لقـــــــاء العظيمينإبراهيم بن عمر السكرانالحمد لله وبعد،تخيل معي أنه قد اجتمع اليوم أهم رمزين من رموز الفكر العربي. أو أهم رجلين من رجال السياسة في في عالمنا العربي . ولنتخيل اجتماعاً انعقد اليوم يضم أهم شخصيتين في العالم الإسلامي.برأيك . وفي تقديرك: ما هو الموضوع الذي تتوقع أن يفتح على طاولة الاجتماع؟هل تتوقع –مثلاً- أن يكون الموضوع عن الحرية؟ أ ربما يكون موضوع الاجتماع عن النهضة والحضارة والتنمية؟ أم عن البطالة والإسكان؟ أم عن تطورات الإعلام؟ أم أزمة الاقتصاد؟أم عن ماذا يا ترى؟ما هو أعظم ملف يمكن أن يليق باجتماع أهم شخصيتين فكريتين . أو أهم شخصيتين سياسيتين في العالم العربي أو الإسلامي؟ وأدهشني جداً الموضوع الذي دار الحوار بينهما على أساسه.ربما يعود السبب إلى أننا تعودنا على نمط معين من الأجندات والقضايا في الاجتماعات الهامة.أو ربما يعود الأمر إلى ذوق فكري معين تعودنا عليه في ترتيب القضايا ذات الشأن العام.المهم .وبشكل خاص فهم هذين العظيمين للقضايا المصيرية والحاسمة التي تستحق أن تنفق فيها الاجتماعات وتبذل فيها الأوقات. أشعر أن صديقي القارئ الآن متشوف للاطلاع على قصة هذا الاجتماع لأهم رجلين مشيا على هذا الكوكب .لا بأس. دعني أنقل لك الآن هذا الخبر التاريخي عن اللقاء عالي الطبقة الذي ضم أهم شخصيتين إطلاقاً في أرشيف بني آدم .عفواً . أحببت أيضاً أن أؤكد أن مكان اللقاء هو أيضاً مكان متفرد . موقع استثنائي . يليق بعظمة هاتين الشخصيتين . بل هو موقع خاص لفئة معينة من القادة والمؤثرين.أما الشخصيتين محل اللقاء . فبدهي طبعاً أن أهم وأعظم وأجلّ شخصيتين في تاريخ النوع الإنساني كله هما:إبراهيم بن آزر بن ناحور . صلى الله عليهما وآلهما وسلم.وكون هذين هما أفضل رجلين خلقهما الله هذه حقيقة معروفة عند المسلمين. ثم إبراهيم صلى الله عليهما وسلم)[ابن تيمية، الاقتضاء:2/833، طبعة الرشد]وقال ابن تيمية أيضاً:فصلٌ: وأفضل الأنبياء بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم الخليل)[ابن تيمية، الفتاوى:4/317]. لا شك أن محمد وإبراهيم الخليلين –صلى الله عليهما وآلهما وسلم- هما أعظم شخصين في تاريخ البشرية. فلننتقل الآن إلى جوهر الموضوع:متى التقيا؟ واين كان موقع الاجتماع؟ وما موضوع الاجتماع الذي دار الحوار بينهما على أساسه؟التقى محمد بإبراهيم –صلى الله عليهما وسلم- لما أسري برسول الله ثم عرج به إلى السماء السابعة.وجاء في بعض الروايات أن النبي –صلى الله عليه وسلم- التقى بإبراهيم، وإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، أحمد:23552، وغيرهم].والحديث حسنه الترمذي [ح3462] ، وحسّنه ابن حجر في [نتائج الأفكار: 1/101، مكتبة ابن تيمية]، واستشهد بهذا الحديث ابن رجب وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل العلم كما سيأتي.ولبعض الأئمة المتقدمين كلام عن بعض طرقه كما في [العلل لابن أبي حاتم: 5/309، إشراف د.الحميد].حسناً . لا يمكن أن يمر القارئ بهذا الحادثة في اجتماع محمد وإبراهيم الخليلين –صلى الله عليهما وسلم- في السماء ليلة الإسراء إلا وتستولي عليه الدهشة من هذا الأمر الذي اهتم به إبراهيم الخليل وطلب من نبينا محمد –صلى الله عليهما وسلم- أن يوصله لنا.إنه أبونا إبراهيم مهتم بنا .فهذا إبراهيم أعلم الناس بالله بعد نبينا يرسل لنا وصيةً بعد موته وارتحاله عن هذه الدنيا.إنها وصية قادمة من رجل سبقنا في الرحلة إلى المستقبل الأبدي .يا محمد، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ويخبر أن الجنة أرضها طيبة مباركة. فهي قيعان، لكي يغرس المؤمن فيها أشجاره بقوله (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).هذا إبراهيم الخليل الذي آل إلى ربه يريد من محمد صلى الله عليهما وسلم أن يخبرنا نحن بهذه المعلومة . فتغرس لك شجرة في جنات عدن؟! والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. غُرِست له شجرة في الجنة، وغُرست لك مثلها، كما في صحيح مسلم (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)[مسلم:1893].فربما كنت نائماً أو تتناول طعامك أو منهمكاً في عمل . والله يغرس لك في الجنة بسبب أقوامٍ دللتهم وذكّرتهم فتفطنوا للذكر .وقد بوّب على هذا الحديث العظيم الإمام ابن القيم في منظومته المتلاطمة (الكافية الشافية) المشهورة بالنونية فقال (فصلٌ في أن الجنة قيعان،ونظم فيها ابن القيم تحت هذا الفصل أبياتاً مستمدة من هذا الحديث فقال:وغراسها التسبيح، والتكبير، والتـ ** ـحميد، والتوحيدُ للرحمنِتباً لتاركِ غرْسِه ماذا الذي ** قد فاته من مدة الامكان والصحابة يروونه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد يرويه عن إبراهيم الخليل! وسبباً متعلقاً بخليله إبراهيم -عليه السلام- كما من علينا بذلك فى حبيبه وخليله وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم)[تهذيب الأسماء واللغات:1/100،ثم ساق النووي بإسناده هذا الحديث السابق مروراً بالترمذي. حتى أن الإمام ابن رجب يقول:وصلت إليكم معشر الأمة رسالةٌ من أبيكم إبراهيم،