لقد ارتكز هذا المبحث على مجموعة من المفاهيم الفلسفية المرتبطة بالمجال العلمي وعلى رأسها مفهومي النظرية والتجربة اللذان يطرحان عدة قضايا فلسفية سواء على مستوى النظرية أو على مستوى التجربة، أو على مستوى العلاقة بينهما، إضافة إلى تعدد المعايير لتمييز النظرية العلمية عن باقي أنواع النظريات الأخرى، وهي قضايا يمكن أن تتخذ شكل أسئلة فلسفية منها: ما هي شروط التجربة؟ وما هي خصائص النظرية؟ ما طبيعة العلاقة بينهما؟ وأي منهما يؤكد صحة الآخر؟ ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لتمييز المعرفة العلمية؟ خطوات المنهج التجريبي إن المنهج التجريبي يفترض في العالم – حسب كلود بيرنار – الإحاطة بشرطين: أن تكون لديه فكرة (فرضية) يخضعها للفحص في ضوء الوقائع. على الملاحظ أن يكون بمثابة آلة تصوير أثناء معاينته للظاهرة ينقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة، يعاين واقعة، ميلاد فكرة (فرضية) في ذهنه تبعا للمعاينة. وذلك باللجوء إلى التجربة. وتمثل الملاحظة الثانية خلاصة الاستدلال، التجريب العلمي بالنسبة لألكسندر كويري فالتجربة بمعناها الخام والملاحظة العامية لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي، أما التجريب وهو المساءلة المنهجية للطبيعة، فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح من خلالها العالم أسئلته، أو بتعبير أدق بلغة هندسية حسب كويري. اختيار الخصائص الفيزيائية البسيطة، وأعداد، هذه المبادئ يطلق عليها اسم الفرضيات. تركيب فرضيات النظرية حسب قواعد التحليل الرياضي، وأن نستنبط منها نتائج ضرورية. إن النتائج التي استخرجناها من الفرضيات هي التي تشكل النظرية الفيزيائية الجديدة. أما النظرية الخاطئة فهي التي لا تتوافق مع القوانين التجريبية. النظرية تـحدد التجربة إن نسقا كاملا للفيزياء النظرية يتكون من مبادئ وقوانين تربط بين تلك المبادئ وقضايا مستنبطة منها بشكل ضروري بواسطة الاستنباط المنطقي، هذه النتائج هي التي يجب أن ترتبط بالتجربة، وهكذا حدد ألبير آينشتاين لكل من العقل والتجربة مكانتهما في نسق الفيزياء النظرية، فالعقل يمنح النسق بنيته، إن البناء الرياضي الخالص وليس التجربة هو الذي يمكننا من اكتشاف المبادئ والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة، وإذا كانت الوقائع التجريبية لا تتطابق مع النظرية فينبغي تغيير الوقائع وليس النظرية حسب آينشتاين. المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية إن الواقعة التجريبية لا يمكن أن تكون علمية – في نظر رونيه طوم – إلا إذا استوفت شرطين هما: أن تثير اهتماما قد يكون تطبيقيا أو نظريا، يتمثل الاهتمام التطبيقي في الاستجابة لحاجيات بشرية، أما الاهتمام النظري فيعني أن البحث يدخل ضمن إشكالية علمية قائمة. كالعلاقات السببية، أي الربط بين السبب والنتيجة. معيار القابلية للتكذيب إن القابلية للتكذيب (أوالتفنيد) – في نظر كارل بوبر – هو معيار التمييز بين النظريات التجريبية والنظريات اللاتـجريبية، لذلك يطلق عليه كذلك معيار القابلية للاختبار، وبالتالي فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه لا يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها، إن نظرية نيوتن في الجاذبية قابلة الاختبار، وهذا التنبؤ يمكن تفنيده، ونظرية آينشتاين في الجاذبية قابلة للاختبار كذلك، لأنها تتنبأ بانحرافات معينة عن المدارات الكوكبية عند نيوتن، فالنظرية تؤثر في التجربة من خلال تأطيرها وتوجيهها عندما تـحدد عناصر وتفاعلات التجربة،