبيرة وآماله العِظامِ. كادَ الخوفُ أَن يُداخِلَ قلبها ، لولا أنَّ شاباً رصينًا وَصَفَ لها مُتَابَرَةَ أنطون وإصراره في غُربَتِهِ، إِلَّا أَنَّ أَنطونَ استطاع أن يُواصِل العمل في فصل الشتاء القاسي لتعويض هَذا التَّأخير . فامثلاً قلب زاسكا زَهْواً وإعجاباً، أَصلبَ وأَمتَنَ مِنَ الخَشبِ العادي، ولكنَّهُ أَكثرُ كُلْفَةً! مَرَّةً أُخرى عادَ الشَّبَانُ لِلتَّندرِ والتسَاوْلِ والشَّلِّ. زاسكا، ولكنْ تَوَقُفَ أنطونَ عَنِ البِناءِ أَثَارَ شمائَةَ أَمْرائِهِ وحُسّادِه. كيفَ تَرُدُّ زاسكا عَلى هَذِهِ الشَّماتة؟ إنها تُدرِكَ تَمامَ الإدراكِ أَنَّ التَّوقُفَ عَنِ الْعَمَلِ كَانَ نتيجةَ غيابِهِ لجَلب نوع متين وصلبٍ مِنَ الخَشبِ. والفَتَيَاتُ الأُخْرَياتُ سَيَتزوَّجْنَ بعد أسابيع قليلةٍ. ولَحَظَ أَنطون نظرةً جديدةً في عَينَي فَتاتِهِ ظَنَّها، ولَكنَّ والدَتَهُ نبَّهتُهُ إلى وُجوبِ الإِسراع في العمل. وجَهِلَ مَا يَعْتَمِلُ في قلبِ زاشكا أليس في البطء ما يُسيء إلى السعادة؟ َلقَدْ أَعْدَدْنَ العُدَّةَ أَثناء ليالي الشتاء. وهَذا ما زادَ في غُصَّةِ زاسكا وشعورها بالحُزن العميق. وبعذوبة كعُذوبةِ اللَّحنِ الَّذِي يَنطلقُ مِنْ عودِهِ حِينَ يُداعِبُه بريشته. كانَتْ شُهْرَتُه قَدْ مَلأَتِ المدينةَ الَّتِي قَضى فيها سَنَواتِ الغُربةِ، وتَردَّدَ صَاحِبُ العرسِ الأَوَّلِ في دعوتِهِ لِلعزف في الاحتفال، لكنه عاد فدعاه حينَ عَلِمَ أنَّ موسيقاه ستَكونُ مُغرية لأبناء القرية جميعاً لحضور حفلة قِرانِهِ، وحضَرَتْهُ الفَتَيَاتُ كلُّهنَّ بمَن فيهِنَّ زاسكا. واهتمامها بكانتا الذي كانَتْ أَنغام موسيقاه تُلامِسُ أَوتارَ قَلبِها الحائرِ. أمّا المُحِبّونَ الباقون فكان جو المرح والنَّشوة يُثيرُهُم ويَدفَعُهُم لِلإجادة في الرقص والغناء، وتحدث كانتا بأناقة عن المدينة التي عاش فيها، فَفَضَّلَتِ الانتظار . ومَضَتْ أسابيع. أَنطونُ يُواصِلُ العَمَلَ لِإنجاز مُصوّراً لها سعادتهما، إِنَّ قلبه العامر بالحُبِّ دَفَعَهُ إلى إنجاز البناءِ مَعَ انتهاء فصل الربيع كانَ واثقاً بانتصاره. وحمل مفتاح البيت الجديد ولو متأخراً قليلا، وجاءَ الفنّانُ كانتا يَعزِفُ لِلعروسَيْنِ السَّعِيدَينِ أجمل ما عِندَهُ مِن أَلْحانِ.