وبالتحديد في عهد النبي سليمان قامت مملكة كبيرة اسمها سبأ ، تعدُّ مملكة سبأ من أهم الممالك التي وُجدت في التاريخ الإنسانيّ في عهد سيدنا سليمان عليه السلام، نسبة إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن أرفخشد، ثم انتقل إلى الحكم الملكي . وكانت الملكة بلقيس ملكة مملكة سبأ من أهل اليمن في زمن نبوة النبي سليمان عليه السلام . و ذُكرت الملكة بلقيس في القرآن الكريم والكتاب المقدّس، أحاط الغموض سيرة الملكة بلقيس واختلفت المراجعُ التاريخيّة في تحديد اسمها ونسبها. لكنّ الغالبيّة قالوا بأنّها تُنسب إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر، فقد ورثت المُلك عن أبيها الملك بولايةٍ منه لأنّه لم يُرزق بأبناء ذكور يولّيهم العرش. وقابلوه باستياءٍ وازدراء، وقد وصلت أصداء هذا النفور من قِبل قومها إلى خارج حدود المملكة، الأمرُ الذي أثار جَشع وطمع الطامعين في الاستيلاء على المملكة، من بينهم الملك ذي الأذعار عمرو بن أبرهة، غادرت مملكتها متنكّرةً بزيّ رجل لتتمكّن من الرحيل دون أن يتبعها أحد، وهكذا نالت منه وقتلته بفطنتها ودهائها، واستعادت شعبيتها ومملكتها المسلوبة منها بعد تلقين قومها الدرس. تبدأ قصة الملكة بلقيس مع النبي الله سليمان عليه السلام عندما كان في أحد الأيام يتفقد الطير فلم يرَ الهدهد في مكانه، والهدهد لم يخبر نبي الله سليمان بأنه سيغادر مكانه ، فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان عليه السلامقال تعالى : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما ليدهم كل شيء ويسجدون للشمس، وهنا عزمَ نبي الله سليمان على أن يرسل إليها رسالة يدعوها من خلالها إلى الإيمان بالله تعالى وترك عبادة الشمس من دونه. طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة، قال تعالى : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي. قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب، ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها، فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب. واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار. قال تعالى (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وعندما وصلت الهدايا إلى سيدنا سليمان مع جنود ملكة سبأ رفضها وعزم على إرسال جيش جرار إليها لأنها لم تمثل لأمر الله ولم تدخل في دينه. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح، فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان، ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد، وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ) فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها، كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ كريم ) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة، أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟! انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، انتهى الأمر واهتزت ورأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وقد أحسنت بلقيس اختيار الوقت الذي أعلنت فيه إسلامها. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت وتابعها قومها على الإسلام.