يعتبر التحكيم الدولي من بين أهم الوسائل البديلة التي استخدمتها البشرية في فض النزاعات، عرفته جل الحضارات القديمة كنظام قانوني ابتدعه الإنسان من اجل فض المنازعات بين الأطراف أصبح هذا الأخير طريقة مألوفة ومرغوبة يختارها الأفراد سواء كانوا طبيعيين أو معنويين للفصل في النازعات التي تنشأ بينهم بخصوص علاقات أو تصرفات قانونية مدنية أو تجارية، بدلا عن اللجوء إلى القضاء العادي الذي يتميز بإجراءاته المعقدة. قد تم تعريف التحكيم التجاري الدولي على أنه " ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في شكل بند تحكيم وارد في عقد أو في شكل اتفاق منفصل" يتضح من خلال التعريف أن اتفاق التحكيم يأخذ صورتين : شرط التحكيم( :(Clause compromissoireالذي يدرجه المتعاقدان في العقد الأصلي المبرم بينهما وبمقتضاه يتفق الطرفان على أن تحل كل النزاعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد أو تفسيره عن مشارطة التحكيم :(compromis) والتي يتفق بموجبها الأطراف على حل النزاع الناشئ بينهم بالفعل يعد اتفاق التحكيم الحجر الأساسي ونقطة بداية كل عملية تحكيمية، تحكيم من غير وجود عقد أصلي تم إبرامه بين الأطراف. قد يلجأ في بعض الأحيان أحد الأطراف المتعاقدة إلى التحايل من أجل التهرب عن تنفيذ التزاماته البحث عن توفير حصانة لاتفاق التحكيم وحمايته من كلّ المماطلات التي يلجأ إليها الأطراف المتعاقدة. حيث يتطلب تجسيد هذه الحصانة تبني العديد من المبادئ القانونية أهمها مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي وهو موضوع دراستنا. أهمية الدراسة: تكمن أهمية الدراسة فيما يلي:  تحديد مفهوم مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم والعلاقة التي تربطه بالعقد الأصلي.  معرفة مصير اتفاق التحكيم في حالة بطلان العقد الأصلي وكذلك الفرضية العكسية في حالة بطلان اتفاق التحكيم والآثار المترتبة على ذلك.  الإحاطة بالقيود الواردة على تطبيق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم.  مدى إقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم على الصعيد الدولي والتشريعات الداخلية لاسيما  الوقوف على أهمية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم من الناحية العملية باعتبار الدولة الجزائرية تربطها عقود تجارية مع دول أجنبية. تتجلى أهداف الدراسة التي نسعى إلى بلوغها من خلال دراستنا لهذا الموضوع في توضيح أهمية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقود التجارية الواردة فيه، النزاعات عن طريق التحكيم باعتباره اللغز في تشكيل الهيئة التحكيمية، بداية التحكيم التجاري الدولي، العقد الأصلي في حالة بطلان هذا الأخير أو انقضائه. لقد اقتضت علينا الدراسة المزج بين أكثر من منهج منها الوصفي والتحليلي، ضبط مفهوم مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي والأساس القانوني لهذا الدولية وأيضا الإشارة إلى مختلف الآراء الفقهية والقضائية الدولية التي لا يمكن الاستغناء عنها في ما مدى استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي؟ تتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية عدة تساؤلات فرعية وهي: - ما المقصود بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي؟ - ما مصير اتفاق التحكيم في حالة بطلان العقد الأصلي أو فسخه؟ - ما مصير العقد الأصلي في حالة بطلان اتفاق التحكيم ؟ وما هي الآثار المترتبة عن ذلك؟ - هل مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي ينطبق على مشارطة - ما هي الآثار المترتبة عن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي؟ للإجابة عن الإشكالية الرئيسية التي سبق لنا طرحها أعلاه وكذا التساؤلات المتفرعة عنها، موضوع بحثنا إلى فصلين حيث نتطرف إلى دراسة ماهية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي (الفصل الأول) ثم الآثار المترتبة عن هذا المبدأ (الفصل الثاني). ماهية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي يكتسي مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم أهمية بالغة على جميع الأصعدة، فعليه ارتأينا التطرق بالدراسة في هذا الفصل إلى تحديد مفهوم مبدأ استقلالية التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي ثم إقرار المبدأ ونطاق تطبيقه . المبحث الأول: مفهوم مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي يتطلب منا لتحديد مفهوم مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي أن تطرق أولا المطلب الأول: تعريف مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي و أهميته الفرع الأول: تعريف مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي بالرغم من تكريس مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي من طرف الاتفاقيات الدولية إلا أنها لم تضع تعريفا له بل تركت الأمر للفقه. لقد تعددت التعارف المقدمة لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم سواء من جانب الفقه العربي أو الفقه الاستقلالية ينظر اليه على أساس انه عقد قائم بذاته مستقل عن العقد الأصلي بالرغم انه ليس إلا جزء في يستتبعه بالضرورة بطلان اتفاق التحكيم، ذاته و غير مخالفا للنظام العام الدولي. الفرع الثاني: أهمية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي تظهر أهمية مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي في حالة عدم الاعتراف باستقلالية اتفاق التحكيم وإنكارها، ينتج عنه عدم إمكانية السير في إجراءات التحكيم حتى يفصل القضاء في المنازعات المتصلة باختصاص هيئة التحكيم أو بانعدام ولايتها. المحكم على التحكيم بمجرد أنّ يدفع احد الأطراف بعدم صحة العقد الأصلي. يسمح للقضاء الوطني من وضع يده على التحكيم ذاته وإيقاف إجراءاته حتى تفصل الجهة القضائية في تأثر اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي بحيث يعتبر التحكيم ملزما ومرتبا لأثاره من حيث عدم اختصاص قضاء الدولة ومن ثم تختص هيئة التحكيم بتقرير ولايتها. المطلب الثاني: الأساس القانوني لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدول عن العقد الأصلي ومصدره تطرقنا أولا إلى دراسة الأساس القانوني لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم ثم مصدره الفرع الأول: الأساس القانوني لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي اختلف الفقه حول تحديد الأساس القانوني لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، من استند إلى نظرية البطلان الجزئي للتصرفات القانونية وهناك من اخذ بنظرية ازدواج العقد. 