فإنه بلغني أن والدتي توفيت وأن والدي قتل في الجهاد، فلما سمعت كلامها سكت عنها وقلت لها: افعلي ما بدا لك فإني لا أخالفك، ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم إلا أنه حي لأن أجله لم يفرغ فصارت كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشياً وتبكي عنده، وتعدد عليه وتسقيه الشراب والمساليق ولم تزل على هذه الحالة صباحاً ومساء إلى ثاني سنة وأنا أطول بالي عليها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام، وأردت أن أضربها فرفعت يدي في الهواء فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرح الساحر ثم وقعت على قدميها وتكلمت بكلام لا أفهمه، فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الأسواق والغيطان وكانت مدينتنا أربعة أصناف مسلمين ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكاً، فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب وقال له: أيها الشاب زدتني هماً على همي، ثم قال له: وأين تلك المرأة قال في المدفن الذي فيه الساحر راقد في القبة وهي تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء إلى وتجردني من ثيابي وتضربني بالسوط مئة ضربة وأنا أبكي وأصيح ولم يكن في حركة حتى أدفعها عن نفسي ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى الساحر بالشراب والمسلوقة بكرة النهار. ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت إلى الساحر ومعها قدح الشراب وطاسة المسلوقة ودخلت عليه القبة وبكت وولولت وقالت: يا سيدي كلمني وحدثني فخفض صوته، وعوج لسانه وتكلم ببعض الكلام ، فلما سمعت كلامه صرخت من الفرح وغشي عليها ثم إنها استفاقت وقالت لعل سيدي صحيح، فخفض صوته بضعف وقال: أنت لا تستحقي أن أكلمك، فقد توجهت إلى العافية فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه الساحر، قالت له وهي فرحة يا سيدي على رأسي وعيني ، وتكلمت عليه بكلام لا يفهم تحرك السمك، كما كانت ثم أن الصبية الساحرة رجعت إلى الملك في الحال وهي تظن أنه الساحر، فقال: يومان ونصف فعند ذلك قال له الشاب: إن كنت نائماً فاستيقظ إن بينك وبين مدينتك سنة للمُجد وما أتيت في يومين ونصف إلا لأن المدينة كانت مسحورة وأنا أيها الملك لا أفارقك لحظة عين. ففرح الملك بقوله ثم قال الحمد لله الذي من علي بك فأنت ولدي لأني طول عمري لم أرزق ولداً. أرباب دولته أنه مسافر إلى الحج الشريف فهيئوا له جميع ما يحتاج إليه ثم توجه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب على مدينته حيث غاب عنها سنة. فخرج الوزير والعساكر بعدما قطعوا الرجاء منه وأقبلت العساكر فحيوا السلطان وهنؤه بالسلامة فدخل وجلس على الكرسي ثم أقبل على الوزير وأعلمه بكل ما جرى على الشاب، ثم قال للوزير علي بالصياد الذي أتى بالسمك فأرسل إلى ذلك الصياد الذي كان سبباً لخلاص أهل المدينة فأحضره وخلع عليه وسأله عن حاله وهل له أولاد فأخبره أن له ابناً وبنتين فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى، وأخذ الملك الإبن عنده وجعله خازندارا،