إن ما أقاتل من أجله ليس بدافع حبي للعرب أو للجزائريين الفرنسيين، بل لأنه لم يعد من المسموح لنا أن نخسر هذه الحرب. سنكون جلادي الجزائر، عصابات فاشية في خدمة المستعمرين الكبار. الكابتن إسكلافييه في كتاب "البريتوريون" للمؤلف جان لارتيجي، 1963 معركة أجونيندا خلال أشهر عام 1957 التي استمرت فيها معركة الجزائر العاصمة، لم يكن هناك سوى عدد قليل من العمليات العسكرية ذات الأهمية الكبرى في الداخل. كان الاستثناء في الولاية الرابعة، أو إقليم الجزائر الذي يحيط بالعاصمة، والذي يحتضن سهول متيجة الغنية ويمتد إلى سلاسل جبال الأطلس البرية جنوبًا. تم تقليص حجم قوات الأمن في هذه المنطقة إلى حد كبير من أجل تلبية احتياجات ماسو في المدينة، وتم حث زعماء الولاية الرابعة في هذا الفراغ الجزئي على تكثيف أنشطتهم من أجل إبعاد التوتر عن ياسف وإطاراته المحاصرين في القصبة. قبل معركة الجزائر العاصمة، في نفس الوقت الذي خسروا فيه التقدم السياسي من خلال النجاح المتزايد لنظام الفرق الإدارية المتخصصة (S. بقيادة للاكوست. لكنّ انسحاب بيجار منحهم مهلة للراحة استغلوها لإعادة تنظيم صفوفهم بشكل فعّال. في الوقت الحالي، برئاسة المناضل المثقف بشكل غير معهود، سليمان دهيليس)، الذي تولى القيادة من عمران عند إبعاده إلى تونس وكان الزعيم السياسي للجنة التنسيق و التنفيذ (C. C.E. إلا أنه ربما كان يعتبر العقل السياسي الأكثر ذكاءً في الولايات آنذاك. وكان يعمل معه عمر أوصديق، وهو ماركسي مناضل وصديق لفرانز فانون، وسي صلاح (اسمه الحقيقي محمد زعموم instead of zamoun)، مسؤول الاتصالات. وهو بناء حقق ترقية سريعة من خلال سمعته بالشجاعة والذي قام - جنبًا إلى جنب مع علي خوجة، زعيم جيش التحرير الوطني (A. المسؤول عن "مجزرة" باليسترو لجنود الاحتياط الفرنسيين الواحد والعشرين في عام 1956 - بإنشاء وحدات " الكوماندوز المحلية" الصارمة التابعة لجيش التحرير الوطني. وكان تحت قيادته سي عز الدين (اسمه الحقيقي رابح زراري)، الذي كان في السابق نحّاساً متواضعاً، ويقود حالياً فرقة الكوماندوز التي أخذت اسمها من علي خوجة. وكان مقاتلًا بالدرجة الأولى في حرب العصابات، يتمتع بقوة وقدرة تحمل بارزين. نصب كوماندوز "علي خوجة" كمينًا لوحدة الصبايحية، وعند فك الارتباط، تعرض الكوماندوز للقصف من قبل الطائرات الفرنسية وتهشمت ساعد عز الدين الأيمن برصاصة عيارها 50 ملم. ظل في غيبوبة لمدة يومين، يبدو وكأنه أعمى جزئيا من شدة الألم، وقبل سنتين بالتحديد كان قد تم تهريبه إلى الجزائر العاصمة لمعالجة جرح مؤلم في الركبة على يد الطبيب الفرنسي المؤيد لجبهة التحرير الوطني، بيار شولي. في ربيع عام 1957، حققت الولاية الرابعة طابعًا خاصًا بها من خلال استبدال الهيكل الهرمي الصارم حتى الآن بنظام "المساواة الديمقراطية" والمفوضين السياسيين، والذي كان لتأثير سي محمد دور كبير فيها. نظرًا لتشابهه الوثيق مع تقنيات الماركسية، على الرغم من عدم وجود أي تشابه مع الأيديولوجية السياسية الماركسية، A.S. بقيادة لاكوست التي أصبحت تتمركز بشكل تدريجي في قرى مدينة الجزائر. أظهرت الولاية الرابعة عموما مهارة جديدة في الحرب الثورية، من جميع جوانبها، مما أثار