1- نظرية البطلان الجزئي للتصرفات القانونية: يستند أصحاب هذه النظرية في إقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي إلى القواعد العامة في القانون المدني طبقا لنظرية البطلان الجزئي للتصرفات القانونية أو ما يعرف بنظرية انتقاص العقد، ومفادها أن العقد الذي يربط الأطراف ليس باطلا بالكامل بل في جزء منه فقط ويكون صحيحا في الجزء يتضح مما سبق أن هذه النظرية تعتمد أساسا على معيار الأهمية التي تكتسي الشق أو الشرط الباطل أو القابل للإبطال بالنسبة للعقد. لم تلقى هذه النظرية الرحب الواسع و إنما تعرضت إلى عدة انتقادات ، ثانيا: نظرية ازدواج العقد يرى أنصار هذه النظرية أن اتفاقية التحكيم هو عبارة عن عقد أخر ذو طبيعة مختلفة، ثاني مستقل بذاته رغم اندماجه من الناحية المادية في العقد الأصلي فهو ليس مجرد شرط وارد في العقد أو الملازم يتعلق بالتزام الأطراف بحل النزاعات التي تنجر عن العقد الأصلي والأساسي عن طريق تلقت هذه النظرية إقبالا واسعا إلاّ أنّها لم تسلم من الانتقادات من طرف معارضي مبدأ الاستقلالية .  مبررات الأخذ بمبدأ الاستقلالية عن العقد الأصلي: - الإرادة المشتركة للأطراف : بمعنى أنّ تتفق الأطراف على إحالة كل النزاعات التي قد تنشأ - اختلاف موضوع اتفاق التحكيم عن موضوع العقد الأصلي الذي يتضمنه: حيث أن موضوع العقد الأصلي يخص الجانب الموضوعي أي الالتزامات التعاقدية الملقاة على عاتق الأطراف، بينما اتفاق التحكيم يخص الجانب الإجرائي في حالة نشوب نزاع بين الطرفين . - خضوع اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) لقانون غير الذي يطبق على العقد الأصلي: بمعنى أن الأطراف يتفقون على القانون الواجب التطبيق في حالة نشوب نزاع بينهم. - عدم إخضاع اتفاق التحكيم (شرط) للاستقلالية عن العقد الأصلي: ينتج عن عدم إخضاع اتفاق التحكيم للاستقلالية عن العقد الأصلي إعلان المحكم عدم اختصاصه بمجرد أن يدفع أحد الأطراف بعدم صحة العقد الأصلي، - عدم التمّييز بين شرط التحكيم ومشارطته: إن عدم الأخذ بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم يؤدي إلى عدم التمّييز بين شرط التحكيم ومشارطته اللذان يعتبران صورتي اتفاق التحكيم. مشارطة التحكيم يمكن للمحكم أن يصدر حكم نهائي حول بطلان أو صحة العقد الأصلي لأنّ اتفاق التحكيم (مشارطة) يتمّ إبرامه بعد نشوء النزاع، يصدره المحكم يخضع لرقابة قضائية لاحقة والتي قد تلغي حكمه. - تعتبر الكتابة من بين شروط صحة اتفاق التحكيم عكس العقد الأصلي: فقد تشترط الكتابة فيه الفرع الثاني: مصدر مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي يعد أول تكريس صريح يعود إلى القضاء الفرنسي في الحكم الشهير في قضية غوسي" أين قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 07 مايو 1963 على أنّه " بما قد يلحق هذا التصرف من بطلان" تتلخص وقائع قضية غوسي" حول النزاع الذي أثير بمناسبة تنفيذ حكم تحكيم صدر في ايطاليا، بناء على شرط تحكيم ورد في العقد الذي يربط مصدر ايطالي بمستورد فرنسي، بالتعويض لصالح المصدر الايطالي بسبب خطأ المستورد الفرنسي في تنفيذ التزاماته التعاقدية، المستورد الفرنسي بعدم إمكانية تنفيذ الحكم التحكيمي لكون أن العقد الأصلي يعد باطلا بطلانا مطلقا لمخالفته للنظام العام الفرنسي وعدم احترام القواعد الإمرة المتعلقة بالاستيراد. يتبعه بطلان شرط التحكيم وبالتالي يكون حكم التحكيم باطلا لبطلان شرط التحكيم، رفضته محكمة النقض الفرنسية إعمالا لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي. لقد تم مسايرة هذا المبدأ الذي وضعته محكمة النقض الفرنسية من قبل محاكم الاستئناف الفرنسية في العديد من أحكامها نذكرها منها: قضية " إقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي ونطاق تطبيقه المطلب الأول: إقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي لوائح التحكيم وقضاء التحكيم الدولي. 