راجعتْ صناعة المعاجم في العالَم العربي وكَسَدَتْ سُوقُها، نتيجةَ استغناءِ القارئ والكاتب والباحث العربي عن هذه الذخيرة اللغوية والمفاهيمية الهامة والضرورية. وغياب ثقافة استعمال المعجم لدى المؤسسات والأفراد في الوطن العربي؛ بالإضافة إلى غياب مشاريع جادة لتطوير وتحديث المعاجم العربية العامة منها والمتخصصة؛ قلَّ أن تجد اليومَ كاتبا أو محررا صحفيا أو باحثا يستعمل المعاجم في التحضير لكتاباتِه أو إعدادِ بحوثِه، هي السِّمة الغالبة لدى كثير من المتعاطين للكتابة في العالَم العربي. بسبب موت واندثار معجم كبير جدا من الألفاظ والكلمات والمصطلحات العربية الفصيحة؛ جراء عدم توظيفِها واستعمالِها، خاصة في مجال الصحافة بما اكتسبوه من زادٍ مُعجمي متواضع؛ وتدويرُه في كلِّ مقالٍ جديد، مع تغذيتِه ببعض النُّتَفِ المعجمية الـمُكتسَبة من القراءة. فانمازَتْ بذلك الصحافة العربية بلُغتِها الهشة والتقريرية الخالية من جمالية البلاغة والصّنعة والإتقان، جيلا كاملاً من المتطفلين على الصحافة، والضحية الأكبر هي اللغة العربية ومُعجمِها اللغوي الفصيح. كان للمعجم وللقواميس اللغوية بشكل عام اعتبارٌ خاص، حيث عرفتْ هذه الفترة أوجَ استعمال وتداول المعجم، تتوفر على مُعجمين أو ثلاثة فقط، سيتذكر جيدا أن المعجم كان جنبا إلى جنبا مع المصحف الكريم في البيت، أما المعاجم المتخصصة فكانت عُملةَ غالية ونادرة جدا؛ حيث كانت الأفواج التي تتخرج من الجامعات؛ وذات مستوى تعليمي وثقافيٍّ ومعرفي عالٍ، خصوصا في اللغة العربية وفي اللغات الأجنبية الأخرى، فتقوتْ اللغة العربية على وجه الخصوص، ودخلت كثيرٌ من المفردات العربية المهجورة للاستعمال، فقد كانت صحافةً قوية من حيث اللغة والأسلوب والمضمون، وكانت المقالات التي تُنشر في الصحف العربية يومَها؛ أقرب إلى بحوث منها إلى مقالات عادية. كما كانت اللغة العربية سواء في البرامج الإذاعية أو التلفزية؛