قلقًا كبيرًا لدى القيادة الفرنسية. تابع عز الدين نجاحه ضد الصبايحية بالرغم من عدم اندمال جرحه، وعاد بيجار مسرعاً إلى البلاد بعد أن انتصر في الجولة الأولى من معركة الجزائر، وتنفس الصعداء بتخليه عن دور الشرطي المقيت والقذر في المدينة. وكشفت تقارير استخباراتية دقيقة أن كتيبتين من كتائب سي لخضر، أو سريّتيه، اللتين يبلغ مجموع أفرادهما 300 رجل، بعد نجاحه في نصب كمين للرماة. فخلال ليلة 22-23 مايو، وضع مضليه على محور حركة جبهة التحرير الوطني بالقرب من قرية جبلية صغيرة تدعى أجونيندا تقع جنوب الطريق من البليدة إلى الأربعاء. فقام، باتباعه أسلوبه المفضل، بوضع موقع مقر معركته على ارتفاع قيادي مع انتشار سراياه على شكل قوس حوله، بينما كانت سريته الثالثة في موقع أكثر عزلة إلى حد ما في الشمال. وعلى مقربة من مقره تواجدت سرية دعم على استعداد للدخول بالمروحيات كسدّ منيع لأي نقطة في المنطقة التي قد تقع قوة جيش التحرير الوطني الرئيسية في الشَّرَك التي نصبها. انقسم كوماندوز عز الدين إلى مجموعات صغيرة كلٌ من خمسة مجموعات، ثم مجموعة أخرى من خمسة. وفي وقت مبكر من صباح يوم الثالث والعشرين، صادفت كوموندوز عز الدين بسرية بيجار الثالثة المعزولة. على ما يبدو، أدرك عز الدين نوايا بيجار وقرر تحريك القوة الرئيسية إلى الشمال من موقع السرية الثالثة المكشوف، ومن ثم نصب الكمين "كله"(قابلة للحذف) لها من الخلف. ولفترة وجيزة وجدت السرية المظليين المؤلفة من 100 فرد نفسها أقل عددًا بشكل خطير من 300 من جنود سي لخضر وعز الدين. وعلى جناح السرعة، وبالسرعة المعهودة عن بيجار، التقطت طائرات الفنتيلو قوات سرية الدعم، وأنزلتها دون أن تهبط من ارتفاع ستة أقدام فوق الأرض على قمة خلف قوات عز الدين المهاجمة، وفي غضون أقل من نصف ساعة تم نقل سريتين كاملتين إلى مواقعهما، وهكذا كانت الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود. في هذه الأثناء، ارتكب عز الدين خطأ تكتيكيًا جسيما تمثل في أخذ قواته بمحاذاة مجرى الوادي، بدلًا من قمم التلال، وكانت النتيجة أن تمكن المظليون من احتلال الأراضي المرتفعة المطلة على جبهة التحرير الوطني المحاصرة في الأسفل. ومع ذلك فقد تصدى رجال عز الدين باستبسال شديد، احتدمت المعركة الضارية لمدة ثلاثة أيام، حاولت فيها القوات الفرنسية التسلل عبر خطوط بيجار في مجموعات صغيرة ليلاً. وقد ثبت أنه من المستحيل اعتراضهم جميعًا في منطقة تبلغ مساحتها ثلاثين كيلومترًا مربعًا من البلاد المقطوعة بشكل خاص يغطيها فوج واحد منفرد. وبحلول صباح يوم 26، كان إطلاق النار قد توقف فعلياّ. وبلغ مجموع الخسائر الفرنسية ثمانية قتلى وتسعة وعشرين جريحاً. ولكن ما خيّب آمال بيجار أنه لم يتم استرداد سوى خمسة وأربعين قطعة سلاح فقط، فقد استولى رجال عز الدين على معظم أسلحة القتلى تمامًا كما نقلوا جرحاهم. من الناحية العسكرية، بدت المواجهة في أجونيندا - وهي نموذج للاستخبارات المطبقة بشكل جيد والتحركات القوية - وكأنها انتصار للفرنسيين. حيث لم ينجح الكمين المحكم في القضاء على الجزء الرئيسي من القوات المحاصرة فيه. وقد تم إعدادها بشكل مثالي للأسلوب الفرنسي في الحرب، لكنها كانت أيضا