1- الاتفاقيات الدولية: لم تشر معظم الاتفاقيات على مبدأ الاستقلالية بصفة صريحة و وإنما اكتفت بالإشارة إليه ضمنيا في مختلف نصوصها، أ - اتفاقية نيويورك لعام 1958: نصت عليه بصفة ضمنية بمقتضى المادة 2/ف3 من الاتفاقية، وكذلك بموجب نص المادة 5/1 أ، يختلف عن الذي يحكم العقد الأصلي. ب- اتفاقية جنيف للتحكيم التجاري الدولي 1961: لم تنص اتفاقية جنيف على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بصريحة العبارة شأنها شأن اتفاقية نيويورك، بمقتضى المادة 5/ف3 حيث نصت اختصاص المحكمين في الفصل في اختصاصهم التي تعتبر من بين نتائج غير المباشرة لمبدأ الاختصاص بالاختصاص. ت- اتفاقية واشنطن 1965: لم يشر مضمون الاتفاقية في محتواه بطريقة مباشرة إلى مبدأ ث- الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام 1987: لم تتطرق هذه الاتفاقية صراحة على مبدأ فشأنّها شأن باقي الاتفاقيات السالفة الذكر، اكتفت فقط بالنص على سلطة المحكمين بالنظر في اختصاصهم وذلك بمقتضى المادة 24. 2- إقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي في القوانين الوطنية 1- القانون الفرنسي: لم تتضمن نصوص القانون الفرنسي القديم ما يشير صراحة أو ضمنا إلى مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي رغم أنّ القضاء الفرنسي هو مصدر مبدأ الاستقلالية و بقي الأمر كذلك إلى غاية تعديل الإجراءات المدنية الفرنسي في سنة 2014، صراحة على مبدأ استقلالية اتفاق بموجب المادة 1447 التي تنص على" حيث أنّها لا تتأثر بعدم فعاليته تكون بدون قيمة، 2- القانون المصري: يعتبر قانون التحكيم المصري الجديد رقم 27 لسنة 1994 من القوانين التي وذلك بمقتضى نص المادة 23. 3- القانون الجزائري: أشار المشرع الجزائري إلى مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بموجب المادة 1040/4 من القانون 08/09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية والتي تنص على انه 3- إقرار المبدأ في لوائح التحكيم الدولية صدرت عدة لوائح عن مختلف مراكز التحكيم الرئيسية الدولية اقرت بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم أهمها: أ - اللائحة التي أعدتها غرفة التجارة الدولية بباريس (C. 8/ف4 انه في حالة الدفع والادعاء ببطلان العقد الأصلي أو انقضائه لا يؤدي إلى نزع الاختصاص من ب -لائحة التحكيم التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري سنة 1976 (Uncitral ): اقرت بصورة واضحة وصريحة لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي بموجب المادة لمادة 21/ ت-القانون النموذجي للتحكيم التجاري الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بتاريخ 21 جوان 1985 مع التعديلات التي اعتمدت في 2006: حيث اقرت بالمبدأ موجب نص المادة 4- الغرفة التجارية العربية الأوروبية: التي أقرت بالمبدأ في نص المادة 21/ف4. 4- إقرار الأحكام التحكيمية لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي لقد صدرت عدة أحكام تحكيمية اقرت بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم سواء على مستوى التحكيم الحر أو اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي و من أهم هذه الأحكام نذكر ما يلي: أ - الحكم التحكيمي الصادر في إطار غرفة التجارة الدولية بباريس في القضية رقم: 1526 لسنة ب - الأحكام التحكيمية الصادرة في المنازعات الناشئة بين دولة " على أنّ اتفاق التحكيم يظل قائما بالرغم من إنهاء عقد الامتياز من طرف الحكومة الليبية، الاتفاق يعد أساسا لاختصاص محكمة التحكيم و تتمثل هذه الأحكام فيما يلي: - في الحكم التحكيمي الذي أصدره ذهب المحكم