واسمه الكامل: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، وينتهي نسب الإمام أحمد إلى شيبان بن ذُهل بن ثعلبة، وقد وقع خَطَأٌ في نسبه من بعض النُّساب صححه الخطيب البغدادي، فنُسب إلى بني ذهل بن شيبان. وسبب الخطأ هو أن ذهل بن شيبان اسم لعم ذهل بن ثعلبة الواقع في سياق نسب الإمام أحمد وكان جد الإمام، وكان أبوه محمد من أجناد مرو، وعلى ما صرح به هو عن نفسه، ونشأ الإمام أحمد يتيمًا في حجر أمه في بغداد، قال: "قال لي أبو عفيف وذكر أبا عبد الله أحمد بن حنبل فقال: كان في الكُتّاب معنا، فقال له: بعثت بها مع ابن أخي؛ يعني أحمد بن حنبل، وكان أحمد ألقى بها في الماء، فقد قال ابن قتيبة في ذكر أسماء المعلمين: ومن المعلمين: علقمة بن أبي علقمة، وإمام البصرة حماد بن زيد. فسمع من علي بن هاشم بن البريد، وكتب عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة. ثم قدم بغداد قديمًا واستقر فيها. فقد حفظ كل ما سمعه من هشيم ابن بشير، فقد كان من شيوخ أحمد الأولين أبو يوسف رحمه الله. وكان بها من أساطين المحدثين أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، حتى شهد له عبد الرحمن بن مهدي بأنه أعلم الناس بذلك وقال عن نفسه رحمه الله: كنت أذاكر وكيعًا بحديث الثوري، فأمليها عليهم وكان أحمد في رحلته هذه في حال شظف من العيش حتى كان يتوسد اللَّبِن من قلة ذات اليد، فحُمَّ من جراء ذلك فرجع إلى أمه في بغداد. لكن أخلفه الله بها إسماعيل ابن عُلَيَّة، وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل ابن علية ثم رحل إلى واسط سنة 187 هـ وأخذ فيها عن يزيد بن هارون. وما المحرك لهم سوى لُقي سفيان بن عيينة لإمامته وعلو إسناده. وقال: وجدت أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث، إلى أحاديث الحجازيين ورحل اْحمد من مكة سنة 199 هـ متوجهًا نحو اليمن في صحبة يحيى بن معين وإسحاق بن راهويه، وكان يقصد بالذات حافظ صنعاء وعالمها عبد الرزاق بن همام. لأنه كان عنده حديث الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وكان الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه يذهبان إلى أن "الزهري عن سالم عن أبيه" أصح الأسانيد مطلقًا. كتبنا عنه حديث الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وكانت هذه سنته وسنة رفيقيه يحيى بن معين وعلي بن المديني في ذلك، وعرفت الصحبة بينه وبينهم، ويزيد بن هارون وابن علية وعبد الرزاق ووكيع وحفص بن غياث وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان، وكانت هذه هي الفرصة الذهبية للإمام أحمد مع الشافعي، قال: فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، قال الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فذهب به إلى الشافعي. وتلقى عنه مذهبه القديم الذي يعتبر في أغلبه مذهب مالك وأهل المدينة، فهذه الصحبة المباركة بين الشافعي وأحمد كانت ذات أثر عميق في الإنسجام والتقارب بين المذهبين في الأصول والفروع على السواء، وقد ألف في ذلك الشيخ يوسف ابن عبد الهادي المتوفى سنة 959 هـ كتابًا خاصًا سماه "قرة العين فيما حصل من الإتفاق والإختلاف بين المذهبين". فقال: ومن الناس من يقول: ليس بين مذهب أحمد ومذهب الشافعي خلاف إلا في مسائل قليلة نحو ست عشرة مسألة. إشارة منه إلى أنه لا حاجة إلى مذهب أحمد. فإذا حقق الإنسان النظر وجد مذهب أحمد مخالفًا لمذهب الشافعي في أكثر من عشرة آلاف