فرصة من تلك التي نادرًا ما تتكرر مرة أخرى. فبينما قد يستنتج الجيش الفرنسي من معركة أجونيندا كما من معركة الجزائر أن جبهة التحرير الوطني لا يمكنها أبدًا هزيمتهم في مواجهة مباشرة، فقد يتساءل مراقب أكثر نزاهة عما إذا كان هناك أمل كبير في الفوز باشتباكات أكثر مراوغة في حرب قد تطول إلى أجل غير مسمى، إذا لم تتمكن وحدة بيجار المميزة من تحقيق نصر كامل بشروطه الخاصة. أما من ناحية أخرى، فإن الاستنتاجات التي تم استخلاصها هي أن معركة أجونيندا كانت احدى المعارك التي لا مفر لجبهة التحرير الوطني من خسارتها خسارة فادحة، وبالتالي يجب تجنبها بأي ثمن. إن نجاح نظام سوستيل - نظام الفرق الإدارية المتخصصة (S. A.S. بقيادة لاكوست في القرى (حيث يبلغ عدد مسؤولي الفرق الإدارية المتخصصة الآن ما يقرب من 600 مسؤول منتشرين في جميع أنحاء الجزائر) وسياسة إعادة التجميع القاسية يعني أيضًا أن الولايات كانت تجد صعوبة متزايدة في الحصول على المساعدة من السكان المحليين لعملياتها العسكرية. اضطروا إلى استخدام كهوف جبال الجزائر الجيرية كمثل عيون في جبنة الغرويير. وكما فعل عبد القادر من قبلهم، استغل جيش التحرير الوطني هذه المخابئ الطبيعية بمنتهى البراعة، وهكذا، سيتم استئناف عمليات الكر والفر الصغيرة في الداخل، بينما كان من الممكن إعداد كتائب وفيالق جديدة في الملاذات المحصنة خلف الحدود التونسية والمغربية وتسليحها وتدريبها، ثم إرسالها إلى الجزائر عندما يحين الوقت. الحركى مع تحول معارك "القتل" المرغوبة على غرار معركة أجونندا الى الاستثناء وليس القاعدة، كانت توجد قوات الكوماندوز السوداء التابعة للجنرال دي بولارديير، وهي وحدات شبه حرب عصابات مسلّحة تسليحا خفيفا كلفت بمهمة "الترحال" مع السكان المسلمين في البلاد. وخلافًا للنهج السائد والمُحزن في الجيش، فقد تعهدوا باعتبار كل مسلم "صديقًا وليس مشتبهًا به، إلا إذا ثبت العكس". كانوا في كثير من الأحيان متورطين في مواقف شديدة الخطورة - فضلاً عن النظر إليهم بشيء من الريبة من قبل السلطات ذات التفكير التقليدي. ثم شهد عام 1957 تطور وحدات الحركى على نطاق واسع، وهي وحدات تتألف ممن اعتبرهم الفرنسيون جزائريين "مخلصين" – و "خونة" لجبهة التحرير الوطني. كانت هذه الوحدات في الأساس من بنات أفكار عالم الإثنولوجيا، الذي سيذكر أن دفاعه عن آريس في اليوم الأول من الحرب كان قد تم تسهيله إلى حد كبير باستغلال خصومات قبيلتين من قبائل الأوراس. بعد أن لاحظ سيرفييه وقوع حوادث قام فيها قرويون في منطقة أورليانزفيل /عين مليلة بقتل كشافة جبهة التحرير الوطني بالفؤوس، وحصل - على الرغم من معارضة رسمية كبيرة - على إذن في البداية بإنشاء "سرايا صغيرة" من حوالي ألف رجل، أو المقاتلين القدامى. أصر "سيرفييه" على أن تتمركز وحداته الحركية بالقرب من منازلهم، على أساس منطقي مفاده أن الجندي المسلم البعيد عن عائلته يكون عرضة للتهديد بالرسائل، ما قد يدفعه - بشكل طبيعي تمامًا - إلى الفرار لإنقاذ زوجته وأبنائه. كان حركى سيرفييه، الذين كانوا يعرفون كل مسلك في منطقتهم ومسلحين ببنادق محشوة بطلقات ثقيلة مصممة للخنازير البرية، وهي أسلحة فتّاكة على بعد خمسين ياردة في الغابة، سرعان