المنفرد (M. اكتوبر1973 في قضية بريتيش بيتروليوم (BP) ضد ليبي. - الحكم التحكيمي الذي أصدره ذهب المحكم المنفرد( René Jean DUPUY) بتاريخ 27 نوفمبر 1975 في قضية تكساكو (TEXACO) ضد ليبيا. - الحكم التحكيمي الذي أصدره ذهب المحكم المنفرد " ت - حكم تمهيدي صادر في القضية رقم 5651 سنة 1988، الأجنبية KCA Drilling Ltd . نطاق تطبيق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي لقد أثير جدل حول نطاق تطبيق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي، فهناك من يرى انه مطلق يطبق على جميع الحالات دون استثناء ، 1- إرادة الأطراف : فالأطراف لهم كامل الحرية في إبرام اتفاقية التحكيم بشكل مستقل عن العقد وتترتب عليه نفس الآثار بمعنى أنّه في حالة بطلان العقد الأصلي أو فسخه يستتبعه بالضرورة اتفاق اتفاق التحكيم في العقد الأصلي. 2- انعدام العقد الأصلي: حيث يرى جانب انه لابد من التفرقة بين بطلان العقد و انعدامه و هناك من يرى عكس ذلك أي عدم التفرقة بين بطلان العقد و انعدامه. 1- التفريق بين بطلان العقد الأصلي وانعدامه: يرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ التمّسك بمبدأ استقلالية شرط التحكيم يكون في حالة بطلان العقد دون حالة انعدامه، استثناء عن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للعقد الأصلي. أنّ إثارة مسألة اختصاص المحكمة التحكيمية مرهون على وجود عقد أصلي يتضمن في محتواه في الفصل في النّزاع والّتي تستمّدها من اتفاق التحكيم الوارد في العقد، 2- عدم التفريق بين بطلان العقد الأصلي وانعدامه: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن التفرقة بين بطلان العقد الأصلي وانعدامه تفتح الباب للطرف السيّئ الّنية التحايل من أجل استبعاد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم وذلك بالدفع بعدم وجود العقد الأصلي ويؤدي ذلك إلى رفض الاعتراف للسلطة التحكيمية للنّظر في مسألة اختصاصها. الرأي الراجح : التفرقة بين حالة بطلان العقد وانعدامه هو أقرب إلى الصواب، محكمة تحكمية على عقد واتفاق التحكيم ليس لهما وجود فعلي وقانوني. الآثار المترتبة عن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي يترتب عن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي مجموعة من النتائج والآثار، منها المباشرة وغير مباشرة. الآثار المباشرة المترتبة على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي المطلب الأول - عدم ارتباط اتفاق التحكيم التجاري الدولي بمصير العقد الأصلي بمعنى أنّ اتفاق التحكيم في صحته ووجوده أو نفاذه لا يتوقف ولا يتأثر بمصير العقد الأصلي بشرط أن يكون اتفاق التحكيم صحيحا في ذاته. الفرع الأول: موقف الفقه من عدم ارتباط اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي يري جانب من الفقه انه إذا كان اتفاق التحكيم لا يتأثر بالعقد الأصلي في حالة بطلانه، بمصير هذا الأخير في حالة انعدامه. الفرع الثاني: موقف القضاء ولوائح التحكيم من عدم ارتباط اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي 1- موقف القضاء من عدم ارتباط اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي: لقد كان لمحكمة النقض الفرنسية دور في تكريس فكرة التفرقة بين انعدام العقد وبطلانه وهو الرأي الذي تبناه الأستاذ " Senders Piter وذلك بالقول بان اتفاق التحكيم ينعدم بانعدام العقد الأصلي. 