مسألة، فإنه قلَّ مسألة إلا وفيها قول ضعيف في مذهب أحمد، وقد وضعت كتاب "قرة العين فيما حصل من الإتفاق والإختلاف بين المذهبين"، ويرجح أصول مذهبهما على من ليست أصول مذهبه كأصول مذهبهما. قال ابن كثير: وقد قال الشافعي لما اجتمع به في الرحلة الثانية إلى بغداد بعد سنة 190 هـ، إذا صح عندكم الحديث فاعلمني به، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل بارع الفهم لمعرفة الحديث بصحيحه وسقيمه، بل يقول: حدثني الثقة ‌‌الطور الثالث حياة الإمام أحمد في بغداد إلى بداية المحنة أسرة الإمام أحمد تزوج الإمام أحمد بعدما أوفى على الأربعين من عمره، فتزوج بعد وفاتها ريحانة بنت عمر، فولدت حسنُ للإمام أحمد زينب أم علي، حتى إن شعبة بن الحجاج قال لأبي الوليد: أدخلت بغداد؟ قال: لا، قال الخلّال: وأخبرنيمحمد بن علي السمسار، وقال: قد أفسده علي وكانت الحاجة قد اشتدت بآل أحمد بن حنبل في أيام المحنة، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك، ثم قال: تذهب بجوابه، فلما كان بعد حين، كانت قد ذهبت وأما بيت الإمام أحمد فقد كان على حد كبير من البساطة والتواضع، فكان أحمد يجلس إليه ويحرص على دروسه العامة والخاصة إلى أن غادر بغداد في أواخر 198 هـ بعد الزيارة الأخيرة التي وقعت له هناك وكانت هذه الفترة فترة اضطراب وفتن متكررة بين الأمين والمأمون، فقال: "استهلت أي سنة 197 هـ وقد ألح طاهر بن الحسين وهَرْثَمة بن أعين، ومن معهما من الجنود في حصار بغداد، فقال بعض الشعراء ذلك: من ذا أصابك يا بغداد بالعين … ألم تكوني زمانًا قرة العين؟ فهذه الحوادث لم تكن لتترك بغداد هنيئة بالعلم والمعارف والإزدهار الثقافي الذي بكون من وراء الإستقرار السياسي والاجتماعي. أي بعد سنة 204 هـ قال ابن الجوزي: "اعلم أن أحمد رضي الله عنه كان يفتي في شبابه في بعض الأوقات ويحدث إذا سئل ولا يعتبر سن نفسه . وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر وعن الحسين بن إسماعيل عن أبيه، وخاصة الخاصة من تلاميذه هم الذين كانوا يذهبون إلى بيته، فقد قال البردعي يومًا لأبي زرعة: يا أبا زرعة، أنت أحفظ أم أحمد بن حنبل؟ قال: بل أحمد بن حنبل. قال: وكليف علمت ذاك؟ قال: وجدت كتب أحمد بن حنبل، فلا أقدر على هذا كان الإمام أحمد يحدث بتلك الأحاديث، فقد قال علي بن المديني: "ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، فقد أخرج ابن الجوزي عن عثمان بن سعيد قال: قال لي أحمد بن حنبل: لا تنظر في كتب أبي عبيد، قد أوردها أو عامتها الإمام الترمذي في "جامعه" في تعليقاته على أحاديث الأبواب، وقال أبو عبد الله الحسن بن حامد (403 هـ): وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يُلَيِّن القول في كتاب إسحاق بن منصور، وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب، هذا ما أوصى به أحمد بن حنبل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا. وأوصى: أن لعبد الله بن محمد، فإذا استوفى أُعطي ولدُ صالح وعبد الله ابني أحمد بن محمد بن حنبل كل ذكر وأنثى عشرة دراهم، فجعلوا يقبّلون بين عينيه، وكان النائب على بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر، وهي مهابة جاء بها الورع والسمت والخشوع لله باستمرار، ولا أتقى من أحمد بن حنبل وقال محمد بن الحسين الأنماطي: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة، فما الظن لإخوانه وأقرانه؟ وكان مهيبًا في ذات الله،