ما أثبتوا أنهم أداة مهيبة لتعقب جبهة التحرير الوطني. وانتشر خبر رواتب حركى الجيدة وظروف معيشتهم الملائمة كانتشار النار في الهشيم. الذي كرس نفسه لقضية الجزائر الفرنسية والذي تم تطويق المقاومة الحمراء في إقطاعه - لتشكيل ما كانت في الواقع جيوش خاصة أخرى. في غضون عامين من بناير 1957، ارتفع عدد قرى "الدفاع الذاتي" الخاصة بالحركى من 18 الى 385 قرية، حيث وصل إجمالي قوتها البشرية في نهاية المطاف إلى 60, ولعل من المثير للدهشة أن أحد الأساتذة الأمريكيين، وهو يؤكد على المساواة والعدل الذي عومل به الجزائريون الذين كانوا يخدمون في الجيش الفرنسي، يقول بشكل قاطع: "لم يكن عدد الجزائريين الذين قاتلوا مع جيش التحرير الوطني من أجل الاستقلال في أي وقت من 1954 إلى 1962 يضاهي عدد الجزائريين الذين قاتلوا في الجانب الفرنسي". تفاوتت قيمة وموثوقية وحدات الحركى تفاوتًا كبيرًا إذ تتناسب بشكل مباشر عادة مع كفاءة مسؤول نظام الفرق الإدارية المتخصصة (S. A.S. الذي تقع تحت ولايته. حيث جاء في التقرير الرسمي بصراحة: "إن خيانة عناصر من الحركى سهلت نصب كمين ضد قوات النظام ". طار سيرفييه على متن مروحية، وما اكتشفه كان كالتالي: تمت إقالة ضابط من أصحاب الخوذات الزرقاء المحليين لاصاص من قبل القيادة العسكرية التي لم توافق على أساليبه. ومنذ ذلك الحين، خرجت وحدة المدفعية الفرنسية في دوريات لا فعالية لها على الإطلاق ، بسلوكهم نفس الطريق كل يوم، كما استغلوا الحركى كقوات نقل لجر الذخائر وأجهزة اللاسلكي - بدلاً من تمشيط الوديان وقمم الجبال، وهي المهام التي تم تكوينهم من أجلها والتي برعوا فيها. ليس من المستغرب أنه في منتصف إحدى ساعات وجبات الغداء الثقيلة، فُوجئ الجنود/ المدفعيون الفرنسيون بمهاجمة الثوار من إحدى التلال العالية. دب الذعر في صفوفهم فتفرقوا في الغابة بينما صمد الحركى وحدهم. وعندما وصلت التعزيزات تم العثور على جميع الحركى قتلى، إذ قام أحد الضباط بقتل أربعة عشر من الثوار بواسطة رشاش، "عملية الطائر الأزرق" و "عمليات خاصة" أخرى وكان على القادة "المخلصين" أن يحموا أنفسهم بالمسدسات والبنادق، الذين طالما كانوا أهدافا ذات أولوية بالنسبة لجبهة التحرير الوطني. كان لانعدام الثقة جزءا من اللعبة. ولم يكن دائما دون سبب. في واحدة من أولى "عملياتهم الخاصة"، ذلك المشروع الغامض وذا السرية البالغة الذي يحمل الاسم الرمزي الطائر الأزرق، كان الفرنسيون قد أحرجوا أنفسهم بشدة. باستغلالهم الضغائن القديمة بين القبائل والعرب، اذ تم تشكيل فرقة عصابات معادية لجبهة التحرير الوطني في منطقة القبائل من طرف الانفصاليين القبائليين (في عهد سوستيل، والذي كان على ما يبدو تحت رعاية الشرطة في المقام الأول. وصل عدد أفراد العملية المعروفة باسم بـ" القوة قاف") (Force k إلى أكثر من ألف رجل يطالبون بأسلحة أكثر فعالية، وانتقلت مسؤوليتها إلى الجيش. في ربيع عام 1956 أُستُدعي النقيب هانتيك إلى مقر القيادة العامة للجيش في الجزائر العاصمة وعُيّن مسؤولا عن "مراقبة" العملية. وكان هنتيك عضوًا في وحدة الصدمة السريّة الحادية عشرة التي كانت قد حققت للتو انتصارًا في الحرب السرية بقتلهم لبن بولعيد عن طريق