2- موقف لوائح التحكيم من عدم ارتباط اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي: اتخذت مختلف لوائح التحكيم نفس موقف اتفاقية جنيف السالف الذكر الرافض لفكرة التفرقة بين بطلان العقد وانعدامه و 1- لائحة التحكيم الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي الدولي: و التي نصت في 16/ف1 على أنّ بطلان العقد الأصلي لا يؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم. 2- لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس:حيث أكدت بموجب نص المادة 16/ف4 أنّ الادعاء بانعدام العقد و بطلانه لا يؤديان إلى عدم اختصاص المحكم. 3- لائحة التحكيم الدولي لهيئة التحكيم الأمريكية ((A. خضوع اتفاق التحكيم التجاري الدولي لقانون آخر غير ذلك الذي يحكم العقد الأصلي وهو ما يعني إمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون أخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي. الفرع الأول: موقف الفقه من خضوع اتفاق التحكيم لقانون أخر غير ذلك الذي يخضع له العقد يرى جانب من الفقه بأنّ إذا كانت مسألة تقرير وجود اتفاق التحكيم وصحته يتطلب الفصل فيها في ضوء نظام قانوني وضعي، للفصل في وجود وصحة اتفاق التحكيم لا يشترط بالضرورة أن يكون هو الذي يخضع له العقد الأصلي. الفرع الثاني: موقف القضاء من خضوع اتفاق التحكيم لقانون أخر غير ذلك الذي يخضع له العقد لقد ذهبت محكمة الاستئناف الفرنسية إلى أن تنفيذ اتفاق التحكيم لا يخضع بالضرورة إلى القانون الذي يخضع له العقد الأصلي الذي يوجد اتفاق التحكيم بين ثناياه. لقد صدرت عدة احتكام قضائية في هذا الشأن نذكر منها الحكم الصادر عن المحكمة العليا الفرنسية أكدت تأييدها لحكم محكمة وقررت بأنّه " الاستئناف أن تفصل فيما يتعلق بشكل هذه الشروط وإثباتها وفقا لقانون قد لا ينطبق عليها وذلك نظرا لاستقلالية هذه الشروط عن العقد في مسائل التحكيم الدولي. - لقد أخذ للمشرع الجزائري نفس الاتجاه حيث تنص المادة 1040 ف2 من ق ا م ا. الآثار غير المباشرة المترتبة عن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الأصلي يعد مبدأ استقلالية المحكم في الفصل في مسألة اختصاصه أو ما يسمى بمبدأ الاختصاص بالاختصاص من الآثار الهامة لاتفاق التحكيم من الناحية الإجرائية لكونه ينقل الاختصاص من قضاء الدولة إلى قضاء أنشأته إرادة الأطراف المتعاقدة. الفرع الأول: مفهوم مبدأ الاختصاص بالاختصاص وأساسه يقصد بمبدأ الاختصاص بالاختصاص أن المحكم يختص بتحديد اختصاصه، المختصة في الفصل في كلّ الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، ثانيا : أساس مبدأ الاختصاص بالاختصاص يستمّد مبدأ الاختصاص بالاختصاص أساسه من الاتفاقيات ولوائح هيئات التحكيم التي حرصت على النص على مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في مسالة اختصاصه، المعنية بالتحكيم وكذا قرارات قضاء التحكيم الدولي. 1- اتفاقية جنيف 1961: لقد نصت اتفاقية جنيف لعام 1961 بصريح العبارة على مبدأ الاختصاص بالاختصاص بمقتضى المادة 5/ ف3. 2- اتفاقية واشنطن 1965: لقد نصت اتفاقية واشنطن1965 الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى بموجب نص المادة 41 منها والتي تنص على 3- القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي سنة 1985: لقد نص أيضا القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي سنة 1985 على مبدأ الاختصاص بالاختصاص بموجب نص ننوه إلى أن هناك أن هناك عدة لوائح صادرة عن مختلف مراكز التحكيم اقرت بمبدأ الاختصاص بالاختصاص والتي نتطرق إلى البعض منها فيما يلي: أ – لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس ((CCI:نصت على المبدأ المادة 8 / ف3 من لائحة التحكيم المعمول بها لدى غرفة التجارة الدولية بباريس. 2- لائحة جمعية التحكيم الأمريكية:نجد أيضا أن لائحة التحكيم المعمول بها لدى الجمعية الأمريكية للتحكيم أخذت بمبدأ الاختصاص بالاختصاص بموجب نص المادة 15. 3 – قضاء التحكيم الدولي توجد العديد من القرارات التي سارت في نفس هذا الاتجاه وأقرت بمبدأ الاختصاص 1- التشريع الفرنسي : لقد كرس المشرع الفرنسي مبدأ الاختصاص بالاختصاص بمقتضى المادة1466 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد لسنة 1980، مضمونها على انه إذا أنكر احد الأطراف على المحكم سلطة الفصل في نزاع في نطاق هذه 2- التشريع المصري: لقد اخذ المشرع المصري بمبدأ الاختصاص بالاختصاص بمقتضى المادة 22/ ف1 من القانون المصري 27 لسنة 1994. 3- التشريع الجزائري: لقد اخذ المشرع الجزائري بمبدأ الاختصاص بمقتضى نص المادة 1044 إثارة الدفع بعدم الاختصاص من قبل أي دفاع في الموضوع. -تفصل محكمة التحكيم في اختصاصها بحكم أولي إلا إذا كان الدفع بعدم الاختصاص مرتبطا الفرع الثاني: مبررات مبدأ الاختصاص بالاختصاص وآثاره أولا : مبررات مبدأ الاختصاص بالاختصاص: تتلخص المبررات فيما يلي: - إن مبدأ الاختصاص بالاختصاص يساعد على سد الباب على الطرف السيئ النية الذي يحاول الغش والاحتيال للتهرب من الالتزامات التعاقدية وعملية التحكيم وذلك في المعاملات التجارية - إبعاد المحكم ونفي سلطته في البت في مسالة اختصاصه تعيد الأطراف إلى التقاضي أمام القاضي الذي أرادوا استبعاده من خلال الاتفاق على التحكيم، قضائية معقدة وطويلة لا تتماشى مع مقتضيات التجارة الدولية. - ثقة الأطراف في قضاء التحكيم والتي تشمل حكم التحكيم في موضوع النزاع، والتمهيدية بما فيها المتعلق بالاختصاص من عدمه والذي يخضع لرقابة القاضي بمناسبة دعوى البطلان أو طلب تنفيذه. - ضمان أكبر قدر من الفعالية للاختصاص بالاختصاص من خلال الحرية الكاملة للمحكم لتقدير مدى صلاحية إنفاق التحكيم ومن ثم تركيز البت في المنازعات لدى المحكم وتفادي وقف إجراءاته وتحاشي الإجراءات الموازية أمام القضاء ثانيا : الآثار المترتبة على مبدأ الاختصاص بالاختصاص 1– الأثر الإيجابي لمبدأ لاختصاص بالاختصاص: بمعنى أنّ للمحكم سلطة وصلاحية الفصل في اختصاصه بصورة تلقائية دون أن ينتظر قضاء الدولة على أن تمّنحه الاختصاص. 2- الأثر السلبي لمبدأ لاختصاص بالاختصاص: يقصد بالأثر السلبي ذلك الأثر الذي يمنع القضاء الوطني من النظر في مسألة الاختصاص حتى يفصل المحكم فيها بالأولوية. عدم اختصاص قضاء الدولة بالنظر في النزاع يترتب على إبرام اتفاق التحكيم صحيحا ووفقا للقانون الواجب التطبيق بشان نزاع معين امتناع الأطراف الفرع الأول: أساس عدم اختصاص قضاء الدولة بالنظر في النزاع أولا – مبدأ عدم اختصاص قضاء الدولة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر لقد ورد هذا المبدأ لأول مرة في مضمون المادة الرابعة من بروتوكول جنيف لسنة 1923م، ولعل أهمها اتفاقية نيويورك لاسيما في المادة 2/ ف2. والمشرع الجزائري في نص المادة 458 مكرر من المرسوم التشريعي رقم 93/09 (الملغى) ثانيا : نظام مبدأ اختصاص قضاء الدولة يقوم التحكيم أساسا على إرادة الأطراف، وبإيجاب من المدعي وقبول من المدعى عليه. ثالثا : المرحلة التي يتدخل فيها القضاء لتقدير صحة وجود اتفاق التحكيم إن فرض النزاع المتعلق بوجود وصحة اتفاق التحكيم، اختصاصها لتبت في الموضوع دون ترقب دعوى الإلغاء في القضاء العادي التي تتعلق