تفجير مذياع مفخخ. وكان هو نفسه قد وصل حديثًا إلى الجزائر في فترة نقاهة بعد خدمته في الهند الصينية، ومنذ مرحلة مبكرة سيشارك مع جان سيرفييه في تشكيل الحركى. لكن سرعان ما أحاط الغموض بعملياتها شديدة السرية، إذ يبدو أنه لم تشهدها أي وحدات فرنسية في الجوار أبدًا، كما أنه نادرًا ما يتم التعرف على جثث ثوار جبهة التحرير الوطني الذين يُزعم مقتلهم؛ وفي كل مرة يتم تلقي فيها بلاغ عن مكان وجود كريم المراوغ يكون قد غادر المكان بحلول وصول "القوة قاف" إليه. فقد اكتشف جان سيرفييه، الذي جيء به لتقديم المشورة، ثم عثر هنتيك على صورة فوتوغرافية جماعية على جثة أحد قتلى جبهة التحرير الوطني، جاء الكشف النهائي عندما وقعت وحدة فرنسية في كمين نصبته، مما بدا دون شك، أنها كتيبة من "القوة قاف" في نهاية شهر أكتوبر. وفي صباح اليوم التالي أُبلغ هينتيك أن الحاكم العام بتلقيه الرسالة المجهولة التالية: سيدي الوزير، ظننتم بأنه وبـ(عملية قاف) أدخلتم حصان طروادة في كنف((spirit instead of heart المقاومة الجزائرية، لقد خدعتم. الذين كنتم تظنونهم خونة للأمة/للوطن الجزائري، هم في حقيقتهم مناضلون أوفياء لوطنهم. تلقى هينتيك الآن أوامر "بتصفية" عملية "الطائر الأزرق"، إذ تم القضاء عليها بلا رحمة بمساعدة من فرقة المظليين القوية، في الوقت الذي كانت على وشك التزود بمدافع الهاون. وقد قُتل من أفرادها 130 وجرى استعادة ما يعادلهم من الأسلحة، بينما نجا حوالي 600 من عملاء "قوة قاف" ليلتحقوا بكريم من جديد. وفي أعقاب ذلك، تبين أن كريم كان قد اخترق قيادة "القوة قاف" في مرحلة مبكرة، وقام بتحويلهم، وحتى أنه زودهم "بجثث جبهة التحرير الوطني" التي كانت في الواقع جثث أعضاء الحركة الوطنية الجزائرية (M. N.A. المنشقين والذين تم ذبحهم. أمثال لانسلوت تنيسون. لكن كانت عملية الطائر الأزرق مكسبًا صافيًا دون شك في "حرب التضليل" بالنسبة لجبهة التحرير الوطني. " كان بلحاج جيلالي الملقب بـ"كوبوس"، وهو تحريف للكلمة العربية التي تعني مسدس، مصدر إحراج آخر للفرنسيين في الحرب السرية للجيوش الخاصة. كان "كوبوس" ابن ضابط حارب إبّان الحرب العالمية الأولى وكان من أصحاب الأملاك الصغيرة، وقد ألقي القبض عليه كعضو في منظمة الجيش السري في 1950، فقد تم تشجيعه هو الآخر (تحت رعاية D. S.T. أيضًا) على إنشاء مجموعة مضادة في منطقة أورليانزفيل على الأطراف الغربية للولاية 4 التابعة لجبهة التحرير الوطني. وقد اعتبر "مراقبوه" الفرنسيون أنه من المحتمل أن يكون كوبوس يلعب على الحبلين مرة أخرى استنادًا إلى سجله السابق وبدأوا في سحب دعمهم له في أبريل 1958. وقد قامت الولاية الرابعة الآن بممارسة ضغوط شديدة على داعمي كوبوس المباشرين، وأخبرتهم أنهم إذا جاءوا، فسيتم الإفصاح عنهم. وقام باغتيال كوبوس عند عودته من الجزائر، ثم قطع رأسه ليأخذه "كجواز مرور" إلى جبهة التحرير الوطني، وترك الجثة مع عمود علم ثلاثي الألوان مغروزاً في عنقه بطريقة مروعة بعد فصل الرأس عن الجسد. ومع ذلك، لم يتم الوفاء بالصفقة، وسرعان ما قام قادة الولاية الرابعة بتصفية جميع ضباط كوبوس المنشقين وعددهم اثنان وعشرون ضابطًا. أصبح الفرنسيون أكثر حذرًا في توزيع الأسلحة؛ ولن يتخلص منه حتى أخلص الحركى ولاءً لهم. هلاك بلونيس ثم ظهر بلونيس مجددًا، أو كما يدعى باسم "عملية أوليفييه". وقد انضم بلونيس بالكامل إلى صفوف الفرنسيين، وقاموا بتجهيزه بشكل مكثف ومكلف (الحفاظ على نفس النغمة) للغاية، وفي إحدى المرات بلغ عدد قواته حوالي ألفي رجل مسلح. N.P. A، وسار رافعا علما أبيض وأخضر يتوسطهما هلال ونجمة أحمران يضاهي ألوان علم الجزائر المستقلة. صار بلونيس فريسة لجنون عظمة، بعدما رقى نفسه لرتبة جنرال. في البداية حقق بعض النجاحات الملحوظة ضد جبهة التحرير الوطني في منطقة تحاذي شمال الصحراء التي كانت تابعة للولاية 6 المنشأة حديثًا. ولكن بدأت معاملته القاسية لسكان المنطقة ولرجاله تثير استياء الجيش الوطني للشعب الجزائري بقدر استياء جبهة التحرير الوطني. وبدأ أنصاره في الاندثار، وفي 22 مايو وجه سلسلة من الرسائل المجنونة بعض الشيء إلى الرئيس كوتي والجنرال ديجول؛ وبعد مرور بضعة أسابيع، ذكرت سيمون دي بوفوار في مذكرتها "لقد قتل الفرنسيون بلونيس الذي اتُّهم بقتل أربعمائة من رجاله، وتقول الصحف الإيطالية إن الفرنسيين قتلوا بلونيس والأربعمائة رجل". الذي كان يقود الفوج الثالث للمظلات الاستعمارية بعد مغادرة بيجار، على جثث ضحايا بلونيس الذين أعدموا حديثًا أثناء تفكيك "عملية أوليفييه"، فقرر معاقبته بلا رحمة. تم العثور على جثة بلونيس المهشمة بالرصاص بالقرب من بوسعادة وعُرضت الى العلن على أنه "خائن لفرنسا". و بمقتل بلونيس، انتهى بشكل كارثي المحاولة الجديدة لتأسيس جيش خاص؛ في الوقت نفسه، تم التخلص أيضًا من تهديد كبير لمحاولة عسكرية منافسة من قبل المصاليين، مما صب في صالح جيش التحرير الوطني "زرق" ليجيه يقلبون الموازين ربما تُعادل تقريبًا نجاحات الحركى الموثوق بهم الخسائر التي تكبدها الفرنسيون في هزائم مثل عمليات الطائر الأزرق وكوبوس وبلونيس، تمكن الفرنسيون من تنفيذ إحدى أكثر حيلهم قيمة في الحرب "السرية". الذي ولد في المغرب سنة 1922، وكان يمتلك ملامح داكنة وهزيلة تجعل منه شخصاً يمكن اعتباره من الأقدام السوداء أو من العرب أو من القبائل، وقلما كانت هناك أدوار سرية له لم يلعبها. وكان هو نفسه قد تطوع للانخراط في صفوف في فرنسا المحتلة عام 1944. وباعتباره مظليًا مع دي بولارديير في الهند الصينية، فقد قام بالعديد من المهام المحفوفة بالمخاطر في أراضي فيتنام-مين متنكرًا في زي أحد مقاتلي الجنرال جياب. D.E. C.E. في عام 1955، حيث "اختفى" في أعمال بالغة السرية خلال السنتين التاليتين. لفت الكابتن ليجيه انتباه العقيد ترانكي، ووضعه على رأس منظمة في غاية السرية تسمى " فرقة الاستعلامات والاستغلال " (G. R.E) قامت فرقة الاستعلامات و الاستغلال بقيادة ليجيه و المرتبطة بالمفرزة الحضرية للحماية المثيرة للجدل الخاصة بترانكي مع نظام مخبري الحراسة الذي يذكرنا بشكل مقيت بالرايخ الثالث، و الذين يعملون فقط تحت إمرة العقيد جودار – قامت- بجمع شبكة من العملاء المسلمين رفيعي المستوى الذين تخلوا عن جبهة التحرير الوطني تحت وطأة درجات متفاوتة من التعذيب في مراكز التحقيق. صعوبات و الحلول وفي المراحل الأخيرة من معركة الجزائر كان عملاء ليجيه المزدوجون الزرق قد