بمراقبة الاختصاص فنص المادة 458 مكرر(ملغاة) واضحة في هذا الشأن. رابعا : حدود عدم اختصاص القضاء العادي يعتبر مواصلة إجراءات التحكيم من طرف المحكمة التحكيمية استنادا على مبدأ الاختصاص تأسيسها مستحيلا وبذلك يجبر الأطراف على اللجوء إلي القاضي للفصل في موضوع المسألة التي الفرع الثاني: مبررات تدخل قضاء الدولة دون الاختصاص لحكم النزاع أنّ قضاء الدولة لا يتدخل في النظر في النزاع إلا في حالات استثنائية والتي سنتناولها نتناولها على أولا : تعيين المحكمين ثانيا : اتخاذ إجراءات تحفظية رابعا: دعوى الأمر بتنفيذ حكم التحكيم توصلنا من خلال دراستنا إلى أنّ مبدأ استقلالية التحكيم عن العقد الأصلي يعتبر من أهم المبادئ الفعّالة والمستقر عليها في التحكيم التجاري الدولي، حيث يبطل العقد ويبقى اتفاق التحكيم قائما ومنتجا لآثاره، رغم وروده كبند في متن هذا الأخير (شرط التحكيم)، الاستقلالية تستمد من الاختلاف الموجود بين موضوع العقد الأصلي واتفاق التحكيم، الجانب الإجرائي ولا يهدف إلى تحقيق الحقوق والواجبات والتزامات الأطراف المتعاقدة الناتجة عن كما توصلنا في دراستنا إلى أن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، الآثار المباشرة و غير المباشرة منها مبدأ الاختصاص بالاختصاص والتي لها دور هام في فعالية توصلنا من خلال دراستنا لموضوع مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي مجموعة من النتائج والتوصيات الّتي يمكن تلخيصها فيما يلي :  يعتبر اتفاق التحكيم حجر الأساس في عملية التحكيم،  يلعب مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم دور بارز في تحقيق فعالية التحكيم التجاري الدولي، يؤكده التكريس الشبه الكامل من طرف التشريعات الوطنية المنظمة للتحكيم الدولي.  يعتبر مبدأ استقلالية التحكيم بمثابة حصانة وحماية للأطراف من تملص الطرف السيئ النيّة، والتحايل في تنفيذ التزاماته التعاقدية والتهرب من عملية التحكيم.  يتطلب تطبيق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بوجود اتفاق تحكيم صحيح قائم بذاته، الشروط الموضوعية والشكلية وغير مخالف للنّظام العام الدولي .  مسايرة المشرع الجزائري للتطورات التي عرفها التحكيم، الأصلي بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 1044، التجاري الدولي دون الداخلي .  إنّ نطاق تطبيق مبدأ استقلالية اتفاق ليس مطلقا، في ربط العقد الأصلي باتفاق التحكيم .  يفسح مبدأ الاختصاص بالاختصاص للمحكم مجال واسعا للفصل في اختصاصه وإعطائه الأولوية بالنظر في مسالة اختصاصه.  لا يكفي دفع أحد الأطراف بعدم صحة العقد الأصلي ليعلن المحكم عدم اختصاصه، هذا الأخير التأكد من صحة البطلان ومدى تأثيره على اتفاق التحكيم، البطلان ناتج عن إصابة إرادة احد الأطراف بعيب من عيوب الرضا، إن التوصيات التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة تتمثل في: - نرى ضرورة تقنين التحكيم التجاري الدولي الذي يحكم المعاملات التجارية الدولية. - نرى ضرورة إعادة صياغة نص المادة1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على نحو يتم تعميم مبدآ الاستقلالية على التحكيم التجاري الدولي والتحكيم الداخلي. - نرى ضرورة إعادة صياغة المادة 11 من ق . بمصطلح مشارطة التحكيم . - على المشرع الجزائري استحداث مادة جديدة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي وبيان الحالات التي يطبق عليها المبدأ. - نرى ضرورة استحداث مراكز تحكيم متخصصة مع توفير تكوين خاص للمحكمين يتسنى لهم الإلمام بكل مسائل التحكيم.