تمكنوا في نهاية المطاف من الإطاحة بياسف ثم بعلي لابوانت. وكان ذراعه الأيمن في قلب المجموعة، كان قد خدم في الهند الصينية، وامرأة مسلمة تدعى "حورية السمراء" انضمت إلى ليجيه بدافع إنساني بحت، فقد اكتشفت أن زوجها المناضل في جبهة التحرير الوطني الذي اعتقله الفرنسيون قد خانها لحماية عشيقته. شغلت حورية دورًا رئيسيًا باعتبارها ساعيًا يحمل رسائل لجبهة التحرير الوطني في الجزائر، ولكن تحت سيطرة ليجيه. و كان هنالك شاب في الحادية والعشرين من عمره يدعى هاني محمد والذي كان قائدا للمنطقة الغربية للجزائر العاصمة نيابة عن ياسف حتى ألقي القبض عليه في أغسطس 1957، والذي كان الرئيس السابق لجبهة التحرير الوطني في شرق الجزائر العاصمة، وهو الذي قاد المظليين إلى مخابئ كل من ياسف وعلي لابوانت من خلال التواصل المستمر معهم بعد أن انقلب عليهما. ومع ذلك لم يكن أحد على علم بهوية الخائن سوى ياسف ورفاقه (حتى بعد القبض عليهم) وكانت إحدى آخر أفعال ياسف في الحرية هي تعيين صافي لو بور قائدًا عسكريًا لمنطقة الجزائر بأكملها. تم إبلاغ هذا التعيين إلى عميروش، القائد القبائلي الشرس للولاية الثالثة. وبعد أن علم النقيب ليجيه ورئيسه غودار بذلك، ومع انتهاء معركة الجزائر، رأيا فجأة فرصاً لا مثيل لها تنتظرهما، ومع إزاحة ياسف وعلي لا بوانت من الطريق، لم يبق من قادة الجزائر العاصمة سوى صافي لو بور؛ لذلك أصدرت لجنة التنسيق والتنفيذ C. وهكذا وجد ليجيه نفسه، بالفعل، وكأي عميل مخابرات يوضع في هذا المنصب، واجه صعوبة في الاختيار بين شن غارة والقضاء على شبكة جامعي الأموال والعملاء قبل "انكشاف" اللعبة المزدوجة المعقدة، أو الاستمرار فيها إلى أقصى حد على أمل اختراق هيكل جبهة التحرير الوطني بأكمله بشكل أعمق. وبناءً على نصيحة جودار، اختار ليجيه المسار الأخير، وتبع ذلك لعبة خطيرة للغاية في الأشهر الأخيرة من عام 1957. بل وقاموا أيضا بالتخطيط لتفجير مقرهما الخاص بغية تعزيز مصداقيتهما. في الوقت نفسه، كان هاني محمد قد نجح في سياق اتصالاته مع عميروش في الوصول إلى قيادة المنطقة الغربية للولاية الثالثة، ولكن عندما تم اعتقاله عن طريق الخطأ من قبل الجيش كان من الواضح أن اللعبة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وأنه يجب خوض مغامرة كبيرة دون تأخير. R.E. تم خداع قادة جبهة التحرير الوطني بالكامل، كما تم الاستيلاء على مصنع كبير للقنابل ومستودع للأسلحة، بالإضافة إلى كميات من الوثائق التي تدينهم والتي ستؤدي إلى شن عمليات زرقاء أخرى مميتة. كان انقلاب ليجيه ناجحًا أكثر من كونه تكفيرًا عن الإخفاقات السابقة مثل عملية الطائر الأزرق و كوبوس وحتى عملية بلونيس. لقد كان تدمير شبكة كل ما يلي ياسف في الجزائر شاملاً لدرجة أنه، في الواقع، لم يكن من الممكن إعادة إنشاء المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة Z. A.A. بشكل فعّال حتى الأشهر الأخيرة من الحرب. لكن كانت عواقب انعدام الثقة التي زرعها في الولاية الثالثة أبعد من ذلك، فقد ضرب ليجيه بطريقة عشوائية إلى حد ما نقطة ضعف جبهة التحرير الوطني برمتها، حيث كانت الشكوك والأحقاد المتبادلة والخوف من الخيانة توقد نار النفوس باستمرار.